خبر : إنها محاولة وصاية وليست وساطة ...بقلم: صادق الشافعي

السبت 11 يناير 2014 09:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT



في أول اجتماع لها مع مساعديها بعد احتلال العراق قالت لهم كونداليزا رايس: اليوم حطمنا الشرق الأوسط في هذه الحرب، وعلينا الآن ان نبيّّن للعالم كيف نعيد تركيبه.

منذ ذلك اليوم ظل جوهر السياسة الأميركية وهدفها الأول ومبدؤها الحاكم "إعادة تركيب الشرق الأوسط" وبما يعني ضمان استمرار وصايتها عليه. وبلداننا العربية هي محتوى الشرق الأوسط وأغلبية دوله.
لقد دخلت إرادات أخرى الى جانب الإرادة الأميركية على خط الشرق الأوسط وبلداننا العربية غالبها دولية، ونجحت بمواقع قليلة في نزع الاحتكار الأميركي وفرض التشارك معه بهذه النسبة او تلك. كما حاولت بعض القوى الإقليمية ان تجد موطئ قدم لإراداتها المستقلة وما زال بعضها مستمرا.
لكن ذلك، حتى الآن ورغم التراجع المتواصل في مكانة أميركا العالمية وفي دورها وموقعها بوصفها القطب الأوحد، لم يغير من الصورة العامة التي تظهر بجلاء استمرار الإرادة الأميركية بوصفها الإرادة الأولى وصاحبة الباع الأطول في ترتيب أمور المنطقة وفرض استمرار وصايتها عليها. حتى عندما بدا أن هبّات معينة امتلكت لفترة قصيرة إرادتها وتخلصت من الوصاية الأميركية إلا ان ذلك لم يستمر طويلا بل نجحت الإدارة الأميركية في امتصاص المفاجأة وعادت، وبالتعاون مع قوى محلية، للتعامل مع المستجد على نفس القاعدة: قاعدة السعي لضمان استمرار وصايتها.
في الملف المصري فان القيادة المصرية الجديدة التي أتت بها إرادة جماهيرية عارمة على انقاض حكم الإخوان المسلمين الظلامي الذي كان يستجيب للسياسات الأميركية بالمنطقة ويقبل الوصاية مقابل إغراءات رخيصة، تحاول بجدية التمسك بإرادتها الوطنية المستقلة ورفض الوصاية الأميركية، وان كان ذلك يواجه بصعوبات كبيرة وصراع إرادات أساسه دولي وله تعبيرات وأدوات محلية وإقليمية.
وفي الملف السوري تبرز الإرادات المشاركة للإرادة الأميركية بأجلى صورها، في الحضور القوي لإرادات أخرى، أولها الروسية ثم الصينية ودول تكتل "البريكس"، بحيث تفقد الإرادة الأميركية تحكمها المنفرد في هذا الملف، وينحصر تحكمها في معارضة تنخرها خلافات عميقة تصل حد الاقتتال وتفتقد الى صلة حقيقية مع الشعب السوري كما تفقد حق تمثيله والنطق باسمه.
وفي الملف العراقي، تفرض الإرادة الإيرانية وجودها بالتفاهم والاتفاق مع الإرادة الأميركية.
وفي الملف الإيراني، فقدت الإرادة الأميركية أيضا انفرادها التحكم فيه لصالح التشارك مع قوى دولية اخرى معظمها غربية، مع دور متميز لروسيا، لكن دون ان يؤدي ذلك الى إضعاف او تبهيت دور الإرادة الوطنية الإيرانية وأساسيتها.
اما في الملف التركي، فقد حاولت قيادة حزب العدالة والتنمية امتلاك إرادة مستقلة بنكهة وطنية وبعد إقليمي وسعت الى ذلك بجدية عالية، وحققت نجاحات أولها داخلي محلي، ثم على مستوى الإقليم، لكن هذه المحاولة انتكست وتوقفت، بسبب ارتداد قيادتها الى فكر حزبها الإقصائي وقراءتها الخاطئة والمتسرعة للأحداث والتطورات التي عصفت بعموم المنطقة. وانتهت الإرادة التركية لتشكل راس الحربة للتدخل الأميركي – الغربي في سورية، ثم لتشكل قاعدة التقاء القوى المناهضة للانقضاض على الحكم الجديد في مصر، فخسرت بذلك معظم، ان لم نقل كل، رصيدها في المنطقة.
يبقى التعامل مع الملف الفلسطيني هو المثل الأبرز على سياسة الوصاية الأميركية، بالذات في إصرارها على فرض تسوية سياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي عبر مفاوضات هي وسيطها وراعيها الوحيد. تتحكم الإدارة الأميركية في هذا الملف تحكماً منفرداً مطلقاً بسبب اكثر من عامل احدها قبول فلسطيني غير المفهوم، يستند الى قبول ودعم عربيين، رغم توفر بدائل افضل يمكن العمل عليها ومن خلالها.
وفي هذا الملف تبرز بأجلى صورة حقيقة الموقف الأميركي بوصفه وصيا، دونما علاقة له بصفة وموقع الوسيط.
وهو من هذا الموقع يسعى جاهدا لفرض تسوية سياسية للصراع العربي – الإسرائيلي بشروط تصل حد التبني التام لبعض المطالب الإسرائيلية والتجاوب بدرجات وتخريجات مختلفة مع المطالب الأخرى، في الوقت الذي تشكل شروطا تعجيزية بالنسبة للجانب الفلسطيني الذي يرفضها رفضا باتا.
وكأن المقصود من وراء الشروط التعجيزية دفع الطرف الفلسطيني الى رفضها لتحميله مسؤولية إفشال المفاوضات وتبرئة إسرائيل، لتحول دون تعرضها لعزلة دولية في وقت تتنامى فيه دعوات مقاطعة إسرائيل والمستوطنات في العالم.
والمثل الأبرز على ذلك تبني أميركا للمطلب الإسرائيلي بوجوب الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل لدرجة قول الوزير كيري ان هذا الاعتراف ليس مطلبا إسرائيليا فقط ولكنه في نفس الوقت مطلب أميركي ايضا.
ويتجلى الإصرار الأميركي، في أحد أوجهه، ومن موقع الوصي، على فرض التسوية السياسية بشروطها المشار لها، في محاولته الاستعانة بمواقف عربية للوصول الى تخريجات، او الى إدخال تعديلات على مبادرة السلام العربية للالتفاف على الموقف الفلسطيني الرافض للشروط المعروضة بالذات في موضوع الاعتراف بيهودية الدولة.
وفي هذا السياق جاءت زيارة الوزير كيري الى كل من الاردن والسعودية ودعوته الى اجتماع مع وزراء خارجية لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية الاحد في باريس.
وذلك بغض النظر عن مدى التجاوب الذي لقيه في زيارتيه، او الذي يمكن ان يخرج عن اجتماع باريس.
ويبدو ان شرط الاعتراف بيهودية الدولة هو حجر الأساس في الموقفين الأميركي والإسرائيلي، وانه هو نفسه عقدة الموقف الفلسطيني في تقديرهما. فهذا الشرط ان تحقق، ينسف حق عودة اللاجئين من جهة، ويفتح الباب أمام عملية ترحيل (ترانسفير) إسرائيل لمئات آلاف فلسطينيي أرض 1948. وهو ما بدأ يتضح بجلاء تام عبر تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين.