خبر : عن خطاب الرئيس عباس في ثوري "فتح" ....بقلم: محمد ياغي

الجمعة 21 مارس 2014 09:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن خطاب الرئيس عباس في ثوري "فتح" ....بقلم: محمد ياغي



على مدار أسبوع جَهدتُ في تتبع ما كتب في الإعلام الفلسطيني عن خطاب الرئيس عباس الأخير في المجلس الثوري قُبيل سفره للقاء الرئيس أوباما، ولاحظت أن الخطاب لم يَحْظَ بما يستحق من تغطية إعلامية وتحليل.
في اعتقادي أن وسائل الإعلام والمحللين السياسيين حاولوا النأي بأنفسهم عن ما اعتقدوه بأنه "أزمة" داخل حركة "فتح" لا يرغبون في أن يكون لهم موقف منها، ذلك بأنهم لم يلاحظوا في الخطاب أكثر من الجزء المتعلق بما أثاره الرئيس تجاه العضو السابق لمركزية "فتح" محمد دحلان.
لكن هذه مجرد جزئية في الخطاب، ولو كان الهدف منه هو إثارة هذه الجزئية لما كان الرئيس قد تحدث عنها قبيل سفره لواشنطن.
خطاب أبو مازن له علاقة بالمشروع الوطني الفلسطيني. الرجل يرى مخاطر حقيقية تهدد هذا المشروع في ظل ظروف إقليمية تخدم إسرائيل، وفي وضع دولي يشجع على ممارسة الضغوط على قيادة الشعب الفلسطيني، ولأن الرئيس لديه ثقة بأنه لن يختم حياته بالتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، فهو يخشى من أن تجري محاولة تصفيته كما تم مع الراحل عرفات، ومن ثم أن يجري ترتيب المشهد الفلسطيني بضغط دولي وإقليمي بما يخدم هدف إنهاء الصراع بشروط إسرائيل وبأيدٍ فلسطينية.
الخطاب ضمن هذا السياق يشكل لحظة فاصلة يجب أن تستنهض الشارع الفلسطيني وقواه السياسية في اتجاهين: الأول باتجاه إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفصلها عن السلطة والثاني باتجاه تقييم كل مشروع المفاوضات والخيارات المتاحة والممكنة للشعب الفلسطيني وإعادة ترتيب أهداف السلطة بناء عليها.
إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير تتطلب إنهاء الانقسام الفلسطيني وإدخال "حماس" و "الجهاد الإسلامي" إلى مؤسساتها حتى لو تم ذلك بالمحاصصة بما في ذلك اعتبار مؤسسات "حماس" القائمة حالياً في غزة جزءا من مؤسسات السلطة، لأن مواجهة مخاطر المرحلة القادمة تتطلب كتلة فلسطينية موحدة ومتماسكة.
الوحدة الفلسطينية أيضاً ستحصن قرارات وخيارات منظمة التحرير السياسية.
بالتأكيد هي لن تتمكن من منع الضغوط الدولية والإقليمية على القيادة الفلسطينية، لكنها ستكون كافية لصد هذه الضغوط.
أيضاً من الضروري إخضاع السلطة فعلياً لسلطة المنظمة. ليس ادعاءً أن يقال اليوم إن مؤسسات المنظمة تتبع السلطة وإن ما تبقى من منظمة التحرير هو اسمها.
منذ اتفاق أوسلو أصبح رئيس السلطة هو رئيس المنظمة.. مالية المنظمة تأتي من السلطة..سفارات فلسطين تتبع السلطة..حتى على مستوى العلاقات المحلية والعربية لا يوجد للمنظمة دور.
باختصار أي نجاح دولي أو إقليمي في تطويع السلطة هو بالضرورة نجاح لهم في تطويع منظمة التحرير للقبول بإملاءاتهم.
هذا يضاعف المخاطر على القضية الفلسطينية، المنظمة يجب أن تمتلك خياراتها وهي لن تتمكن من ذلك إلا إذا أصبحت مستقلة بدوائرها وماليتها وعلاقاتها الخارجية.
استقلالية المنظمة عن السلطة تعني احتكارها الفعلي لمسألة إدارة الصراع مع إسرائيل وتحويل السلطة إلى مجرد مؤسسة بمهام بلدية من تعليم وصحة وتنظيم للمدن وتوفير للمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات.
أما ما يتعلق بالأمن فإن مصلحة الشعب الفلسطيني هي في وجود جهاز شرطة فقط وليس جهاز أمن كما هو متعارف عليه في الدول المستقلة. عندما يكون للشعب الفلسطيني دولة أو أرض محررة من إسرائيل فإن المسألة ستختلف بالتأكيد.
هذا ينقلنا إلى الاتجاه الثاني وهو تقييم نتائج المفاوضات، هل ما زالت المفاوضات هي الطريق الممكن لتحقيق برنامج الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967؟ لم يكن ذلك ممكناً العام 2000 عندما كان العالم العربي متماسكاً بعض الشيء.
اليوم الظروف الإقليمية أسوأ، وشعور إسرائيل بأن لديها فرصة لفرض الحل الذي تريده على الشعب الفلسطيني يجعل من المفاوضات خياراً بائساً تريده إسرائيل للتوسع الاستيطاني ولمنع الفلسطينيين من تغير قواعد إدارة الصراع.
التخلي عن المفاوضات ليس بهدف توجيه الصراع ضد ما تقوم به إسرائيل على الأرض فقط من استيطان وقتل وإذلال للشعب الفلسطيني، ولكن بهدف تأزيم الصراع لأن إسرائيل تشعر اليوم بأنها مرتاحة.. السلطة تقوم بمهمة الأمن وتغطي على الخيارات الأخرى المتاحة للشعب الفلسطيني بالمفاوضات، بينما إسرائيل بقضم الضفة شيئاً فشيئاً حتى ينحصر وجود الفلسطينيين في معازل تحت سيطرة سلطة لا صلاحيات لها إلا ما تقرره إسرائيل لضمان راحتها.
تأزيم الصراع مع إسرائيل لا يعني الدعوة للعنف.. هنالك المقاومة الشعبية السلمية، المقاطعة الاقتصادية، فضح سياسات إسرائيل دولياً والعمل على عزلها، والقائمة تطول عندما تعلن المنظمة أن خيار المفاوضات قد وصل إلى نهايته.
وهي تطول ليس لأن الخيارات موجودة في يد منظمة التحرير، ولكن لأن قدرة الشعب الفلسطيني على ابتكار وسائل للمقاومة والصمود، وبعيداً عن العنف مرة أخرى، لا حدود لها.
كانت مكاتب منظمة التحرير على حدود المحيط الأطلسي وكانت قوتها العسكرية قد انتهت عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى فأعادت للمنظمة روحها وللقضية الفلسطينية مركزيتها.
تحويل خطاب الرئيس إلى برنامج عمل لمواجهة مخاطر المرحلة القادمة هو المهمة التي يجب التركيز عليها.. الصمود لتفويت الفرصة على اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين للإجهاز على القضية الفلسطينية مهم.. ولكنه يحتاج أيضاً إلى ترجمة على الأرض حتى يكون للصمود أدواته لإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المعترف بها دولياً.. بخلاف ذلك فإن خطاب الرئيس سيقف عند حدود: اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد. وهذه شهادة للتاريخ تسجل له ولكن دور القيادة الحقيقي هو صناعة التاريخ وليس الحصول على شهادة براءة منه.