القدس المحتلة سماعلى ضوء ما تم نشره مؤخراً في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية حول بيع شركة منتوجات الألبان والأغذية الإسرائيلية الأكبر "تنوفا" إلى مستثمرين صينيين يعملون لصالح تجمع الغذاء الصيني "برايت فود"، كما أن هناك اتصالات منفصلة لبيع شركة "كلال" لمجموعة أخرى من المستثمرين الصينيين، أدى إلى إشعال جدلاً واسعاً عاصفاً في "إسرائيل"، بزعم أن التسلل الصيني إلى البلاد يعد تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.
وتشير التقديرات الأخيرة بأن الشركات الصينية بدأت بجدية الاهتمام في الاستثمار في اسرائيل مع بداية العام2010م، ولا سيما في أوساط شركات تكنولوجية، وفي عام 2011م نفذ الاستثمار الأكبر لشركة صينية في "إسرائيل"، شركاء 60 % من شركة "مكتشيم – أغان"، احدى الشركات الرائدة عالميا في مجال الكيماويات للزراعة، من قبل اتحاد الكيميائيات الصيني ChemChina بمبلغ 1.44 مليار دولار.
كما تم تنفيذ استثمارات مباشرة بحجم إجمالي لأكثر من نصف مليار دولار في الصناعة الإسرائيلية، معظمها في شركات تكنولوجيا المعلومات، والعتاد الطبي المتطور والتكنولوجيا الزراعية، كما تم توقيع اتفاقات تعاون بحجم مئات ملايين الدولارات بين مؤسسات أكاديمية رائدة في "إسرائيل" وجامعات في الصين.
"إسرائيل" تبرر منع الصين من دخول أسواقها
ويمكن القول هنا أن تخوف الحكومة الإسرائيلية من نقل السيطرة في شركاتها التي تعمل في مجالات التكنولوجيا والمناجم والبنى التحتية إلى أيدي صينية، يستند إلى مبررات متنوعة أهمها:
الأولى: تتعلق بتلك المواقف والتجارب والأهداف السياسية – الاستراتيجية للصين في منطقة الشرق الاوسط، وبموجب ذلك فإن الصين ستدعم مواقف مؤيدة للمسلمين، وستكون بمثابة مدافعاً عن الأنظمة الأكثر عداء لإسرائيل وعلى رأسها "إيران – سوريا"، بل إن الصين ساعدت في السنوات الماضية إيران في التقدم في مشروعها النووي.
كما أن الصين تعمل على إقامة بنية تحتية من مسارات الابحار والمواصلات في المنطقة، وفي كل الاحوال تبدي اهتماماً متعاظماً في التطورات السياسية – الاستراتيجية، لذلك فإنه وفي هذه الظروف، من المتوقع لها أن تتخذ موقفاً مناهضاً لإسرائيل في المواجهات التي ستنشأ في المنطقة وربما محاولة التأثير على نتائجها بشكل أو بآخر سيمس بإسرائيل.
في حين يمكن للشركات الصينية التي من المتوقع أن تمتلك شركات إسرائيلية محلية أن تتخذ منحاً يمكن أن يساعد الدول المعادية لإسرائيل السيطرة على مفترقات هامة في "إسرائيل"، والتي من أهمها الاتاحة بقدرة الوصول الى المعلومات، والمقدرات التكنولوجية والذخائر الهامة الاخرى.
الثانية: والتي تنظر إلى الصين وكأنها دولة تعمل على نقل التكنولوجيات المتطورة ومقدرات حرجة الى نطاقها في ظل تجاهل القواعد والقوانين، ما سيؤدي إلى أن شراء شركات اسرائيلية واتفاقات تعاون بين مؤسسات اكاديمية من الدولتين من شأنها أن تشكل قناة لاجتذاب تكنولوجيا ومقدرات هامة من "إسرائيل" الى الصين، وهكذا سيتم سلب "إسرائيل" من ذخائرها الاكثر أهمية.
وعلى ما يبدو أن هذا يشكل خطراً كبيراً بأضعاف في ضوء الادعاء بأن من شأن الصين أن تعمل على إضعاف إسرائيل لاعتبارات سياسية – استراتيجية، وينبع هذا الاستنتاج من أن منع وصول الشركات الصينية الى البلاد، وان كان هذا غير ممكن أو مرغوب فيه، ينبغي التعاطي معها بصفتها ذراعا للأنظمة المعادية ينطوي على خطر على الدولة ومنع وصولها الى ذخائر ومشاريع في اسرائيل هي ذات أهمية قومية.
مؤيدون: الشركات الصينية منظمات اقتصادية فقط
في حين يتعاطى المؤيدون لاستثمارات الصين في اسرائيل مع هذه الادعاءات باستخفاف ويدعون بان الشركات الصينية، مهما كانت الملكية عليها، ليست سوى منظمات اقتصادية تحركها اعتبارات الربح والخسارة.
كما يرون أن الصين تمر بسياقات تغيير سريعة كنتيجة لها تعمل الشركات المحلية بشكل مشابه للشركات الاجنبية الاخرى، وبالتالي لا ينبغي فرض قيود خاصة عليها، ويعود الاساس لهذا الادعاء الى تسلق الصين الى قمة المستثمرين العالميين وانفتاح الدول في كل ارجاء العالم، بما في ذلك دول غرب اوروبا والولايات المتحدة أمام الاستثمارات الصينية.
