خبر : الهجرة “تدغدغ” من جديد أحلام الشباب في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان

الجمعة 07 مارس 2014 11:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
الهجرة “تدغدغ” من جديد أحلام الشباب في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان



مخيم شاتيلا (بيروت) ـ من بولا أسطيح ـ تُدرك منار شامية، اللاجئة الفلسطينية في مخيم “شاتيلا” في بيروت أن انتظار الرد على الطلب الذي قدمته للهجرة الى السويد قد يطول، لكنّها لا تأبه طالما أن الأمل بمغادرة لبنان موجود.

منار ابنة الأعوام الـ31، ولدت في بيروت وترعرعت في مخيم “شاتيلا “، لكنّها لم تشعر يوما بالانتماء الى لبنان الذي لم يمنح اللاجئين الفلسطينيين وبعد مرور أكثر من 65 عاما على تواجدهم على أراضيه حقوقهم المدنية، وبالتحديد حقهم بالعمل والتملك.
ولطالما تم التعاطي مع الوجود الفلسطيني في لبنان، الذي تحول الى قوة مسلحة انغمست بالحرب الأهلية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، على أنّه خطر على التوازن الطائفي في البلاد الذي يقوم عليه النظام السياسي اللبناني، ما “برر” عدم اعطائهم حقوقهم الأساسية لمنع توطينهم على أراضيه.
“معي هوية مكتوب عليها أنني فلسطينية وبخلفيتها الأرزة اللبنانية، لكنني محرومة من أبسط حقوقي المدنية والاقتصادية والانسانية، لذلك افضل أن أهاجر لأعيش بأمان وكرامة بخلاف ما نعيشه هنا”، ما تقوله شامية يعبّر تماما عما يختلج قلوب عدد كبير من الشابات والشبان الفلسطينيين اللاجئين في لبنان والذين خرجوا مؤخرا في تحركات عفوية للمطالبة بالهجرة بعدما فقدوا الأمل بامكانية تحسن ظروف عيشهم.
وقدا ساءت هذه الظروف مؤخرا بعد تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين الى لبنان ومزاحمتهم للبنانيين والفلسطينيين على حد سواء على أبسط فرص العمل. وجاء العامل الأمني ليزيد من التضييق على اللاجئين الفلسطينيين أكثر فأكثر….،بعد اقدام شابين فلسطينيين على تفجير نفسيهما الأول أمام السفارة الايرانية في بيروت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي والثاني أمام المستشارية الايرانية منتصف شهر شباط/فبراير الماضي. وتبنت كتائب عبدالله عزام العمليتين ردا على قتال حزب الله الى جانب النظام السوري.
وفجّر الانفجاران موجات غضب ضد أهالي الانتحاريين انعكست على علاقة الفلسطينيين بمحيطهم خصوصا في مناطق جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، ما أعطى الكثير من الشبان سببا اضافيا للتفكير مجددا بالهجرة.
وتستغرب شامية ربط طلب الهجرة بتخلي الفلسطينيين عن حقهم بالعودة الى بلادهم، مشددة على ان “كل طفل يولد وفي جسده نقطة واحدة من الدم الفلسطيني مستحيل أن يتخلى عن حق العودة حتى ولو كان في الصين أو في آخر الدنيا فهو سيعود الى ارضه، اذا لم يكن الآن فبعد مليون سنة”.
ولجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948 مع “النكبة” الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وما زالوا، بعد مرور أكثر من 65 عاماً، يتواجدون في 12 مخيماً منتشرا في أكثر من منطقة لبنانية. وتقدر الأمم المتحدة عددهم بحوالي 460 ألفا.
ويسرد مخيم “شاتيلا” حكايات طويلة من القهر والعذاب والحروب، وهو الذي شهد على “مجزرة العصر” عندما قتل الآلاف من سكانه بعد اقتحامه من ميليشات مسيحية لبنانية مدعومة من القوات الاسرائيلية خلال اجتياح لبنان في العام 1982، كما تم حصاره خلال ما عرف بـ”حرب المخيمات” التي دارت بين الأعوام 1985 و1988 بين بعض الفصائل الفلسطينية من جهة وقوات حركة أمل والجيش السوري والجيش اللبناني من جهة أخرى.
