خبر : بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل

الإثنين 19 مايو 2014 11:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل



القدس المحتلة / سما / حتى قبل قدوم الأزمة الأخيرة في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، كان بعض الفلسطينيين قد فكروا في المرحلة التي ستعقب المحادثات إذا ما أخفقت جملة وتفصيلاً، وخرجوا ببدائل للتعامل معها. وقد شرع أحدث هذه البدائل، التوجه إلى الأمم المتحدة، بالتجسد فعلياً؛ حيث طلبت السلطة الفلسطينية الانضمام إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية. وثمة بديل آخر -المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس- أصبح قيد العمل أيضاً، مع توقيع اتفاق بينهما يوم 23 نيسان (أبريل) 2014. وتشمل البدائل الأخرى قيد البحث: الحصول على رعاية دولية للمفاوضات، وحل السلطة الفلسطينية، ووقف التعاون الأمني مع إسرائيل، وقيام انتفاضة ثالثة. وسوف تلقي هذه الورقة ضوءاً على هذه الخيارات والخيارات الأخرى التي تجري مناقشتها في داخل السلطة الفلسطينية.


التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجرائم الدولية


أحد البدائل يتضمن بذل محاولات للحصول على اعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة عضو في مؤسسات الأمم المتحدة، على نحو مشابه للمسعى السابق إلى تأمين القبول بفلسطين كدولة مراقب غير عضو لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. وحتى الآن، اتخذت السلطة الفلسطينية خطوات محسوبة بحيث لا تتسبب بتحطيم القارب، فطلبت الانضمام إلى 15 فقط من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.


محمد اشتية، العضو السابق في فريق المفاوضات المنسحب، شرح أن التوجه نحو الأمم المتحدة يهدف إلى تدويل المشكلة الفلسطينية، وجعل القانون الدولي هو مصدر السلطة في المحادثات المسقبلية. وكما بيّن، فإن ذلك يعني أن لا تتم مناقشة قضية إنهاء الاحتلال في المفاوضات، وإنما سيفرض القانون الدولي موعداً نهائياً لإنهائه بدلاً من ذلك. وقد ادعى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، بأن القيادة الفلسطينية أخطأت بعدم توجهها فوراً إلى الأمم المتحدة بعد أن تم قبولها كدولة مراقب غير عضو.


في هذه الأثناء، تنوي السلطة الفلسطينية الاستمرار في الانضمام إلى المؤسسات الدولية، والاتفاقيات والمعاهدات التي تراها مناسبة. وكجزء من هذا الجهد، يدرس الفلسطينيون احتمال التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ومقاضاة إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب، من بينها إسكان مواطنين من دولة تمارس الاحتلال في أراض خاضعة للاحتلال -المستوطنات على سبيل المثال. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد قال لجلعاد شير في تصريح مسجل لمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي في كانون الثاني (يناير) 2014: "إن الفلسطينيين مؤهلون للانضمام إلى محكمة الجرائم الدولية، لكنني آمل أن نتمكن من حل مشكلاتنا سلمياً، لأنني لا أريد المزيد من التعقيدات بيننا وبين إسرائيل، أو بيننا وبين العالم. وفي الوقت الحالي، لدي الحق بأن أذهب حيث أشاء (على سبيل المثال، إلى أي هيئة دولية)، لكنني توقفت لأنني أريد أن أعطي السلام فرصة".


من جهته، قال محمد اشتية إن القيادة الفلسطينية ربما تقدم التماساً إلى الأمم المتحدة للحكم على إسرائيل بسبب جرائمها في حال أخفقت المحادثات الحالية، وقال في مؤتمر صحفي: "لقد حضر الجانب الفلسطيني خطة للانضمام إلى 63 من المؤسسات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حال فشلت المحادثات". وأضاف: "لقد قسمت القيادة (الفلسطينية) هذه الهيئات إلى أربع مجموعات، والتي ستنضم إليها على أربع مراحل. وسيكون التقدم إلى محكمة الجرائم الدولية، الذي يسبب الأرق لإسرائيل، في المرحلة الرابعة".


من جانبه، قال صائب عريقات أيضاً للوفد الإسرائيلي: "إنكم إذا قمتم بتصعيد الأمور، فإننا سنلاحقكم في كل منتدى دولي على جرائم الحرب التي ارتكبتموها".


لكنها تجب ملاحظة أن التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ينطوي على مخاطرة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لأنها تدرك أن هناك احتمالاً لمقاضاتها في تلك المحكمة على مزاعم بارتكاب الإرهاب ضد إسرائيل وسكانها. وتعرف القيادة الفلسطينية أن عليها دراسة مثل هذه الخطوة بعناية وحذر.


المصالحة الوطنية


ثمة بديل ثان هو إجراء مصالحة فلسطينية داخلية. وفي يوم 23 نيسان (أبريل)، قبل ستة أيام من الموعد المقرر لنهاية المفاوضات، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية مع حماس اتفاق مصالحة، والذي اشتمل على ما يلي:


- احترام اتفاقيات المصالحة السابقة التي تم توقيعها في القاهرة في العام 2011، وفي الدوحة في العام 2012، ومعاملتها باعتبارها مصدراً للسلطة.


