غزة – وكالات -سلّط اكتشاف الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي، لنفق حفرته ‘المقاومة’ الفلسطينية، الأضواء مجددًا على ما وصفه خبراء ومحللون فلسطينيون بـ’الحرب الدائرة تحت الأرض بين الجانبين’.
ويرى هؤلاء الخبراء خلال أحاديث منفصلة، بأن هذه الممرات المحفورة، غيّرت دفة المعركة اليوم بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وحققت ما يعرف بـ ‘توازن الرعب’ بينهما. واعتبر الخبراء أن الأنفاق هي الخيار الأقوى والأمثل ‘للمقاومة’، كي تتغلب على التطور العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي، أمام إمكانياتها المتواضعة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة الماضي، عن اكتشاف نفق حفر بالقرب من الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة ويتوغل مئات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية.
وقال الناطق باسم الجيش بيتر ليرنر: إن ‘النفق يتوغل مئات الأمتار في الأراضي الإسرائيلية وبناءه كان بهدف تنفيذ هجوم ارهابي’.
وأضاف أن ‘النفق بني على عمق ‘ستة إلى ثمانية امتار’ واستخدمت في بنائه ‘قطع كبيرة من الأسمنت’.
وأقرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، خلال مؤتمر صحافي عقدته مساء الخميس الماضي، بمسؤوليتها عن حفر نفق، اكتشفه الجيش الإسرائيلي، قرب الحدود الجنوبية الشرقية لقطاع غزة.
ولم يكن هذا النفق الوحيد الذي أعلن الجيش عن اكتشافه فقد سبقه عدة اكتشافات كان منها ما أعلنت عنه إسرائيل في 13أكتوبر/تشرين أول2013، حيث قالت بأن النفق ‘كان معدا لتنفيذ عملية ضخمة من غزة تجاه أهداف إسرائيلية’-حسب قوله. وتقول السلطات الإسرائيلية في تعقيبها على اكتشاف نفق خان يونس، بإحدى التقارير التي نشرت عبر صحيفة ”يديعوت أحرونوت” :”إن الحياة في قطاع غزة تجري فوق وتحت الأرض، ومعروف أن هناك في داخل قطاع غزة خطوط أنفاق لأهداف عسكرية تؤدي إلى مواقع مختلفة”.
وفي عام 2001، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي، برزت ”الأنفاق” لأول مرة كوسيلة قتالية جديدة في قطاع غزة، حيث فجرت كتائب القسام عبوة ناسفة في نفق أرضي أسفل موقع ”ترميت” العسكري الإسرائيلي على الحدود الفلسطينية-المصرية.
ومنذ عام 2001 وحتى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، واجه الجيش الإسرائيلي عدة عمليات عسكرية اعتمدت بشكل أساسي على الأنفاق الأرضية المجهزة بالمعدات العسكرية القتالية.
واعتبر وسام عفيفة، المحلل السياسي، ورئيس تحرير صحيفة ‘الرسالة’ نصف الأسبوعية التي تصدر بغزة (مقربة من حركة حماس)، أنفاق المقاومة بمثابة ‘خط الدفاع القوي’. ‘ولأن قطاع غزة منطقة ساقطة جغرافيًا وعسكريا ومحاصرة من كافة الجهات، فقد لجأت المقاومة الفلسطينية إلى التغلب على هذه الثغرة من خلال حفر الأنفاق’، وفق عفيفة.
وتدارك متحدثًا: ‘تعتبر الأنفاق وسيلة أساسية تستخدمها المقاومة لتصدى للاحتلال الإسرائيلي، وقد تستخدم في اختراق أرضه’.
وأضاف عفيفة: ‘أنفاق المقاومة سلاح قوي وفعال ومقلق لإسرائيل’، معتبرًا أن أية مواجهة جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون عنوانها ‘الإنزال خلف خطوط العدو’. واعتبر أن ‘هذه الإستراتيجية الجديدة في المعركة أوجدت صداعًا مزمنًا لإسرائيل خوفًا من تكرار سيناريو خطف الجندي جلعاد شاليط، في حال شنت عملية عسكرية على القطاع′.
‘وباتت الأنفاق اليوم متطورة ومنتشرة بشكل واسع، وهذا ما يوضحه النفق الأخير المكتشف، الذي يظهر أنها ليست منفصلة إنما هي شبكات متصلة ومواقع كاملة تحت الأرض وذات إمدادات عسكرية قوية’، حسب قول عفيفة.
