خبر : كنوز فرعونية للبيع علناً في الاقصر مع ازدهار نهب الاثار وتراجع السياحة منذ الثورة

الخميس 09 يناير 2014 08:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
كنوز فرعونية للبيع علناً في الاقصر مع ازدهار نهب الاثار وتراجع السياحة منذ الثورة



لاقصر ـ من خالد الشامي: عندما تعبر النيل المتوج دائما كالملوك بقرص الشمس الى البر الغربي من مدينة الاقصر، حيث يقع وادي الملوك ووادي الملكات ومعبد الدير البحري المعروف بمعبد الملكة حتشبسوت، لن يكون امامك خيار سوى الخشوع في مواجهة عبق تاريخ سحيق، وحضارة اجمعت كتب السماءعلى انها امتلكت خزائن الارض.
وعندما تصل الى بوابة وادي الملوك حيث سيتوجب عليك ان تخلع آلات التصوير قبل ان تدخل حرم المقابر الملكية، لتتعفر اقدامك في طريق مهدتها مواكب الفراعنة العظام الى الحياة الابدية، مصحوبين بالالهة التي طالما ساعدتهم في الحياة الاولى على اجتراح ما اتوا به من معجزات.
لكنك قد تدرك حينئذ مع قلة عدد السياح حجم الازمة الاقتصادية التي تعانيها مدينة تضم نحو ثلث الاثار المكتشفة في العالم بأسره، وخاصة عندما يلاحقك تجار العاديات والتماثيل والبطاقات في الحاح شديد لتشتري منهم شيئا، اي شيء وبأي ثمن.
بالنسبة الى اهالي الاقصر الذين لايملكون مصدرا اخر للدخل غير السياحة، يبقى هذا الركود او (وقف الحال وخراب البيوت)، حسب تعبيرهم، هو كل نصيبهم من ثورة يناير2011، بينما يتذكرون في مرارة كيف ان الحكومات المتتالية في مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية لم تقدم اي مساعدة لهم، في حين ان خزانة الدولة كانت اول المستفيدين عندما كان المئات او الالاف من السياح يتزاحمون لالقاء نظرة على الوادي الملكي الرهيب.
وحسب ارقام رسمية فإن نسبة الاشغال في فنادق المدينة خلال عطلة الكريسماس ورأس السنة الحالية لم تزد عن عشرين بالمئة، في حين ان النسبة التقليدية خلال هذا الوقت من العام كانت لا تقل عن التسعين بالمئة حتى العام 2010.
لكن جمال وهو مرشد سياحي عاش العصر الذهبي للمدينة يؤكد ان النتيجة الاسوأ لتراجع لسياحة والامن منذ الثورة هي الازدهار الواسع لنهب الاثار الفرعونية والمتاجرة فيها وتهريبها الى خارج البلاد.
ويشير الى ان كثيرا من عمليات النهب تمت في قرية ‘قرنة مرعي’ القريبة من وادي الملوك التي اقيمت فوق مقابر نبلاء الفراعنة، وهكذا كان كل صاحب بيت فيها يستطيع ان يجد كنزا فرعونيا بمجرد الحفر لعدة امتار.
وسارعت الحكومة قبل الثورة الى تهجير اهالي القرية لانقاذ الاثار، ووعدتهم بمنحهم اراضي ومنازل كتعويضات في موقع غير بعيد اسمته ‘القرنة الجديدة’، الا انها ماطلت في الوفاء بوعدها، وعندما اندلعت الثورة قرر كثيرون العودة الى قريتهم واقاموا خياما فيها، ما سمح لبعضهم باستئناف عمليات الحفر بعيدا عن اعين الحكومة المنشغلة في قضايا المظاهرات والاعتصامات والانتخابات في انحاء البلاد.
ويقول المرشد’ان العثور على اي تمثال او قلادة او حتى جعران فرعوني صغير قد يكون كافيا لتحويل صاحبه الى مليونير’، ويضيف: يتسابق الشباب في هذه المنطقة على العمل في التنقيب عن الاثار رغم ان الاجر اليومي لا يزيد عن خمسة وعشرين جنيها (اقل من اربعة دولارات)، الا ان هدفهم الحقيقي هو العثور على اثار صغيرة اثناء الحفر ثم سرقتها’.