وينظر مؤيدو الاستثمارات الصينية بان الدول الاخرى حساسة تجاه الصين بقدر لا يقل عن "إسرائيل" وعلى الرغم من ذلك تسمح بنشاط الشركات الصينية، وفضلا عن ذلك، ففي ضوء تحول الصين الى القوة العظمى الاقتصادية الثانية في حجمها في العالم (في اطار التوقع في أنه حتى نهاية العقد ستتجاوز الولايات المتحدة ايضا)، وبالمقابل المصاعب الاقتصادية للدول الغربية، فان على الاقتصاد الاسرائيلي ان يطور علاقات استثمار (وتجارة) مع الصين والا فان تطوره سيتوقف.
وبالنسبة للادعاء بشأن تسريب التكنولوجيات من اسرائيل، يشير مؤيدو الاستثمارات الصينية الى أن بيع شركة الى شركة اخرى ينطوي دوما على خطر، وفي ظل العولمة فان الصلة القومية للتكنولوجيا، والتكنولوجيا التجارية بشكل خاص، غامضة على اي حال.
جوانب لا يمكن تجاهلها
ووفقاً لما جاء في الجدال القائم حول دخول الشركات الصينية في سوق العمل الإسرائيلي، فإن ذلك لا يغطي جملة من الجوانب، والتي من أبرزها:
· النشاط الصيني في "إسرائيل" لن يكون شاذاً، بل جزءاً من ظاهرة عالمية.
· كون أن الصين دولة متعلقة بمصادر المال والأسواق الخارجية فإن "إسرائيل" ستجد صعوبة في الامتناع عن دخول الشركات الصينية في سوقها.
· في ضوء تزايد نشاط الصين اقتصادياً على مستوى العالم، فإنه من الطبيعي زيادتها في "إسرائيل" خاصة في شركات ومنظمات علمية وتكنولوجية، بما في ذلك البنى التحتية والمقدرات الطبيعية.
إلا أن النشاط الاقتصادي الصيني في العالم الآخذ بالتوسع، لا سيما في الغرب، يشير تخوفاً كبيراً في تلك الدول، خاصة وأنها تفرض قيوداً على نشاط الشركات الصينية في مدنها، وهنا يطرح سؤال مهم في هذا السياق، هل هذا يعد مبرراً لعدم دخول تلك الشركات إلى السوق الإسرائيلي، وهل أنماط عمل الشركات تختلف جوهرياً عن شركات أخرى؟.
الإجابة بالطبع على تلك الأسئلة تتمحور حول أن هناك حالات عديدة من السابق لأوانه تحديد موقف في الموضوع، وذلك لان نشاط الشركات الصينية في العالم هو ظاهرة جديدة لا تزال المعلومات القائمة عنها محدودة.
هل ستنجح "إسرائيل" في استيعاب الشركات الصينية؟
وفي ظروف كهذه فإن "إسرائيل" ستعمل بحسب التقديرات بنهج حذر ومدروس، يأخذ في الحسبان جملة التبريرات مع وضد توسيع نشاط الشركات الصينية داخل السوق الاقتصادي الإسرائيلي، ووفقاً للمحللين الإسرائيليين الاقتصاديين فإن التطلع إلى أن تواصل الشركات والمنظمات الصينية الاهتمام بالاقتصاد والتكنولوجيا الاسرائيليين وتعمق نشاطها في اسرائيل.
في حين أن محاولات المعارضين بحرمان "إسرائيل" من التعاون الاقتصادي مع الصين من مقدرات اقتصادية حيوية بل ومن مسائل سياسية ايضا، فالاعتبارات الاقتصادية هي دافع هام في تصميم العلاقات الخارجية للصين، وزيادة استثمارات ونشاط الشركات الصينية في البلاد يمكن أن يمنح اسرائيل ادوات معينة لتعزيز علاقاتها معها.
وفي المقابل، فان اغلاق الباب امام الصين سيترك اسرائيل دون وسائل تأثير عليها، وذلك في الوقت الذي يوجد دورها ونفوذها في الشرق الاوسط في ميل ارتفاع.
بيد أن اسرائيل لا يمكنها أيضا أن تسمح لنفسها بفتح أبوابها امام شركات ومنظمات من الصين دون فحص ورقابة، وذلك لأنه وقد سبق أن حظر نشاط بعض الشركات الصينية في مدن معينة، ويجب الفحص هل أن الاسباب التي أدت الى استبعاد هذه الشركات سارية المفعول بشأن نشاطها في اسرائيل ايضا. ثانيا، من غير المتوقع للمنافسة بين الصين والولايات المتحدة ان تضمحل.
والنتيجة هي أنه طالما لم تتحدد قواعد واضحة لنشاط المحافل الصينية في اسرائيل، فستتم اجراءات وتتثبت حقائق، كل قرار مستقبلي لتغييرها من شأنه أن يجبي ثمنا باهظا ويمس بشدة بعلاقات اسرائيل والصين.