وفي 25 يونيو/ حزيران 2006 وقع شاليط في قبضة حركة حماس، بعد أن استهدفت قوة عسكرية مدرعة كانت ترابط ليلا في موق ‘كيريم شالوم’، على الحدود بين مدينة رفح الفلسطينية وإسرائيل. ونجح المقاتلون الفلسطينيون في التسلل إلى الموقع، عبر نفق أرضي كانوا قد حفروه سابقاً تحت الحدود إلى الموقع الإسرائيلي مما ساعدهم في مباغتة القوة الإسرائيلية، وقتل جنديين، وإصابة 5 آخرين بجروح، وأسر شاليط ونقله إلى مكان مجهول في غزة. وبفعل ‘مدينة المعركة السفلية’، التي أوجدتها المقاومة، كما يصفها خبراء، ‘فإن قرار إسرائيل باجتياح القطاع بريًا، بات صعبًا، ومغامرة غير محمودة العواقب؛ لاحتمالية أسر أي جندي، ولأهمية دور الأنفاق في صد أي هجوم كما كشف العدوان الاسرائيلي الأخير’- وفق عفيفة.
وقال إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة، خلال كلمة ألقاها في مهرجان نظمته حركة حماس بغزة ، الأحد الماضي، في ذكرى اغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، إن ‘كتائب القسام دشنت إستراتيجية جديدة في مواجهة الإحتلال الصهيوني من خلال الأنفاق’. وأضاف أن ‘المجاهدين الفلسطينيين سيخرجون للاحتلال الإسرائيلي من فوق الأرض وتحت الأرض حتى يخرجوه من فلسطين’.
‘وتعتبر هذه الأنفاق حيل قتالية لجأت إليها المقاومة الفلسطينية بعد أن استعصت عليها كل السبل في اختراق الجدران الإسرائيلية’، كما يقول مفيد أبو شمالة، الصحفي المتابع للشؤون الإسرائيلية.
وأضاف :’التحصينات التكنولوجية التي تتبعها إسرائيل من أبراج مراقبة وكاميرات وطائرات وغيرها على الحدود مع غزة، تجاوزتها المقاومة الفلسطينية من خلال أنفاقها’.
وتابع أبو شمالة: ‘الأنفاق أرعبت إسرائيل منذ أكثر من 10 سنوات، فمن خلالها تمكنت اختراق حدودها وتفجير إحدى مبانيها العسكرية’. وأشار إلى أن أنفاق المقاومة كانت السبب الرئيس في انسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة عام 2005، قائلا:’ كان يقال إن الجنود الإسرائيليين لا يباتون الليل لشعورهم بأن الأرض تثقب من أسفلهم ويتوقعون خروج أي مقاوم يأسرهم في أي لحظة’.
‘وحققت أنفاق المقاومة توازن رعب مع إسرائيل’، كما يرى أبو شمالة، متوقعًا بأن أي معركة قادمة ستحمل مفاجئات قوية للاحتلال، على حد تعبيره.
وتوقع أبو شمالة أن أي عدوان إسرائيلي جديد على غزة سترد عليه المقاومة ‘بسيطرة وقتية على المستوطنات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أسر الجنود، ‘مما سيجعل إسرائيل تفكر عشرات المرات وتراجع حساباتها قبل الإقدام على اجتياح القطاع′-على حد تعبيره.
من جهته رأى إبراهيم حبيب، مدرس ‘الشؤون الأمنية الإسرائيلية’، في أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية بغزة، أن الأنفاق ‘تعتبر عامل قوة للمقاومة الفلسطينية في التخفي والتمويه والقدرة على مباغتة القوات الإسرائيلية ونصب الكمائن لهم’.
وأضاف ‘بفعل هذه الأساليب الخلاقة تمكنت المقاومة من الحفاظ على حياة كوادرها بعد أن كانت مكشوفة لطائرات إسرائيل وأقمارها الصناعية’.
وحولت الأنفاق قواعد المعركة بين المقاومة وإسرائيل إلى ثلاث اتجاهات، كما يقول حبيب، وأولها أن جعلت إسرائيل غير قادرة على رصد من يطلق الصواريخ تجاه أراضيها، من خلال دفنها تحت الأرض عبر استخدام الأنفاق’.
وتابع حبيب: ‘الدراسات الإسرائيلية تشير بأن هناك العشرات من الأنفاق المتطورة تحت الأرض، وأنها تتمتع بحالة من الديمومة والاستمرارية والأمان لمن يعمل بها’.'وتحاول إسرائيل أن تتفادى القدرات المتطورة لأنفاق المقاومة من خلال التقليل من شأنها، وتضخيم انجازاتها العسكرية والاستخباراتية في الكشف عن الأنفاق’، حسب حبيب.
واتفق حبيب مع سابقيه في أن الأنفاق تعد أسلوبًا لدفاع والهجوم في آن واحد، وهذا سبب حالة هستيرية لدى إسرائيل ومستوطنيها، من أن تقدم المقاومة على مهاجمتهم في أي لحظة وأسرهم’، على حده قوله. (الأناضول)


