يئير لبيد هو كاتب كفؤ، كلماته تتدفق دون جهد. في السبت الماضي قرأت الكتاب الذي كتبه بإسم أبيه. استمتعت جدا. لا يوجد وزراء مالية يعرفون كيف يكتبوا على هذا النحو، ومشكوك أن يكون لنا كذلك مثله في تاريخ دولة اسرائيل.
أبدأ بالذات بذلك كون لبيد يعرف كيف يحول الفكرة الى كلمات. هذه ميزته الكبرى. على اساس الكلمات وصل الى الحكومة، على اساس الكلمات اصبح زعيما لنصف مليون اسرائيلي. عندما تكون كلماته غامضة توجد مشكلة؛ عندما يكون متلعثما ومحدودا فهذا لا يكون بسبب القدرة بل بسبب القرار.
قبل بضعة اشهر من الانتخابات التقينا لاول مرة. قرأته في الصحيفة، وقد ادعى بانه قرأني ايضا. كل واحد يحب أن يقرأه الآخرون، فهذه طبيعة الكُتّاب. على فنجان قهوة قرب بيته في تل ابيب تذكرت احد مقالاته الذي وصف فيه حدود الدولة والنزاع. الحدود التي يعرفها الجميع والنزاع الذي حله واضح – حسب لبيد صاحب المقال.
سألته عن ذلك ولكنه رفض الافشاء برؤياه. فوق القهوة التي امامي يجلس منذ الان سياسي بارع. لا تجرى المفاوضات علنا، ادعى بحزم وخيل لي بانه تملص لانه لم يقرر بعد ما هو جيد للانتخابات.
في الاسبوع الماضي جلسنا معا على منصة في ندوة رابطة المحامين. لقاء واحد على واحد، اسموا ذلك. عمليا، كان هناك بضع مئات. لبيد رجل مريح امام الاضواء وبدونها. هذه ميزة هامة، تثير العطف ولكن لا تكفي كل حاجة. في السنة الاخيرة حرص لبيد على الابقاء على الغموض، وعدم التورط مع اليمين ومع اليسار. ومن شدة الحرص لم يقل شيئا، وأبقى لكل واحد أن يفهم ما يريد.
على المنصة في الندوة سألته مرة اخرى عن اتفاق سياسي بعد نهاية المفاوضات. اؤمن بان على اسرائيل أن تقرر. والغموض ليس جيدا عندما يأتي من اليمين وهو ضار ايضا من اليسار. يجب الجدال من اجل التقدم. وادعى لبيد بانه ضد الخطوات احادية الجانب، شرح بان ذات يوم سيتعين اخلاء 80 ألف شخص من منازلهم بل وكرر بانه مع القدس الموحدة.
بالنسبة لشخص يعرف كيف يبسط الافكار، أجوبته في الموضوع السياسي كانت معقدة: مع وضد العمل وحيدا، مع وضد اخلاء المستوطنين، مع التسوية السياسية وضد الاعتماد على التسوية عندما تحدث هذه. هذا الاسبوع تحولت التصريحات الى خطاب سياسي في ندوة هرتسيليا. وعلى حد قول رجاله، خطاب شاق للطريق، ولكني لم افهم اي طريق يشق.
لقد حث لبيد نتنياهو على أن يطرح خريطة مع حدود، ولكنه لم يشر ما هي حدوده. قال انه يريد أن يجمد البناء خارج الكتل، ولكنه لم يشرح ماذا سيفعل بالكتل. عندما تحدث عن 4 مليون فلسطيني كخطر، نسي بالخطأ أو بالعمد بان مليون ونصف منهم يسكنون في غزة وفككنا ارتباطنا عنهم منذ 2005. وما العمل بالقدس، عاصمتنا الموحدة التي أعلن لبيد عنها مرات عديدة؟ وماذا يفترض بالمواطن العادي، الذي يؤيد ضم الكتل الاستيطانية، ويتفق معه جدا بالحاجة الى الانفصال، ان يفعل بحقيقة أن ليس واضحا اين فصله المخطط؟ لقد تحدث جميلا. تحدث، لمس وتبدد.
لبيد ليس وحيدا في عالم الخطط الغامضة. خطة بينيت "الاخ" تعنى بالضم الذي يبتعد كلما اعلن عنه، وتتجاهل ما لن يضم كي لا تغضب المقترعين من الجناح اليميني. لفني تتحدث عن السلام والشركاء الذين لم تجدهم بعد. ونتنياهو يتحدث هذا وذاك، منوط الحال متى وأين.
لقد أصبح الغموض هو السياسة الجديدة. فالامر لا يتعلق بالفلسطينيين بل بنا فقط. والان يتعين على المواطن الاسرائيلي ان يسأل نفسه: ما هي سياسة اسرائيل؟ ولماذا بحق الجحيم، يفشل الوزراء الشباب، الوسماء والطلقون عندنا في أن يشرحوها في أرجاء العالم؟


