القدس المحتلة / سما / كشف مسؤول أمريكي مطلع على تفاصيل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية أمريكية في تقرير خاص نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت، أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيعمد خلال الأيام القليلة القادمة إلى حل معظم الطاقم الذي كان يعمل معه في المحادثات.
واوضح المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن أسمه نظراً لحساسية القضية، أن كيري لم يعلن بعد ما إذا كان سينتظر عدة أشهر ومن ثم يبدأ مساعي جديدة في محاولة للتوصل إلى تسوية، أم أنه سيطلق مبادئ أساسية يقوم عليها الاتفاق حسب ما تراه الإدارة الأمريكية.
هآرتس: المسؤول الامريكي الذي استضافته يديعوت احرنوت هو مارتن اينديك
وأكد مسؤولون إسرائيليون ذلك لصحيفة هآرتس مستدلين برسالة بعثها "مارتن انديك" البعوث الامريكي لعملية السلام الى معهد "بروكينغز" في واشنطن الذي شغل فيه نائب رئيس المعهد ومدير فرع السياسة الخارجية قبل تسعة أشهر من انطلاق محادثات السلام أشار فيها إلى أنه من المتوقع أن يعود قريباً إلى المعهد.
وأوضحت الصحيفة أنها توجهت إلى مسؤولي المعهد لاستيضاح الامر ولكن رفض اي أحد منهم التعليق على الموضوع، ورجحت هآرتس أن يكون المسؤول الامريكي الرفيع الذي استضافته صحيفة يديعوت أحرنوت للحوار حول فشل المفاوضات ورفض الكشف عن هويته هو "مارتن ايندك" نفسه.
قضية الاستيطان أفشلت المفاوضات
وكشف المسؤول أيضاً، أن قضية الاستيطان كانت من أهم العقبات التي حالت دون إمكانية التوصل إلى حلول خلال الأشهر التسعة التي اتفق عليها خلافا لما يدعيه الإسرائيليون، مشيراً الى أن اقواله هي أقرب ما يكون للموقف الأمريكي الرسمي غير المعلنة حول ما حدث خلال الأشهر التسعة الماضية.
واوضحت يديعوت أحرنوت أنه وفي حال إطلاق النسخة الأمريكية من الاتفاق أو المبادئ كما يحب الأمريكيون تسميتها، فسيكون ذلك بمثابة دعوة للطرفين للمبادرة بالهجوم كل في نصف ملعبه، على حد تعبيرها، لافتةً إلى أن كيري في الوقت ذاته قد يعرض نفسه لانتقادات حول الأخطاء التي ارتكبها خلال المحادثات.
إسرائيل كانت ستسيطر على 80% من الضفة وتقسيم القدس وفق مقترح كلينتون
ويضيف التقرير نقلا عن المسؤول الامريكي ، أن الطاقم الأمريكي استخدم برامج حاسوب متطورة لترسيم الحدود في الضفة الغربية بصورة أولية، وحسب المخطط الأمريكي كانت (إسرائيل) ستحتفظ بالسيادة على أكثر من 80% من المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية، مقابل إخلاء 20% فقط.
أما فيما يخص الحدود في القدس فقد اعتمد المخطط ما اقترحه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عام 2000 وهو أن تكون الأحياء اليهودية تحت سيطرة (إسرائيل) والأحياء العربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وبدروها الحكومة الإسرائيلية لم ترد على المقترح الأمريكي بالقبول أو بالفرض ولم تقدم حتى وجهة نظرها بالنسبة لموضوع الحدود، حسب المسؤول الامريكي.
وكما جرت العادة جاء الانتقاد الأمريكي للحكومة الإسرائيلية على شكل عتاب من صديق لصديقه الذي يبقى محل ثقة لكنه تسبب "بجرح عميق"، هكذا تقول صحيفة يديعوت أحرونوت.
تركيبة الحكومة الإسرائيلية منعت من تجميد الاستيطان قبل بدأ المفاوضات
ثم يطرح التقرير تساؤلاً حول ما إذا كانت المفاوضات محكومة بالفشل منذ انطلاقها، حيث قال المسؤول الامريكي: "كان ينبغي أن تبدأ المفاوضات بقرار بتجميد البناء في المستوطنات، إلاّ أننا رأينا أن ذلك لم يكن ممكنا وذلك نظرا لتركيبة الحكومة الإسرائيلية، وعليه ألغينا موضوع التجميد".
وأضاف: "لم نكن ندرك أن نتنياهو كان يستغل الإعلانات عن عطاءات لمشاريع جديدة في المستوطنات للمحافظة على حكومته، كما لم نكن ندرك أن استمرار البناء في المستوطنات كان يسمح للوزراء في حكومة نتنياهو بتخريب أي نجاح تحققه المفاوضات".
وبالتالي يضيف المسؤول: "كانت هناك أسباب عديدة وراء فشل جهود السلام، ولكن على الجمهور الإسرائيلي ألاّ يغفل الحقيقة المرة وهي أن المستوطنات هي المسبب الأول للفشل، لأنه كيف يمكن للفلسطينيين أن يصدقوا بأن (إسرائيل) ستسمح لهم بإقامة دولة في الوقت الذي تواصل بناء المستوطنات فوق المناطق التي يفترض أن تقوم عليها تلك الدولة، وإننا نتحدث عن 14,000 وحدة استيطانية وليس أقل، ولم ندرك سوى بعد انهيار محادثات السلام بأن البناء يصاحبه مصادرة أراض على نطاق واسع، وهو ما لا يتلاءم مع الاتفاق".
