بقلم : حسين حجازي
لعله افضل ما في مبادرة السيد إسماعيل هنية هو بالضبط توقيتها، أي النقطة التي يمكن أن يأخذها التأويل او التحليل الماكر أو المحترف على الرجل ومبادرته في طرح السؤال: لماذا الآن وعن الدوافع؟ وهو سؤال ربما لا يجد اختلافا في الإجابة عليه، اذا كانت هذه الدوافع التي حرّكت المياه الراكدة أخيرا هي واضحة للجميع. ولكن السؤال ايضا هل نملك اليوم وفي هذه اللحظة او التوقيت ترف الانجرار الى اغراء هذا النوع من التحليل الاستقصائي؟ لنقل للسيد هنية انظر: يا صديقنا فنحن نعرف ماهي دوافعك، وما هي الضغوط التي أملت عليك وعلى حركتك التحرك الآن، وان بدوت يا سيد هنية في هذا الموقف كما لو انك تعطي انطباعا نادرا وغير مألوف في مسار حركتك التقليدي، من انك قائد او زعيم سياسي أريب لتعرف كيف تُخرج في الوقت والظرف المناسب الأرنب من كم القميص.
لا، نحن لا نملك هذا الترف الآن، لا لأن المهم هنا ايضا هو العنب وليس الناطور، ولكن لأن التوقيت هو نفسه الجائزة او الهدية الكبرى او لنقل القيمة السياسية بحد ذاتها في هذا الموضوع.
اذا كانت مبادرة الرجل تأتي او تطرح في خضم ذروة احتدام الاشتباك، رحى المعركة الكبرى التي يخوضها الفلسطينيون، وحيث قعقعة السلاح هي الصوت الوحيد الذي يتردد صداه في الميدان. حسنا سيد هنية الآن وهذا هو وقتها اذا كان هذا هو محك اختبارنا جميعا في قدرتنا على التوحد صفا وجسما واحدا في المعركة معا حتى وان كنا مختلفين لأكثر من سبب. ولكن حذار ان نترك الرجل ابو مازن يقاتل في الميدان وحيدا في معركة تقرر مصيرنا جميعا، وهذا هو الوقت الأفضل لتقول حماس وغزة ان الكل في الواحد، اذا كان ما يطرح علينا هو من قبيل الذهاب الى حل او تسوية تاريخية، وحذار على المربع الفلسطيني عند هذا المنعطف ان يتم اختراقه، المربع الفلسطيني الذي يمثل خطوطنا الحمراء التي اتفقنا على عدم تجاوزها.
هذه اشارة جيدة للرئيس والسيد كيري ان الجبهة الداخلية الفلسطينية متحدة خلف المفاوض الفلسطيني الذي يدافع عن المربع الفلسطيني، ولئلا يتم الاعتقاد بانه يفاوض وحيداً.
فهل هذا يعني ان السيد هنية وحماس يريدون ايصال رسالة غير مباشرة للأميركيين بأنهم يمكن ان يكونوا جزءا من الحل التسوية، او اقله اغلاق ثغرة الانقسام الفلسطيني حجة معارضة حماس لتحميل الفلسطينيين فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، التي يواصل رعايتها جون كيري في المنطقة. والرسالة هنا قد يقصد قراءتها بأن حماس لا ترى ضرورة لاستبعاد غزة من الحل، وان هذا الحل بالاخير يجب ان يأتي متوافقا، والخطوط والثوابت الفلسطينية التي اجمعت عليها فتح كما حماس.
ما من شك ان هذه مناورة بارعة في التوقيت المناسب لإظهار الدعم غير المباشر للرئيس ابو مازن، اذا كان البعد الآخر لهذا القرض او التسليف الحسن او تقديم السبت هو الوقوف معا لحماية المربع الفلسطيني ضد اختراقه هذه المرة على الحدود بين غزة ومصر، وهنا ربما تكمن الدوافع الحقيقية التي ألحّت على هنية طرح مبادرته التصالحية مع فتح والرئيس ابو مازن لإطفاء النار قبل اشتعالها، اذا كان امتحان جدارة القيادة هنا كما في المفاوضات الحؤول دون الوصول الى الفشل. أي اختراق الخطوط الحمراء التي تشكل ثوابت مشتركة للفلسطينيين .