وقد زادت هذه الحروب أوضاع المخيمات سوءا، وهي اليوم تفتقر للبنى التحتية وتشهد اكتظاظا هائلا، ما أغلق كل أبواب الأمل بوجه الاجيال الصاعدة التي عادت الهجرة لتدغدغ أحلامها، لكن من دون أن تنجح بزعزعة ايمانها بالعودة الى فلسطين، وهو يبدو راسخا اليوم أكثر من اي وقت مضى لدى سكان المخيم كبارا وصغارا.
ويطمح عبادة السعيد (36 عاما)، اللاجىء الفلسطيني في مخيم شاتيلا العامل في احد مختبرات بيروت، لمغادرة لبنان و”العيش بكرامة بعيدا عن الذل والقهر الذي نعايشه يوميا هنا، لكن هذا لا يعني اطلاقا التخلي عن حق العودة”.
وقال السعيد “بعد استرداد حق العودة سأكون اول العائدين الى أرضي حتى ولو كنت في كندا أو امريكا أو في أي بلد في العالم وسأسبق اللاجئين في الدول العربية الى فلسطين”.
ولا تقتصر المساعي المبذولة لترك لبنان الى أي بلد آخر على الشبان والشابات، بل تطال ارباب عائلات يطمحون بان يعيش أولادهم في مجتمعات أفضل.
ويجزم أحمد حسنين (41 عاما) وهو رب أسرة من 6 أفراد بأنّه سيكون أول من يغادر لبنان مع عائلته اذا فتحت أي دولة باب اللجوء للفلسطينيين، قائلا “من حقي أن أعيش بكرامة في اي بلد كان، أوروبي أو عربي، فهنا في لبنان نحن غير قادرين على العمل وحين تدرك أي شركة اننا فلسطينيون فهي تطردنا…حتى في الزبالة ممنوعون من العمل”.
واقر مجلس النواب اللبناني في العام 2010 تعديلا على قانون العمل يسمح للاجئ الفلسطيني بالعمل رسمياً في كل القطاعات التي يسمح للاجنبي بالعمل فيها، وذلك بعد ان كانت القوانين تمنعه من ممارسة أكثر من 72 مهنة. ولم يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ لوجوب اقراره من الحكومة التي لم تضعه بعد على جدول أعمالها.
ويمنع قانون التملك اللبناني الذي صدر عام 2001، الفلسطيني من تملك أي حق عيني لا بالشراء ولا بالإرث ولا بالوصية.
وأكّد السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور استمرار التواصل بين المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين في “أجواء ايجابية جدا لاقرار القوانين التي تقر بالحقوق الفلسطينية بالعمل والتملك، والتي تساهم في رفع المعاناة عن ابناء شعبنا الفلسطيني في لبنان خاصة أن الأوضاع الاقتصادية التي يرزحون في ظلها حاليا تمر بأسوأ مراحلها”.
ونبّه دبور من “اصرار البعض على استخدام العنصر الفلسطيني بهدف الايقاع وبث الفتنة والفرقة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني”، باشارة الى الانتحاريين الفلسطينيين اللذين استهدفا المصالح الايرانية في بيروت.
وشدّد على ان “محاولات عدة جهات وفي كافة المجالات لافشال النهج والسياسة الفلسطينية الموحدة لجهة التزام الأمن والاستقرار اللبناني، لن تنجح”، وقال:”ما جمعنا ويجمعنا مع لبنان المحتضن لقضية فلسطين أقوى وأعمق من المؤامرات، وسيبقى لبنان على عهده كما سيبقى الشعب الفلسطيني على وعده والتزامه، فأمن لبنان من أمننا وأمننا من أمنه”.
