خبر : بفضل الشعور \ بقلم: ناحوم برنياع \ يديعوت

الأربعاء 11 يونيو 2014 06:25 م / بتوقيت القدس +2GMT




إن الكنيست مثل كل برلمان في دولة ديمقراطية هي نادي أصدقاء، فالحب والكراهية يتجاوزان الخطوط الحزبية. وتؤدي المصالح الشخصية أو السياسية، والدسائس والضغوط دورا مركزيا في اللعبة لكنها ليست وحدها فالشعور احيانا يحسم الامر. وقد فاز روبي ريفلين بالرئاسة أمس بفضل الشعور لأنه لا يوجد أحد في الكنيست لا يكترث له: فله محبون كثيرون وغير قليل من الكارهين. أما مئير شتريت في مقابله فيحظى بمحبة عامة لكن لا أحد يقلب العالم من اجله.
وهكذا شاهدنا أمس دراما سياسية فاخرة. فقد دخل ريفلين جولة التصويت الاولى بصفة فائز مؤكد فأنهاها بـ 44 صوتا في مقابل 31 لشتريت. وكان الأثر لشتريت فكان الفرض أن يجد اعضاء الكنيست من الوسط واليسار الذين صوتوا مؤيدين ايتسيك ودورنر وشختمان، أن يجدوا شتريت مرشحا تلائم تصوراته السياسية تصوراتهم وأن تريد المعارضة اظهار قوتها بازاء مرشح الليكود، وأن يفرح اعضاء يوجد مستقبل الذين أقدامهم في الحكومة وقلوبهم خارجها بالانضمام اليهم.
ولم يحدث ذلك ولذلك عدة تفسيرات أكثرها اثارة التفسير الانساني. إن ريفلين الفائز لم يسحر اعضاء الكنيست لكن ريفلين الخاسر، واسطة العقد أثر في قلوبهم وقد اعترف ايتسيك شمولي من حزب العمل بذلك علنا. فقد تابع في الجولة الاولى أكثر رفاقه في الحزب وصوت لشتريت وحينما دخل للتصويت في المرة الثانية رأى وجه ريفلين فغير تصويته.
إن طريق الأبرار ينجح احيانا. وقد حظي ريفلين بهذا العطف الشعوري بسلسلة من القرارات إذ كان رئيس الكنيست، صدت شدة وطأة المعارضة وأحبطت قوانين معادية للديمقراطية، وحفظت قوة الكنيست في وجه الحكومة، وفي سنوات عمل قاتم في اللجنة المالية بتعاون مع زملاء ومساعدة اعضاء جدد من كل التيارات والاحزاب. ويزعم كارهو ريفلين أن كل شيء كان مخططا له فقد حافظ على كرامة الديمقراطية وعمل مع خصوم كي ينتخبوه رئيسا حينما يحين الوقت. لكنهم يضيعون الشيء الاساسي، أعني القلب، فقلب ريفلين موضوع في الجانب الصحيح. وحينما يكون الحديث عن عمل الرئيس فان هذه صفة لا يستهان بها.
في مقابل ذلك كان مئير شتريت أكبر مفاجأة في المنافسة، فقد كان الفرض أن يكون الثالث وألا يحصل على أكثر من ستة اصوات من اعضاء الكنيست من الحركة وصوت واحد لصهره مئير كوهين من يوجد مستقبل. وعمل عمير بيرتس من اجله وبيرتس يعرف العمل. وقد حدث التحول بعد اعتزال فؤاد. وقدّر بيرتس أن يحصل شتريت على 33 صوتا هي ما حصل عليه تقريبا. وقد تجاوز تأييده الاحزاب وكان من المعقول أن يحصد الآن اصوات شاس بسبب أصله وبسبب العلاقة الوثيقة بين تسيبي لفني وآريه درعي، لكن ذلك لم يحدث.
