خبر : قيادي في حزب النهضة:لسنا فرعا من الاخوان وزمن الإسلام السياسي انتهى

الخميس 12 يونيو 2014 08:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قيادي في حزب النهضة:لسنا فرعا من الاخوان وزمن الإسلام السياسي انتهى



تونس وكالاتاكد القيادي وعضو مجلس الشوري في حركة "النهضة" في تونس جلال الورغي، أنّ النهضة ليست فرعا لجماعة الإخوان في تونس، وأن حركته استفادت من تجربة الحكم وإكراهاته لتعدّل الكثير من قناعاتها التقليدية.

ويقول الورغي، "لا شك أن النهضة كحركة اجتماعية سياسية طرأت عليها تحولات كبرى منذ إعلان تأسيسها إلى اليوم. وليس في الأمر مبالغة إذا قلنا إن الإعلان عن التأسيس نفسه كان أحد مظاهر هذه التحولات المفصلية في تاريخ الحركة، خاصة وأنها دُفعت إلى هذا الإعلان عن نفسها في ذلك التاريخ (6 حزيران/ جوان 1981) مضطرة مكرهة. ولم تكن لتفعل ذلك في ذلك التاريخ تحديدا إلا تحت الضغوطات الأمنية والتنظيمية التي كانت عرضة لها".

يرى الورغي أن نهضة عصرئذٍ، "لم تكن مهيأة للإعلان عن نفسها في أجواء يسود فيها الانغلاق وغياب الديمقراطية والحريات، لا سيما حرية التعبير والتنظم".

أما بخصوص ما الذي تغير في "نهضتي" الأمس واليوم، يقول الورغي: "يظهر لكثيرين أن لا شيء تغير، وأن النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقا) مازالت تتحرك في إطار وأفق بيان 6 جوان/ يونيو 1981، الذي طالب بالحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي على السلطة واحترام هوية البلاد العربية الإسلامية. وهي كلها مبادئ عامة لا اختلاف بشأنها إذا ما انزحنا عن التجاذبات الأيديولوجية.

الشريعة والهوية

كانت النهضة حسب جلال الورغي، مسكونة إلى حد كبير بقضية الهوية والقيم الإسلامية، لكنها ترى اليوم أنها قضية حُسمت بفعل التطور الذي حصل في المجتمعات العربية الإسلامية، وبالتالي تخفف خطاب النهضة أو يكاد من هاجس الهوية.

وقد انعكس الشعور بحسم موضوع الهوية على الموقف من الشريعة الإسلامية. إذ أن خطاب النهضة بصدد التحول الكامل، باتجاه اعتبار أن موضوع الشريعة لا يجب أن ينظر إليه إلا في إطار تحول اجتماعي وثقافي وسياسي كامل، وبالتالي فإن هناك حاجة أولا لإعادة تعريف الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة، واعتبار أن القضايا الوطنية الكبرى معالم أساسية في الشريعة الإسلامية، على غرار التنمية والعدالة الاجتماعية والقضاء على البطالة والشفافية والحكم الرشيد، وأن هذه الأهداف الكبرى، قضايا جوهرية في الشريعة الإسلامية.

المراجعات

عرفت النهضة تحولات كبيرة ونوعية في منهجها التغييري، وتسارع هذا التغير بشكل جذري بعد المراجعات الجزئية التي أجرتها النهضة عقب المواجهات الدامية مع نظام بن علي في بداية تسعينات القرن الماضي.

يقول الورغي: "يمكن أن نتحدث عن تحول النهضة من إستراتيجية الصدام الشامل مع النظام إلى سياسة التعايش أو التكيف الايجابي أو ما يمكن أن نسميه "الإصلاحية".

