خبر : الجميع يتحدثون عن السلام \ بقلم: دالية غبريئيلي نوري \ هآرتس

الأربعاء 26 مارس 2014 07:31 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

          أطلب الى طلاب الجامعة في مطلع كل سنة دراسية في الدرس الاول من مادة تدريسية عنوانها "مدخل الى الخطاب السياسي في اسرائيل والعالم" أن يعدوا أهم عشرة أحداث في رأيهم في تاريخ شعب اسرائيل ودولة اسرائيل. وافاجأ في كل سنة من جديد لأنني أجد "العقد بين الاعضاء المؤربة" في مكانة جليلة بعد "نزول التوراة" بقليل. وليست أقل مفاجأة من ذلك حقيقة أنه الى جانب الحروب جميعا من خراب الهيكل الى الحربين العالميتين وحروب اسرائيل، يغيب بصورة دائمة اتفاقا السلام مع مصر والاردن.

 

          اليوم هو يوم الذكرى السنوية الـ 35 لاتفاق السلام مع مصر الذي هو واحد من أهم الكنوز الاستراتيجية لاسرائيل. ويمر هذا اليوم عندنا مع صوت خافت ضعيف، فهذا اليوم لم يحظ بدخول رزنامتنا على أنه "يوم السلام". وفي مقابل ذلك فان وجود الحروب في الواقع والخطاب الاسرائيليين هو بلا شك مُعرف واضح للاسرائيلية. ويلاحظ اسهام الحروب في تجسيد هوية المجتمع الاسرائيلي في وسائل الاعلام ايضا خاصة. فيُخيل إلينا مثلا أنه لم تحظ حرب قط بما حظيت به حرب يوم الغفران من كثرة الكلام في الصحف والتلفاز عنها لمرور اربعين سنة عليها.

 

          لكن ليست وسائل الاعلام وحدها هي التي تقلل من تناول مضامين السلام وأحداث السلام. ففي بحث أنهيته مؤخرا فحصت عن الموقع الذي تحتله أحداث السلام والحرب في كتب تدريس التاريخ في المرحلة الاعدادية في جهاز التربية الرسمي. وكانت نتيجة البحث أن أبناءنا يدرسون "تاريخ الحروب" سواء أكان الحديث عن تاريخ شعب اسرائيل أم عن تاريخ العالم، فوجود الحروب أشد بروزا من اوضاع ما بين الحروب أو أوقات السلام.

 

          على سبيل المثال لا يتحدث أكثر كتب التدريس عن المبادرات الكثيرة الى احلال سلام في منطقتنا بعد حرب الايام الستة في 1967، وهي مبادرات شاركت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والامم المتحدة بل دول افريقية. وفي مقابل ذلك تحظى حرب الاستنزاف التي بدأت في تلك الفترة بتفصيل ملحوظ. وتُضغط عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته وهما عقدان مركبان عاش فيهما اليهود هنا الى جانب العرب، تحت العنوانين المُسكتين "أحداث" و"اعمال شغب".

 

          يمكن أن نتعلم من ذلك من جهة خطابية أنه حينما يكون الحديث عن حرب ينجح الخطاب الاعلامي والتربوي في الحفاظ على طراوة الشعور والوعي حتى مع مرور عشرات السنين، أما خطاب السلام في مقابل ذلك فيبدو مثل فخ ممل، فهو خطاب متعب ودائري ومكرر ومشحون بخيبات الأمل. ولا تريد وسائل الاعلام ووكلاء التاريخ عندنا أن يُملوا قراءهم. لكن بروز الحرب في الخطاب العام يجب أن يثير التفكير: فهل نحن مستمرون على الانغماس في ثقافة تفضل الحروب بصورة فظة سافرة؟ وهل ما زلنا ندرس أبناءنا أن الحرب أهم وأكثر حقيقية وأكثر اثارة للاهتمام وأكثر اثارة للشعور من السلام؟.

 

          إن تربية الجيل التالي على السلام يجب أن تُملأ بمضمون متنوع محدد بدءً من رياض الاطفال؛ مضمون مصطلحي وتاريخي وأدبي وقيمي. ويوجد من يُتعلم منه. ففي قرار عن الجمعية العمومية للامم المتحدة في نهاية تسعينيات القرن الماضي تم اقتراح تعريف لمصطلح "ثقافة السلام" بأنه يشمل قيما وتوجهات تدفع قدما بالحرية والعدل والديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح والتكافل. والسلام عندنا يحظى فقط بتعريف مُضيق وبطريقة النفي: فالسلام عندنا هو عكس الحرب. ويمكن ويجب أن يترجم هذا التغيير للمصطلح الى تربية على مفهوم جديد للسلام يعبر عنه بالدراسات اللغوية والدراسات التاريخية والأدب.

 

          يمكن ويجب أن يُشفع اتفاق السلام مع مصر مثلا بقصص مضمون محددة. فيجب أن يُروى أنه كان يوجد هنا سلام ذات مرة في الايام الطيبة لـ "التطبيع" في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وإن حقيقة أن الاسرائيليين كانوا يستطيعون بضع سنين أن يزوروا أسواق القاهرة والأهرام وكانوا يستطيعون السفر الى الأقصر والابحار في النيل – وهذا فصل يبدو الآن خياليا أو خطيرا – يمكن أن توحي للطلاب الصغار بالمعنى العملي لـ "سلام ساخن" بدل الواقع الغريب غير الشخصي وغير الانساني الذي نعرفه اليوم من "السلام البارد" مع مصر والاردن.

 

          وبمناسبة ذكر التربية على السلام فثم سؤال بسيط مُلح وهو لماذا لا يوجد تدريس الزامي للعربية العامية في المدارس. إن غير قليل من الطلاب يدرسون العربية الأدبية في الحقيقة، لكن سبب ذلك ليس الرغبة في تمكينهم من الاشتراك في صحيفة "الأهرام" وقراءة إميل حبيبي باللغة الأصلية أو التعمق في كتب نجيب محفوظ (الذي فاز بجائزة نوبل للأدب في سنة 1988). إن دراسة العربية الأدبية في المدارس الثانوية ترمي الى انشاء الجيل التالي الذي سيندمج في الوحدات الاستخبارية، تلك الوحدات التي ستظل تطور تقنيات تنصت أسطورية تحمينا وتُبقي لنا في نفس الوقت أعداءً يسعون في الشر.

 

          إن الواقع السياسي والخطاب التاريخي والتربية والاعلام رؤوس في مضلع يغذي يعضها بعضا بحركة متصلة. والكتب الدراسية ووسائل الاعلام تعود فتؤكد الحروب وتثبتها في أفق التوقعات المدني وتسهم بذلك في حدوثها. والحروب من جهتها تقدم موضوعات "تثير الاهتمام" و"مؤثرة" الى الكتب الدراسة وملاحق نهاية الاسبوع.

 

          لكن اليكم مفاجأة: إنهم يتحدثون عندنا في الحاصل العام عن السلام كثيرا؛ كثيرا جدا. وبالانجليزية تظهر كلمة وور (حرب) في غوغل أكثر من كلمة بيس (سلام) بثلاثة أضعاف. أما في العربية فتظهر كلمة سلام أكثر من كلمة حرب بضعفين. وفي العبرية تظهر كلمة شالوم (سلام) في غوغل أكثر من كلمة ملحماه (حرب) بعشرة أضعاف. إن شعبنا بلا شك شعب باحث عن الكلام في السلام ويستطيع من أراد أن يعزي نفسه بذلك.