بدأ كل شيء في مراسم البركات السبع احتفالا بعرس إبنة آريه درعي، أول أمس. فالمرشحون للرئاسة لم يُدعوا لكن الآخرين جميعا كانوا هناك ومنهم رئيس الوزراء ورئيس المعارضة. وخطب درعي متحدثا عن جلالة التوراة وصفقت سارة نتنياهو. ووخز اريئيل آتياس نتنياهو لأنه يؤيد ريفلين بفمه لكنه يصوت بخلاف ذلك فابتلع نتنياهو الوخزة بقبول حسن. وكان الشعور عند اعضاء الكنيست من الحريديين أن المعجزة ستحدث بعد قليل وهي أن يعتزل لبيد وحزبه ولفني وحزبها وأن يدخل الحريديون وموفاز مكانهم. وهذا ما يأمله ايضا بعض اعضاء البيت اليهودي.
إن ما يتوق اليه الحريديون بعيد عن التحقق، فلبيد وبينيت موجودان في الحقيقة في مسار صدام، ولبيد ونتنياهو في مسار صدام من نوع آخر، لكنه نشأ في موازاة ذلك تقارب بين لبيد وليبرمان، ولا يوجد لنتنياهو حكومة من غير ليبرمان.
سمع بوغي هرتسوغ الاصوات في حفل درعي وأدرك أن احتمال جعل شتريت مرشحا تتفق المعارضة كلها عليه، ضعيف. فالحريديون يتسربون الى الخارج؛ ورُسل ريفلين مغروسون عميقا في يهدوت هتوراة وشاس الآن تتفكك. وقال يوئيل حسون من الحركة إن العرب وعدوا بأن يصوتوا مجموعة لشتريت لكن الوعد لم يوفَ له.
من المشكلات التي جعلت الامر صعبا على شتريت الاشاعات حول الظروف التي جعلته يدفع تعويضات كبيرة الى مساعدة بيته والظروف التي مكنته من جمع مال جم. ويصعب أن نُقدر وزن الاشاعات لكن يمكن أن نتعلم شيئا ما من حقيقتين الاولى أن قادة حزب العمل حققوا مع شتريت في القضية فأقسم أنه غير مذنب. واتصل هرتسوغ بتسيبي لفني جاهدا أن يعلم الحقيقة. وعاد شتريت اليه وقال إنه كان تحقيق من القناة العاشرة. وفحص المستشار القانوني عن القضية وبين برسالة أنه لا مكان للتحقيق.
والحقيقة الثانية هي أن آريه درعي قال بعد التصويت إن شتريت يستطيع أن يشكر شاس لأنها صوتت لريفلين فلو أنه انتخب لسحقته التحقيقات معه.
في جولة التصويت الاولى صوت 8 من اعضاء شاس مؤيدين داليا ايتسيك. وكان ذلك انجازا مدهشا. ولولا أن بدأت على داليا ايتسيك حملة اعلامية سافرة انحصرت في الشقق التي اشترتها فلربما أمكنها أن تتغلب على شتريت وتنتقل الى الجولة الثانية. وفي حزب العمل لم يستحسنوا ترشح ايتسيك وقد وعد رئيس الكتلة الحزبية ايتان كابل ريفلين بأنها اذا انتقلت الى الجولة الثانية فان الكتلة كلها ستصوت له. ولم يحدث ذلك وانقسم حزب العمل في الجولة الثانية بين شتريت وريفلين.
ونعود الى شاس: فقد انعقدت جلسة الكتلة الحزبية بين الجولة الاولى والثانية وأعلن درعي حرية التصويت. وفي منتصف الجلسة دخل جدعون ساعر من الليكود وأخرج درعي لحديث بينهما وحدهما. وعاد درعي بعد خمس دقائق، لكن الرسالة استوعبت. وقال يعقوب مرجي الذي وعد بالتصويت لشتريت إن وعده يكبله فأحله درعي من وعده.
سيتم اليوم مرة اخرى حفل عند درعي في نطاق البركات السبع. وستكون البركة هذه المرة "خلق كل شيء لجلاله". وسيكون ضيفا الشرف الرئيس التارك شمعون بيرس والرئيس الداخل روبي ريفلين.