ورغم أن نهج النهضة التغييري لم يستقرّ، إلا أنها لا شك حسمت مبكرا في النأي بنفسها عن المنهج التغييري العنيف. وبقيت تتراوح بين المنهج الجماهيري المقاوم والمنهج الإصلاحي، ويمكن القول عموما أن النهضة حركة اجتماعية متحولة باستمرار، تحررت من نمطية الرؤى، ووضعت نفسها في أفق التفاعل المستمر والتكيف مع الأوضاع. لذلك قد يصعب ضبط هوية صارمة أو ثابتة للنهضة.

يضيف: "يمكن القول إن خطاب النهضة بعد 33 عاما على تأسيسها، تحول من التمسك برؤى قبلية مسبقة، إلى خطاب تصوغه الممارسة والواقع المتحرك، فالنهضة تعيش اليوم في مرحلة انتقالية شأنها شأن كل الحركات السياسية والاجتماعية في البلاد، لذلك لا يمكن الجزم بأنها كيان مستقر وواضح المعالم والتوجهات".

ما بعد الإسلام السياسي

على صعيد الأهداف والمنهج، يقدّر القيادي بحركة النهضة جلال الورغي أن حزبه بصدد إعادة التشكل والخروج من مرحلة الإسلام السياسي التي استُنفذت، إلى مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي".

ويفسر لـ"إيلاف": "في هذه المرحلة تبدو النهضة أكثر المؤهلين لها في العالم العربي بعد التجربة التركية. وبها ستتحول النهضة من طور إلى طور، ستتفكك بناها التقليدية ومفاهيمها الأساسية، ويعاد تشكيلها على أسس مختلفة".

إكراهات الحكم

يتفق المتابعون في تونس على أنّ حركة النهضة في المعارضة اختلفت كليا عن النهضة الحاكمة، وذلك باعتراف حتى حلفائها التقليديين من علمانيين وليبراليين تحالفوا مع هذا الحزب الإسلامي في ائتلاف (18 أكتوبر للحقوق والحريات) وهي تجربة فريدة في العالم العربي، ضمت تيارات فكرية وحساسيات سياسية مختلفة، تتفق جميعها على محاربة الاستبداد وفرض احترام الحريات.

وعندما فازت حركة النهضة بغالبية مقاعد البرلمان (المجلس الوطني التأسيسي) في انتخابات أكتوبر 2011، كانت دعامتها في ذلك شعارات ووعود، تعهدت بتحقيقها، على رأسها المحاسبة وعدم مهادنة أزلام نظام بن علي، وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للتونسيين، وهو ما لم يتحقق.

لجلال الورغي رأي قد يكون مختلفا عن تقييمات غالبية السياسيين والمحللين حول تجربة النهضة في الحكم، يقول: "تجربة الحكم مثلت اختبارا حقيقيا للنهضة، بوضعها على محك التجربة والممارسة. ولا ندري هل من حسن حظ النهضة أم من سوئها أن يكون هذا الاختبار اختبارا تأسيسيا، يأتي بعد ثورة، وفي سياق وطني وإقليمي وعربي ودولي ليس طبيعيا بالمرة".

ويعترف الورغي أن حزبه "لم يقرأ التحولات التي جاءت به إلى الحكم بشكل دقيق، فانخرط في تجربة بشكل غير محسوب، طغى عليها التسرع وعدم الحكمة في تقدير المآلات".

ويستدرك قائلا: "ولكن هذه التجربة بقدر ما كانت لها سلبيات بقدر ما جعلت النهضة تساهم بشكل حيوي في مرحلة التأسيس الوطني في البلاد، وأيضا مكنها من الاحتكاك بالواقع وإدراك تعقيداته. وساهمت التجربة في الضغط المستمر على خطاب النهضة وتطويره رغبا حينا ورهبا أحيانا، ولكن كان عمومه تغيرا مهما ومفيدا لها وللمشروع الوطني، ولعل أهم تحول حصل هو أن النهضة أدركت أنها يجب أن تتحول من حزب أو حركة مغلقة على محازبيها ومناضليها إلى حركة وطنية أو مشروع حركة وطنية".