وفي سخرية لاتخلو من مرارة يلاحظ المرشد السياحي ان المثل الشعبي المصري (حاميها حراميها) قد يكون له اصل فرعوني، ويشير الى قصة مايسمى بـ ‘خبيئة عبد الرسول’ التي تتناقلها الاجيال في هذه المنطقة. وعبد الرسول هو كبير حراس المقابر الفرعونية الذي صاحب البريطاني هوارد كارتر اشهر مكتشفي الاثار المصرية اثناء كشفه عن مقبرة توت عنخ امون في العام 1922. وتقول القصة ان عبد الرسول اكتشف كنزا فرعونيا واحتفظ به لنفسه بأن خبأه في مكان سري من وادي الملوك، الا انه مات قبل ان يفصح لاحد عن مكان الخبيئة التي ظلت حلما يراود ابناءه واحفاده الذين ورثوا عنه المهنة نفسها.
وبعد زيارتنا للوادي الملكي والتي كان ختامها في مقبرة الملك الشاب توت عنخ امون، حيث ترقد مومياؤه شاخصة الى السقف الذي رسمت عليه الالهة نوت وهي تحمل بين كفيها الشمس والقمر، كان موعدنا مع المرشد ليثبت لنا صحة مزاعمه بشأن ازدهار المتاجرة العلنية في الاثار والكنوز الفرعونية المنهوبة.
وبينما انعطفت السيارة عند سفح الجبل حيث شكلت الطبيعة اشكالا عجيبة من الصخور والاحجار الجيرية التي استخدمت في بناء الاهرامات، بدأ الوادي الملكي خلفنا يغوص في قلب التاريخ، بينما يختفي مع الشمس عند اقدام الالهة وراء الافق، حسب معتقدات المصري القديم. وفجأة قال المرشد سنتوقف هنا لنتناول الشاي الصعيدي مع بعض اهالي المنطقة، فإذا بنا امام احد (مصانع احجار الالاباستر اليدوية)، وهي احجار بيضاء ناصعة استخدمها الفراعنة في صنع تماثيل كما استخدموها للضاءة اثناء حفر المقابر التي وصل عمق بعضها الىاكثر من مائة متر. وعند المدخل رحب بنا صاحب المصنع الذي ارتدى جلبابا انيقا وبدا عليه انه لا يعاني من اثار الركود السياحي مثل باقي اهالي الاقصر.
وبعد ان شاهدنا نموذجا حيا لاسلوب الفراعنة في صنع تماثيلهم باستخدام آلات بدائية مصنوعة من الحجر، اصطحبنا صاحب المصنع الى بازار ملحق يعرض فيه منتجاته. وفي فاترينة صغيرة في ركن قصي من البازار، فوجئنا بصاحب المصنع يخرج قطعا اثرية فرعونية وعرض علينا شراءها بأسعار (خاصة)، مؤكدا انها مجرد عينة، وانه يستطيع ان يحضر الينا تشكيلا اكبر واكثر تنوعا ان كنا مهتمين بذلك. ثم ناولنا تمثالا اثريا صغيرا وغير مكتمل، قائلا ‘انه يعود الى عهد الملك المحارب تحتمس الثالث، لا شك انكم تعرفونه جيدا، لقد شن نحو خمس وعشرين حربا خلال سنوات حكمه التي بلغت سبعا وعشرين، وامتد نطاقها من ليبيا الى العراق وسورية. وبصوت متردد من اثر المفاجأة، سألناه ‘هل التمثال قديم حقا؟ اجاب في ثقة: يابيه احنا هنا بلد القديم وممكن تتاكد. اما السعرفكان نحو خمسمائة من الدولارات فقط، وعندما لم نبد حماسا، قال ‘عندي تمثال كبير يرجع للعهد نفسه الا انه مصنوع من المرمر الخالص. تحفة فنية حقيقية، الا ان صاحبه يطلب فيه ثلاثة ملايين جنيه (اربعمائة وثلاثون الف دولار). وعندما جاءه الجواب بأننا لا يمكن ان نشتري اي اثار فرعونية قديمة، لم ييأس وقال تستطيع ان تفكر في الامر واترك موضوع السعر الى النهاية لاننا سنتفاهم فيه(..). ثم بدأ يبرر المتاجرة في التماثيل ‘القديمة’ كما يسميها، قائلا: لقد تركتنا الحكومة وعائلاتنا للموت جوعا بعد الثورة، ولم يكن امام الناس هنا الا التجارة في الاثار او المخدرات، ونحن اناس لا نستطيع ان نغضب الله (..).
وبينما غادرنا البازار، استعدنا صورة قبيلة (الحرابات) التي كانت تتاجر في الاثار المنهوبة في فيلم (المومياء) الشهير للنمخرج الراحل شادي عبد السلام، وكيف انها لم تعد ترتدي ذلك الزي الاسود الكئيب، بل الوانا زاهية تدل على الثراء، لاح في الافق سؤال ان كانت تلك القبيلة ستبقى طويلا اكبر مستفيد من الثورة ضد الفرعون التي طالما حلم بها الاجداد.

عن القدس العربي