- اتخاذ عباس خطوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع.


- إقامة انتخابات رئاسية وانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني بالتزامن بعد ستة أشهر من تشكيل هذه الحكومة.


- اجتماع لجنة تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية خلال خمسة أسابيع من أجل تنفيذ المهمات المبينة في اتفاقات المصالحة السابقة.


- استئناف نشاط لجنة المصالحة الاجتماعية ولجنة الحريات.


- استئناف نشاط المجلس التشريعي.


وتجدر الإشارة إلى أن الكثيرين في السلطة الفلسطينية يشككون في احمالات تطبيق هذا الاتفاق بنجاح، سواء لأنه تم توقيعه بعد سنوات من الانقسام، أو بسبب الفشل في تطبيق الاتفاقات المشابهة الموقعة منذ العام 2007.


التفاوض كجزء من مؤتمر دولي


مع ذلك، يبقى هناك بديل آخر، هو مواصلة المفاوضات، وإنما كجزء من مؤتمر دولي بدلاً من الاكتفاء بالرعاية الأميركية الحصرية. ولا تعتبر السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة وسيطاً محايداً، وتعتقد أن من الأفضل بكثير أن تجري المفاوضات برعاية دولية. وكان الوزير الفلسطيني السابق لشؤون الأسرى، أشرف العجرمي، والذي تنبأ سلفاً بفشل المفاوضات، قد كتب: "ينبغي أن نسعى إلى إيجاد بدائل يمكنها أن تحمي الحقوق الفلسطينية على الأقل، مثل عقد مؤتمر قمة دولي للسلام، أو صيغة من قبيل 5+1 -مثل تلك التي تناقش البرنامج النووي الإيراني- أو الحصول على تحكيم دولي على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، بحيث يمكن عقد المفاوضات تحت إشراف مجلس الأمن لوقت محدود يتكون من ستة أشهر مثلاً. وفي حال فشل ذلك، يمكن أن تنعقد هيئة دولية متفق عليها من القضاة الذين سيصدرون أحكامهم على القضايا المختلف عليها".


كما دعا محمد اشتية إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة القضية الفلسطينية، والذي يكون مشابهاً لمؤتمر جنيف الذي انعقد من أجل سورية وإيران. ومع ذلك، تجب ملاحظة أن هناك فرصة صغيرة لإمكانية تحقيق هذا البديل. ويمكن أن يقام مثل هذا المؤتمر فقط إذا أرادت إسرائيل -أو تعرضت لضغط شديد- لكي تشارك، بالطريقة التي تم بها الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير لكي يحضر مؤتمر مدريد للعام 1991.


حل السلطة الفلسطينية


قيد المناقشة أيضاً بديل حل السلطة الفلسطينية، وإعادة تحويل المسؤولية عن مناطقها إلى إسرائيل. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد قال لصحفي إسرائيلي في رام الله: "إن المفاوضات ليست بديلاً سياسياً، وإنما هي أساس وجود السلطة الفلسطينية والسبب في أنها قد تأسست. وإذا ما فشلت المفاوضات، فإننا سنقول للحكومة الإسرائيلية: هذه هي السلطة التي دمرتموها، وبالتالي، فإن القيادة الفلسطينية تنقل مسؤولياتها وسلطاتها إلى إسرائيل سلمياً، بحيث ستكون إسرائيل هي السلطة المدنية والأمنية المسؤولة في الضفة الغربية بدلاً من الحكومة الفلسطينية وآلياتها الأمنية".


من ناحية أخرى، ادعى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن السلطة لا نية لديها لتفكيك السلطة الفلسطينية: "إننا لا نتحدث عن حل السلطة الفلسطينية، وليس هناك أحد يتحدث عن تفكيكها من الجانب الفلسطيني". ويعكس تصريح عريقات الاعتقاد الشائع بأن عباس لم ينو حل السلطة الفلسطينية فعلاً، وإنما كان يحاول نقل شعور من الإحباط، سواء من المفاوضات أو من السلوك الإسرائيلي، والتهديد بأن إسرائيل سوف تدفع ثمن الركود.


يُقدر أن قيادة السلطة الفلسطينية لن تسارع إلى تفكيك السلطة؛ حيث يريد أعضاؤها الاحتفاظ بمراكزهم وهم يعارضون بالتأكيد فكرة عودة جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الضفة الغربية. وقد أيدت هذا التقدير عملية المصالحة بين فتح وحماس، وقرار إقامة انتخابات في السلطة الفلسطينية.


إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل


هناك بديل آخر، هو إنهاء التنسيق الأمني، سواء كان ذلك نتيجة لتفكيك السلطة الفلسطينية، أو في خطوة فلسطينية مستهدفة ناتجة عن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، والتي لن تشمل تفكيك البنية التحتية المدنية للسلطة الفلسطينية.


