خبر : الاعتذار لسورية ...غشان رقطان

الإثنين 17 فبراير 2014 12:53 م / بتوقيت القدس +2GMT



اعتذر الإبراهيمي للشعب السوري وهو يختتم، فيما يشبه النعي، مفاوضات جنيف بين وفدي المعارضة والنظام السوريين، بقيت صور كثيرة عالقة في المكان بعيدا عن الاعتذار المهذب الذي لم يخل من مرارة، معطف الجعفري الطويل الأسود والوشاح على رقبته وهو يسبق مرافقيه متجها نحو الباب الزجاجي الجانبي لمكان المفاوضات، التجهم الخاص الذي رافقه منذ ظهور اول مسيرة احتجاجية في شوارع درعا، انهماك المعلم بما لايعرف أحد وتشاغله الدائم بملاحظات طائشة يوجهها نحو مرافق مفترض، خفة حركته قياسا لأبعاده واندفاعة مشيته القصيرة التي تنطلق من الحوض، الفشل الذريع الذي سيلحق بأي محاولة لإعادة ترتيب الكتلة التي يشكلها، المفارقة الغريبة بين نبرته المسترخية خلف المنبر رغم حمولات التصريح الذي يلقيه، المفردات التي تتمدد في صوته مثل أجساد السوريين المقتولة وهي تواصل نموها صاعدة من حوران نحو حلب وصولا الى قرى الكرد وضفتي الفرات، النبرة الباردة التي تعبر مثل حربة او حبل او برميل تلقيه هيليوكبتر على منزل في " هنانو" أو "سيف الدولة".

في الجانب الآخر يبدو "الجربا" مثل طالب مجتهد في مباراة حفظ للشعر، يبحث بدأب عن الهمزة والتاء والنون، ثمة بلاغة لا يحتاجها شخص يمثل مئتي الف جثة، ترف الذي وصل الى الاجتماع ناقصا وبدون " معارضته" دون اجنحة ودون صوت مختلف يكثر حضوره ويعزز خطابه.
البلاغة والترف الذي لن يغطي على مرونة فائضة عند الحديث عن أعداء الثورة وحصرهم بالنظام، " الإرهاب" الذي يرتع في نسيج الثورة والذي تسبب في انتشاره مثل هذا الخطاب الموارب وسوء التقدير، ليس النظام وحده من يتحمل مسؤولية فساد صورة الثورة النبيلة التي حملها سوريون وسوريات على اجسادهم الهشة لشهور طويلة في مواجهة آلة موت متوحشة.
في تلك الشهور السبعة او الثمانية تكمن ثورة سوريا ونبلها، قبل عسكرة الاحتجاج والانجرار لحلبة النظام وارضه التي يتقن معرفتها، ويحقق ثقل قواه بالسلاح بعيدا عن الشعب الذي مشى خلف صوت ابراهيم القاشوش على ضفة العاصي.
افكر ان ثمة من عليه الاعتذار لسورية والسوريين سوى الابراهيمي.

لم يأت أحد
القتلى فقط وصلوا مبكرين
وجلسوا بهيئاتهم المشوّشة .
ثم قال شخص، لم نتبيّنه،يصف الأمر فيما بعد :
لم يحضر أحد
فقط القتلى وصلوا مبكرين
دون ملفّات مدروسة
وبحجّة وحيدة خرساء !

غسان زقطان