وفي التجربة التاريخية الفلسطينية حارب عرفات على مدى ثلاثين عاما على القوس الممتد من خليج العقبة حتى رأس الناقورة، جيوش ثلاث دول عربية معا الاردن وسورية ولبنان، لكن هذه الحروب المهلكة بين الأخوة الأعداء انما حدثت على الحواف، قشرة السياج الخارجي لأرض فلسطين، بينما قعقعة أصوات التهديد بالسلاح والحرب التي يسمع صداها جيدا هنا في غزة وتصدر في الإعلام المصري، انما تتعلق هذه المرة بتجاوز الخط الأحمر الأكبر للفلسطينيين سواء في زمن عرفات او اليوم، والذي يستبدل او يغير قواعد الاشتباك والحرب بحرف الاتجاه الشامل للاستراتيجية عن العدو الرئيسي والهدف.
هنا حسنا فعلت حماس بإلقاء جمرة النار بين يدي الرئيس ابو مازن او لنقل الاحتماء الوقائي بعباءة الرئيس، البيت الفلسطيني الداخلي لأن وحده الرئيس من يستطيع ان يطفئ نارها بإشارة واحدة من يديه، اذا كان المغزى الرئيسي لمجمل هذا الحراك هو العودة الطوعية من جانب الفرع الى الأصل، والأصل ان حماس وغزة جزء من النظام الفلسطيني ككل، وبالتالي فإن النظام ككل هو أقدر على إطفاء هذه الجمرة.
هذه مناورة دفاعية اذن من جانب حماس تستهدف الالتفاف على السجال الحاصل بينها وبين السلطة الجديدة القائمة في مصر، وهي توجه رسالة واضحة هنا الى هذه السلطات : اذا لم تلعبوا دور الرعاية في المصالحة بيننا وبين فتح، أي الاعتراف بشرعية حماس والفصل بينها وبين الإخوان في مصر في علاقة حماس معها، فإننا نستطيع ان نقلع في هذه المصالحة من غزة طالما ان هذه المصالحة غير مطروحة من جانب أبو مازن، بين فتح نفسها.
وبالتالي فإن المصلحة مشتركة هنا بين ابو مازن وحماس في الاتفاق على ان هذه المصالحة هي بين الجناحين الكبيرين في الحركة الوطنية الفلسطينية ككل، وبالتالي اخراج المحور الاقليمي السعودي الإماراتي من الموضوع.
في الخلاصة ان حماس تتعلم الآن ممارسة هذه التمارين السياسية التي لم تعتد عليها في السابق، وهي تقوم بذلك اليوم دون ان تخاطر بتقديم أي شيء يهدد سيطرتها الفعلية على غزة، فما أعلنت عن تقديمه كان يجب ان تقدمه عربونا للمصالحة منذ زمن، وبينما تحاول إعطاء الانطباع بأنها يمكن ان تكون داعمة للتسوية والحل، وبأن موقفها هذا هو الضمانة لقطع الطريق على أي رهانات بانفجار الساحة الفلسطينية الداخلية، في حال نجاح أو فشل هذه التسوية، فإن رهانها الحقيقي يبقى تحاشي فشلها هي نفسها، في حال نجاح التسوية كما في حال استقرار الأمور في مصر لمصلحة السلطة الجديدة القائمة، لأن نجاح أي منهما أو كليهما يمكن ان يشكل تهديدا جديا لها، ولذا فإن ما يحدث هو محاولتها قطع التذكرة في العربة الفلسطينية وهذا هو الخيار الصحيح.