رجة في القناعات

ساهمت تجربة الحكم حسب الورغي، في خلخلة الكثير من القناعات والذهنيات التقليدية، وضغطت التجربة، على النهضة، لكي تملّك مشروعها للناس، لأنه ليس ورادا أن تنجح في تحقيق شيء منه بمفردها أو بقطيعة مع المجتمع.

ويضيف: "تقديري أن المؤتمر القادم للنهضة سيكون نقطة فارقة ومفصلية في الحسم في هوية الحركة وطبيعتها."

إذا... هل من علاقة مع جماعة الإخوان؟

ما قاله الورغي سابقا، يشير بوضوح إلى تغييرات أكثر من "تكتيكية" كما يقول خصوم الحركة، على اعتبار أن العلمانيين والديمقراطيين في العالم العربي، يحبذون وصف مراجعات الإسلاميين وتغيّر مواقفهم بـ"التقية" و"الايهام في القول" و"ازدواجية الخطاب".

فهل يمكن أن تصل مراجعات "نهضة تونس" إلى الحد الذي ينفرط معه العقد الرابط مع جماعة الإخوان الأم ؟

حسب عضو مجلس شورى حركة النهضة، جلال الورغي، فإنّ اعتقاد البعض أن قوى الإسلام السياسي في العالم العربي ترتبط يبعضها في إطار تنظيمي أشمل وهو جماعة الإخوان المسلمين، هو حديث تروج له "الأجهزة الاستخباراتية، في إطار مقاربة أمنية لملف الإسلاميين في حقبة الحرب عليهم، لا سيما خلال فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وهي مقاربة تستدعيها دول مناهضة للإسلاميين بعد التحولات التي يعيشها العالم العربي لتبرير الحملات الأمنية، والحقيقة أنه على الرغم من التقارب الثقافي والاستناد إلى نفس المرجعية، فإنه لا يمكن أن نصنّف النهضة باعتبارها الإخوان المسلمين في تونس. فهذه الجماعات ومنها النهضة هي وليدة بيئتها واستجابة لتحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية خاصة بكل بلد. ولذلك ترى بشكل واضح وبين التباين والاختلافات الكبيرة في الرؤية السياسية واستراتيجيات كل حركة من هذه الحركات"، على حدّ تعبيره.

ومن المهم الإشارة إلى أن حركة النهضة لم تسلك سلوك إخوان مصر في إدارة المرحلة الانتقالية والخلافات مع الخصوم السياسيين والمركزية النقابية واللوبيات الأمنية النافذة.

ورغم "التعنت" و"الصرامة" في الأسابيع الأولى لحكمها، سرعان ما تغير خطاب النهضة نحو مزيد من الانفتاح وتقبل الحوار، قبل أن تحصل مهادنة شاملة مع المنظومة القديمة وجماعات الضغط التقليدية، بمجرد استيلاء الجيش المصري على الحكم، وازاحة محمد مرسي وجماعته، وهو ما اعتبره المراقبون حينها "خوفا من تكرار السيناريو المصري في تونس"، وردت عليه النهضة بالقول "إنما هو حقن لدماء التونسيين".

ويرى جلال الورغي أنّ "مناصرة حزب النهضة للشرعية من مصر هي مناصرة للخيارات الديمقراطية في البلاد، ولما أفرزته صناديق الاقتراع في البلاد عبر انتخابات حرة ونزيهة بشهادة العالم".

تونس أولا ؟

هل يمكن لحركة إسلامية أن ترفع شعار "تونس أولا" ؟

غير مستبعد مع حركة النهضة، فرغم الهواجس التي رافقت اعتلائها لسدة الحكم، وتحريض الإعلام الموالي لبن علي ضدّ خياراتها، وتكوّن صورة نمطية لدى فئات شعبية واسعة تبرز "النهضاوي" على انه "مجاهد ملتحٍ" غايته التضييق على الحريات وانتهاك حقوق المرأة وتطبيق الشريعة الإسلامية، فإنّ الحركة قامت بمجهودات كثيرة لتبديد تلك الصورة.