ما يزال التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قائماً منذ سنوات، رغم دعوات حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل معارضة أخرى إلى وضع حد لهذا التعاون. لكنه استمر بفضل عاملين: أولاً، خوف السلطة الفلسطينية من أن تصبح خلايا حماس المسلحة أكثر قوة في الضفة الغربية، وهو ما قد يهدد سيطرتها، خاصة في ضوء انقلاب حماس في غزة. وثانياً، خوفها من أن تشرع إسرائيل في دخول الضفة الغربية على أساس يومي لاعتقال ناشطي حماس، وهو ما سيجعل الآليات الأمنية للسلطة الفلسطينية تبدو سيئة.


في أعقاب قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي يوم 24 نيسان (أبريل) 2014 تعليق المحادثات مع الفلسطينيين وفرض عقوبات اقتصادية عليهم، وصف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، هذه التحركات الإسرائيلية بأنها "إرهاب رسمي"، وادعى بأن السلطة الفلسطينية قد تدرس قطع العلاقات معها كلية -ملمحاً إلى إمكانية وضع نهاية للتعاون الأمني. كما أن طلال عوكل، كاتب العمود في صحيفة الأيام اليومية الرسمية التابعة للسلطة، دعا صراحة إلى إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل.


في حين أن من غير المرجح أن تقوم السلطة الفلسطينية بإنهاء هذا التعاون الأمني، فإن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس ستعني أن تنطوي مؤسسة السلطة الفلسطينية على حافز أقل للتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية مما كانت عليه في السنوات الأخيرة.


حل الدولة الواحدة


ثمة بديل سادس، هو حل الدولة الواحدة. وفي كثير من الأحيان، يتم طرح فكرة إقامة دولة واحدة ثنائية القومية -التي سيشكل فيها الفلسطينيون أغلبية- في داخل كل الأراضي الممتدة بين الأردن والبحر، كبديل للمفاوضات على حل الدولتين. وقد دعا محمد اشتية إلى "توديع حل الدولتين". وأضاف: "إننا نتجه إلى بديل الدولة الواحدة". لكن هذا الخيار مستبعد جداً الآن، بما أنه يتطلب موافقة إسرائيل عليه.


انتفاضة ثالثة


بديل قيام انتفاضة ثالثة هو خيار آخر قيد المناقشة أيضاً؛ وهو بديل يقترح اثنين من أشكال المقاومة؛ أحدهما يماثل الانتفاضة الأولى، في شكل مقاومة غير عنيفة على الغرار الذي يسمى المقاومة "الشعبية"؛ والثاني هو استخدام المقاومة المسلحة، على نحو يشبه الانتفاضة الثانية.
كان عباس قد حافظ على معارضته المتواصلة للمقاومة المسلحة، لأنه يدرك أن الانتفاضة الثانية ألحقت أضراراً بالقضية الفلسطينية؛ وطالما ظل رئيساً، فمن المرجح أن سيستمر في معارضتها. وقد عبر عن هذا الموقف وزير شؤون الأسرى الفلسطيني السابق أشرف العجرمي، الذي قال: "إن أكثر الأشياء أهمية في الحملة المقبلة هو أن لا تتحول إلى العنف، وهو ما تبذل إسرائيل كل ما في وسعها لتوجيهنا إليه". وخلال زيارة قام بها إلى إيران في كانون الثاني (يناير) 2014، تحدث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، ضد فكرة التفجيرات الانتحارية في داخل إسرائيل: "إننا لم نتخل أبداً عن سلاحنا... ما تزال المقاومة خياراً استراتيجياً، والمقاومة المسلحة خيار مطروح على الطاولة... إننا نريد أن يقبل العالم بوسائلنا. أعتقد أن لدينا الحق، حسب القانون الدولي، في استخدام أي نوع من المقاومة، في الأراضي المحتلة وضد الاحتلال، من أجل وضع نهاية للاحتلال. أقول لكم أنها لن تكون هناك أي تفجيرات لحافلات، ويجب أن لا تكون هناك أي تفجيرات لحافلات في تل أبيب".


مع ذلك، حذر مسؤولون آخرون من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة. وعلى سبيل المثال، وفي أعقاب استشهاد ثلاثة ناشطين من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس في شهر آذار (مارس)، اشتبكت عناصر من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، مع جيش الدفاع الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين، وأشار حسام خضر، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين، إلى أن "الانتفاضات الفلسطينية السابقة لم تكن قد بدأت بقرارات اتخذتها القيادة السياسية".


تجدر الإشارة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تعتبران ما تدعى المقاومة "الشعبية" شرعية، حتى لو أنها تضمنت العنف في شكل إلقاء الحجارة، والقنابل الحارقة، وأكثر. وتبقى هذه الأشكال من المقاومة أحداثاً متكررة في أجزاء من الضفة الغربية، وهي ليست بديلاً عن المفاوضات. وفي مؤتمر انعقد في أواخر نيسان (أبريل) 2014، دعت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى توسيع أنشطة المقاومة الشعبية.


باختصار، يبدو أن عباس سيقوم بتعزيز المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، وربما يعمل على الساحة الدولية من أجل تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، يرجح أنه سيواصل الإعلان عن استعدادة لمواصلة المفاوضات وفق شروطه الخاصة، وسيختار العمل في المنطقة اللاعنفية.