إن انتخابات الرئاسة تترك دروسا كثيرة. وهي تقتضي ترتيبا جديدا لاجراءات انتخابات الساسة. ففي عصر الشبكات الاجتماعية يسيطر الشك ولم يعد سؤال ما هو جوهر المرشح والى أين يريد أن يقودنا، وهل هو حكيم وهل هو أهل، يعني أحداً. وكل متصفح يصيح قائلا "فساد" يتم تقبله بالمباركة حتى لو كان الصائح لا يقل فسادا عن موضوعات صياحه. ولا مناص من تحقيق منظم مع كل المرشحين والكشف عن كل دقيق من أملاكهم، ومن مساءلة علنية لأنه يمكن أن نحصل على مرشحين أنقى. ومن الممكن أن نجعل كل الاشخاص الأهل الذين يخشون على ما بقي من خصوصيتهم يهربون ايضا.
والدرس الثاني أنه ليس لرؤساء الاحزاب سيطرة على رفاقهم. وحينما يكون الحديث عن تصويت سري فان احزاب شخص واحد ايضا مثل يوجد مستقبل أو اسرائيل بيتنا تتفرق أيدي سبأ. فضلا عن الاحزاب ذات التراث الديمقراطي مثل الليكود والعمل.
والدرس الثالث أن الحكومة تعاني من ازمة ثقة داخلية في مركزها رئيس الوزراء. وهي غير قادرة على أن تتحد إلا حول مقاعدها. وتحدث هذه الازمات على نحو عام بعد ثلاث سنوات ولاية؛ فهذه الحكومة متسرعة تسرعا خاصا.
والدرس الرابع أنه برغم أن نصف اعضاء الكنيست الحالية جاؤوا من الخارج، يحجم أكثر اعضائها عن تبني مرشحين جدد. وقد أثرت الاحاديث التي اجراها اعضاء الكنيست مع المرشحين في احتمالات فوزهم بطبيعة الامر؛ فقد اظهرت دورنر تفاؤلا مفرطا لا صلة له بالواقع. وكان شختمان مستكبرا فحصل على صوت واحد.
كان شمعون بيرس في فترة رئاسته منتوجة تصدير فاخرة وكان احيانا ورقة التين التي غطت عورة الحكومة، وكان احيانا البديل كما كان هذا الاسبوع حينما صلى مع أبو مازن عند البابا. ولن يكون ريفلين مثل شمعون بيرس فآراؤه في حل الصراع مختلفة وقدراته الدبلوماسية أقل إدهاشا، ولا تسير أمامه جائزة نوبل للسلام. وسيحاول في زياراته للخارج أن يتحدث باسم الاجماع ويحاول أن يخترعه اذا لم يكن موجودا.
لكن ريفلين سيكون رئيسا موحدا ومحتضنا ودافئا لا لأن ذلك يجب بل لأنه كذلك. وهو يريد أن يقوم بزيارته الاولى حينما يصبح رئيسا لكفر قاسم وهي بلدة عربية اسرائيلية جربت مذبحة على أيدي يهود. وهو يؤمن في سذاجة ما بجملة كتبها جابوتنسكي لنشيد البيتار – "هناك يرتوي من الوفرة والسعادة العربي إبن الناصرة وابني".
في 1957 عرض مناحيم بيغن زعيم حيروت مرشح حزبه للرئاسة البروفيسور يوسف يوئيل ريفلين، عضو الحزب. وكان اسحق بن تسفي الرئيس المكلف من مباي في ذروة شعبيته فأدرك ريفلين أنه سيُذل فاعتزل قبل التصويت. وقد كان انتخاب إبنه أمس اغلاق دائرة. فليس عرضيا أن اختار نتنياهو أن يذكر الأب الراحل في تهنئته القسرية للرئيس المنتخب أمس. فحينما يصعب الأمر مع الحي ويتقطع القلب يتم التحدث عن الميت.