ويقول المراقبون إن البيئة التي نشطت فيها حركة النهضة كانت تتميز بإرث "علماني" نسبيّ، سطر معالمه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان له تصور خاص للعروبة والإسلام و"القومية التونسية"، ناهيك عن هجرة كثير من القياديين النهضويين إلى الدول الغربية حيث اطلعوا طوال عقود من المنفى والتهجير، على التجارب الديمقراطية الغربية التي أثرت كثيرا في كتابات بعضهم وسلوكاتهم، التي بدت بعد ثورة يناير متناقضة مع كتابات وسلوكات التيار المتشدد الذي يوصف بكونه قريبا من السلفية، وهو التيار الذي لم يغادر تونس وظل محافظا على تصوراته المحافظة والمنغلقة.

ولم تكن النهضة بالضرورة، في تنافر تام مع تلك البيئة "العلمانية"، فحتى حلفاؤها التقليديون من علمانيين ويساريين، ساهموا بشكل أو بآخر في "تونسة" الحركة الإسلامية التي نشطت في سياق غير سياق إسلامي مصر أو المغرب أو الأردن أو سوريا.

وذلك التفاعل بين العلمانيين والإسلاميين في تونس تُرجم في مناسبات كثيرة إلى تصريحات واحتفالات بأعياد وطنية وسلوكات تونسية خالصة صدرت عن قيادات ومشايخ حركة النهضة، وإن كانت التصريحات المنفلتة والتي تحط من قيمة الرموز التونسية الوطنية حاضرة بقوة، ومن ذلك، دعوة راشد الغنوشي إلى رفع علم تونس عوضا عن علم "النهضة" المميز بالأزرق والابيض، وهو (راشد) الذي رفض سابقا الترحّم على روح الحبيب بورقيبة الذي أسس تونس الحديثة، في حين تحدّث أمين عام النهضة حمادي الجبالي سابقا عن (النهضة والخلافة السادسة في تونس !).

يقول جلال الورغي لـ"إيلاف": "حركة النهضة هي أصلا حركة تونسية ولذلك الحديث عن "التونسة" فيه إنكار تاريخي واجتماعي غير علمي، إذا ما سلمنا أن النهضة هي حركة اجتماعية ولدت وبرزت استجابة لتحديات البيئة التونسية ولم تفتعل هذه الحركة قضايا مستوردة لتبرير وجودها".

ويتساءل: "كيف يمكن أن تكون حركة جماهيرية وبشعبية النهضة إذا لم تكن معبرة عن واقع التونسيين وآمالهم وتطلعاتهم؟"

ويرى الورغي أنّ أكبر دليل على أن النهضة كيان تونسي بامتياز، منذ التأسيس، أنها "عندما تعرضت لحملة أمنية في بداية تسعينات القرن الماضي، وجرى تهجير وسجن آلاف من أعضائها، انكمشت وتراجع حضورها، وذبلت وهي في الخارج، لأنه لم يكن من الممكن أن تنتعش إلا في تربتها ومحضنها الطبيعي وهو تونس، وفي كل الأحوال هناك اليوم هاجس مرضي يحتفي بالوطنية الضيقة "التونسة" و"اللبننة" و"الجزأرة"، ويبجّل الدولة القطرية الحديثة حد التقديس، ويتحدث عن أمة تونسية وأخرى ليبية وثالثة كويتية، بينما تتجاهل هذه الكيانات أو الأقطار أنها لا تملك فعليا مقومات الدولة الكاملة إلا في فضائها العربي الأعم، وإلا فهي مهددة بأن تكون دولا فاشلة في أسوأ الأحوال، أو تعيش على المساعدات الأجنبية شرطا لاستمرارها في أحسن الأحوال".