ثمة بضعة أمور ينبغي قولها في ثناء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. نتنياهو يكرس قسما كبيرا من خطاباته اليومية لرئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. بالعبرية وبالانجليزية، على طاولة الحكومة او في زيارة منشأة رياضية، يبالغ في ضرباته له. ابو مازن، يوضح نتنياهو، هو رافض سلام؛ ابو مازن اختار الارهاب؛ ابو مازن يعرف أن يقول فقط لا، لكل عرض اسرائيلي او أمريكي؛ أبو مازن يشجب الكارثة التي كانت ولكن يرحب بالكارثة التي ستكون؛ ابو مازن يسمم نفوس أطفال فلسطين. في قائمة اعداء دولة اسرائيل يقف في الصف الاول، أخ لحماس وايران.
لو كان بوسع الخطابات ان تقتل، لكان ابو مازن والسلطة قد ماتا منذ زمن بعيد. ولحظهما، وربما ايضا لحظنا، ثمة من ينقذهما كل يوم من الموت. وهذا يسمى بنيامين نتنياهو.
عندما كانت حكومة اسرائيل مطالبة بان ترد على قرار ابو مازن استئناف الاتصالات مع حماس في غزة وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية اوقف ابو مازن والسلطة الفلسطينية كلها على عامود العار. وعندها اجتمع المجلس الوزاري ليقرر ماذا ستكون أعمال العقاب الاسرائيلية. كان هناك من تحدثوا عن عقوبات اقتصادية: أموال الضرائب التي تجمعها الجمارك الاسرائيلية لن تحول، والاموال التي ستتراكم في بنوك الضفة لن تستبدل؛ وكان هناك من اقترحوا وقف التعاون الامني؛ وكانوا من اقترحوا اضافة الى ذلك الاعلان عن رد صهيوني مناسب: خطط بناء جديدة في المستوطنات؛ ضم مناطق.
من كل ذاك الضجيج لم يخرج شيئا، باستثناء عناوين الصحف. تسيبي لفني نجحت في تلطيف القرار في المجلس الوزاري. وبدلا من عقوبات توقف تحويل الاموال، عقوبات تقيد التحويل. والجيش الاسرائيلي حرص على ما تبقى. منسق الاعمال في الحكومة اللواء يوآف مردخاي ذهب الى محافظة بنك اسرائيل كرنيت بلوغ واقنعها بان تفسر قرار المجلس الوزاري على هواها. وزير المالية لبيد حرص على جانبه. الاموال التي تجبيها الجمارك من بضائع الاستيراد التي مقصدها السلطة الفلسطينية – نحو 600 مليون شيكل في الشهر – تواصل اسرائيل تحويلها بهدوء الى رام الله مع حسم اجزاء لغرض دفع الديون لجهاز الصحة وشركة الكهرباء. والبنوك في الضفة تواصل استبدال الشواكل في بنك اسرائيل. وفي الاسبوع الماضي اقر تحويل 200 مليون شيكل آخر.
لو لم تتخذ هذه الخطوات لانهارت البنوك في الضفة، واجترفت وراءها معظم الساحة الاقتصادية؛ وبالنسبة للسلطة، فبدون أموال الجمارك، لامتنعت عن دفع الرواتب. وكانت أجهزتها ستتفكك، وكان سيتعن على اسرائيل أن تختار بين الفوضى على حافة بيتها واعادة احتلال مدن الضفة.
نتنياهو، يقال في ثنائه، هو رجل حذر. فقد اختار الامكانية الاقل خطرا بكثير: الخطابة صبح مساء عن جرائم السلطة وفي نفس الوقت تعزيزها. مستر هايد يصفي؛ دكتور جاكل يفتدي. وفي هذه الاثناء، ينجح هذا بامتياز.
يوم الاختبار التالي هو اليوم الذي ستقوم فيه، اذا ما قامت، حكومة الوحدة الفلسطينية. كل محافل اليمين التي تطالب بتدمير السلطة سترفع الرأس؛ والاخطر، الكونغرس الامريكي، الذي بتأثير اللوبي اليهودي يسن قانونا يمنع المساعدة الامريكية عن حكومة بمشاركة حماس، سيسعى الى العمل. ماذا ستقول حكومة اسرائيل لاصدقائها في امريكا؟ ماذا ستقول لاعضاء اللوبي؟ كيف ستقنعهم بالعمل ضد خطابات رئيس الوزراء المقنعة؟
منذ زمن غير بعيد التقيت بأحد مقربي ابو مازن. عندما تحدثنا عن موقف نتنياهو من السلطة ابتسم. "ابو مازن يمكن له أن يتدبر أمره دون السلطة الفلسطينية"، قال. "في عمره، يمكنه أن يسمح لنفسه بالاعتزال. أما انتم فلا يمكنكم ان تتدبروا امركم بدونها. في رام الله الكل يعرف هذا. وعندما تهددون بحل السلطة في رام الله يضحكون".
وعليه فلا داعي لتسيبي لفني أن تقلق: نتنياهو يحتاج الى خطها الساخن مع ابو مازن بقدر لا يقل عن حاجتها هي له. فهو تواق للمظهر السياسي. ولهذا فسيلقي بين الحين والاخر حديثا عن خطوة احادية الجانب. مجردا وغير ملزم. المهم خلق الاحساس في العالم بان شيئا ما يحصل، وانه لم ينتهِ الأمر.
حل الدولتين مات. هذا يفهمونه في رام الله أيضا، وفي القدس وفي البيت الابيض. ولكن في هذه اللحظة مريح للجميع التظاهر وكأن الخطة حية وتتنفس. "لو كنت رسام كاريكاتير، قال لي زميل امريكي لرسمت جثة وكتبت عليها "حل الدولتين". وحول الجثة يقف كيري، ابو مازن، نتنياهو، الاتحاد الاوروبي، قادة الاحزاب في اسرائيل. "هو حي"، يقضي كيري. "انظروا كم هما خداه ورديان، وكم هو جلده صافٍ"، يقول نتنياهو. "حي يرزق"، يتفوه ابو مازن. "حلو"، يعلن بوجي هرتسوغ ويضرب خده بلطف.
والان، عندما تأكدنا بانه يوجد حل للنزاع، يمكن العودة الى الحياة العادية – كل وحياته العادية.