مصير المفاوضات أصبح مجهولاً
ثم يمضي التقرير للقول بأن مصير المفاوضات لم يعد واضحاً، مشيراً إلى أن الرئيس الفلسطيني اشترط لاستئنافها تجميد البناء الاستيطاني مدة ثلاثة أشهر لأنه يعلم أنها إذا ما تم التوصل إلى اتفاق فسيكون باستطاعة (إسرائيل) أن تبني كما تشاء ضمن حدودها التي تتمخض عن الاتفاق، لكن (إسرائيل) رفضت شرط الرئيس الفلسطيني.
وماذا عن الرئيس الأمريكي براك أوباما الذي نأى بنفسه عن التدخل في المفاوضات؟ هل كان قراره عاملا آخر ساعد على إفشال المحادثات؟، ويجيب المسؤول المطلع على المفاوضات: بأن أوباما كان يدعم وزير خارجيته طوال فترة المحادثات، وخير دليل على ذلك استعداده لإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، وهي خطوة من شأنها أن تضر بشعبية أوباما على صعيد الأمن.
ويورد التقرير مثالا آخر على دعم أوباما لجون كيري فحين اتهم أحد مساعدي أوباما جون كيري بالفشل عبر صحيفة نيويورك تايمز خرج أوباماعلى الملأ وأكد دعمه لجون كيري.
وتابع : "من ناحيتنا بذلنا جهودا جبارة لتحرير العربة بعد أن علقت عجلاتها في الرمل، لكن الواقع كان قاسيا علينا إذ تبين أن كلا الطرفين لم يكن يشعر بحاجة ملحة إلى التوصل لاتفاق والوحيد الذي شعر بذلك هو جون كيري".
المسؤول الامريكي : نحن بحاجة إلى انتفاضة جديدة لخلق ظروف تسمح بالمضي في المفاوضات
وذهب المسؤول الى أبعد من ذلك حين قال: "أعتقد أننا بحاجة إلى انتفاضة جديدة كي تخلق الظروف التي تسمح بالمضي قدما، فبعد مرور 20 عاما على اتفاق أوسلو تغيرت قواعد اللعبة وتغيرت الحقائق على الأرض وترسخت وفرضت واقعا في غاية الصعوبة بالنسبة للفلسطينيين لكنه مريح (لإسرائيل)".
وردا على سؤال حول عدم اكتراث (إسرائيل) بما ستؤول إليه المفاوضات وهل كان ذلك مفاجئا للطاقم الأمريكي الراعي للمفاوضات، أجاب المسؤول: أنه "تفاجأوا بالفعل من موقف (إسرائيل)، حين قال وزير دفاعكم يعالون إن كيري لا يسعى سوى للحصول على جائزة نوبل، كانت الإهانة كبيرة، فنحن (الأمريكيين) كنا نفعل ذلك من أجل مصلحتكم أنتم والفلسطينيين".
وينقل المسؤول على لسان أحد أفراد طاقم المفاوضات الفلسطيني أنه قال في حينه للمفاوضين الإسرائيليين "أنت لا تروننا، فنحن أجسام شفافة أو أوهام، لقد كانت وجهة نظره في محلها فبعد أن توقفت الانتفاضة الثانية، وبعد أن أقامت (إسرائيل) جدار الفصل، أصبح الإسرائيليون ينظرون إلى الفلسطينيين وكأنهم أشباح - بمعنى أنهم لم يعودوا يرونهم".
هل يعني هذا أنكم تأملون بقيام انتفاضة ثالثة، يسأل الصحفي الإسرائيلي ويجيب المسؤول: "على العكس تماما، لأن ذلك سيكون مأساويا، ينبغي (للشعب) اليهودي أن يكونوا أذكياء، رغم أنه يعرف عنهم التعنت، ويفترض أن تعلموا كيف تقرؤون الخريطة ففي القرن الحادي والعشرين لن يستمر العالم في احتمال الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الاحتلال يشكل خطراً على مكانة (إسرائيل) في العالم (كدولة) يهودية".
وردا على ملاحظة من الصحفي الإسرائيلي حول إغفال المجتمع الدولي لما تقوم به الصين وروسيا من تجاوزات أجاب المسؤول الامريكي بكل بساطة: "إن إسرائيل ليست الصين (فإسرائيل) تأسست بقرار من الأمم المتحدة وبالتالي فإن نجاحها يتوقف على نظرة المجتمع الدولي إليها".
ثم يعود التقرير للتأكيد بأن التوسع الاستيطاني والاعلانات التي كان يخرج بها نتنياهو كبلت أيدي الرئيس الفلسطيني وجعلته غير قادر على أن يظهر مزيداً من المرونة، كما أفقدته الثقة في المفاوضات برمتها، وقال: "ساءت الأمور أكثر ما يكون عندما قال نتنياهو إن الرئيس عباس وافق على إطلاق سراح أسرى مقابل الاستمرار في البناء الاستيطاني، وهذا ليس له أساس من الصحة".