وكانت التحقيقات في تفجير المستشارية الإيرانية في بيروت أفضت الى ان أحد الانتحاريين اللذين نفذا الهجوم، هو الفلسطيني نضال المغير الذي كان يقيم في بلدة البيسارية القريبة من مدينة صور جنوبي لبنان. وأدّى التفجير لمقتل 10 اشخاص وجرح أكثر من 129. وفور شيوع نبأ احتمال تورط المغير بالتفجير، أحرق سكان غاضبون من البيسارية ممتلكات عائدة لأفراد من عائلته.
وكان الفلسطيني عدنان موسى المحمد نفّذ عملية انتحارية مزدوجة مع انتحاري لبناني، استهدفت السفارة الإيرانية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وأدّت لمقتل الملحق الثقافي الإيراني الشيخ إبراهيم الأنصاري و23 شخصا آخرين وجرح 146 آخرين.
وعلى الأثر دعت حركة “حماس″ للقيام بـ”خطوات عاجلة” لمنع الفتنة اللبنانية – الفلسطينية ووقف عمليات التحريض، مؤكدة إدانتها لتورط بعض الفلسطينيين في أعمال تخريبية وتفجيرية، ما استدعى ردود فعل سلبية من بعض اللبنانيين تجاه الشعب الفلسطيني، أدت إلى مزيد من الاحتقان والتوتر وارتفاع منسوب التحريض.
وتتعاطى الفصائل الفلسطينية بريبة مع التحركات الشبابية المطالبة بالهجرة، فهي وان تضع بعضها باطاره الفردي، تخشى من “مؤامرة اسرائيلية – امريكية” جديدة لضرب حق العودة.
واعتبر كاظم حسن، أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في مخيم “صبرا وشاتيلا” للاجئين الفلسطينيين أن الدعوات للهجرة في هذا التوقيت السياسي الصعب “مشبوهة” وهي تهدف للقول للقيادة الفلسطينية “هذا هو شعبكم الذي تطالبون بعودته الى فلسطين، يريد أن يهاجر”.
وقال حسن لـ”الأناضول”:”صحيح أننا نطالب ونسعى للعيش الكريم ولكن وبالرغم من كل المضايقات التي نتعرض لها اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا في سوريا والاردن ولبنان فما نريده هو عودة جماعية الى فلسطين وليس هجرة الى أي مكان آخر”.
وعلى رغم من الاختلافات السياسية في ما بينها تتوافق معظم الفصائل الفلسطينية على وجوب التنبه للحركات المطالبة بالهجرة، ويشير القيادي في حركة “فتح الانتفاضة” في مخيم “صبرا وشاتيلا”، أبو علاء أحمد ان مشروع تهجير اللاجئين هو بالاصل “مشروع صهيوني لابعاد الفلسطينيين عن ارضهم”.
وقال أحمد لـ”الأناضول”:”قد يكون هناك بعض التحركات العاطفية والعفوية ولكن طرح الهجرة في هذا التوقيت يتماهى مع مشروع (وزير الخارجية الامريكية) جون كيري الذي يطرح توطين الفلسطينيين في الخليج وتهجيرهم من باقي دول اللجوء”.
وحتى جدران المخيم التي غطتها صور القادة الفلسطينيين وأعلام الفصائل، رسم عليها الشباب أحلامهم. وعلى أحدها بدت فلسطين في المخيلة والمخيمات المكتظة في الاسفل وبينهما السؤال الكبير: ستسافرون لأي حلم؟
وقد يكون وليد (28 عاما) أحد الشبان الفلسطينيين القلائل الذين لا يحلمون بالهجرة، هو يضع فلسطين نصب عينيه ولا يأبه بامكانية الاستشهاد في سبيلها.
ويقول لـ”الأناضول”:” مر 65 عاما…وهم لن يستطيعوا الآن ان يسرقوا منا حلم العودة ظنا منهم اننا قد نستبدله بحلم العيش بسلام وأمان بعدما ضغطوا علينا ووضعونا في أصعب الظروف”.
وأردف قائلا:”لا لن نهاجر وننسى حقنا بالعودة…لا”. (الأناضول)