خبر : إما قدر من الإنصاف وإما خيار شمشون ...طلال عوكل

الخميس 09 يناير 2014 10:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إما قدر من الإنصاف وإما خيار شمشون ...طلال عوكل



على نار شديدة التوهج، يتابع وزير الخارجية الأميركية جون كيري جهوده من أجل التوصل إلى ما سماه "المستوى المنشود"، والذي يعني بلغته التوصل إلى اتفاق إطاري يضع الخطوط الإرشادية لمحادثات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي حول اتفاق سلام رسمي.

كيري لا يتوقف عن التأكيد، على أنه حقق تقدماً كبيراً، ولكن ما زالت هناك خطوات ينبغي اتخاذها من قبل الجانبين، ولذلك فإنه أخذ يوسع دائرة المتعاملين الإقليميين والدوليين، لدعم جهوده وأفكاره، وإقناع أو الضغط على الطرفين من أجل تحقيق الاختراق المنشود.
وفد من أعضاء الحزب الجمهوري بقيادة ماكين يزور رام الله وتل أبيب للغرض ذاته، ولكن من موقع الانحياز الكامل لإسرائيل، في موازاة، الضغط على الفلسطينيين، الذين لم يعد لديهم ما يقدمونه لإرضاء شهوة التطرف الإسرائيلي، ومن ورائه الدعم الأميركي.
رئيس الحكومة البريطانية، هو الآخر، يحزم حقائبه متوجهاً إلى المنطقة لدعم المساعي والمواقف الأميركية، وستتبعه المستشارة الألمانية، ميركل، وهما يحملان بالتأكيد كومة من الجزر لإسرائيل، وجزرة واحدة للفلسطينيين، مع عصا، مليئة بالمسامير على حد تعبير أحد الصحافيين، على الأرجح، إنها للتلويح فقط على رأس إسرائيل، ولكنها لإدماء رأس الفلسطينيين.
ربما تتواتر أخبار زيارات لمزيد من المسؤولين الدوليين إلى المنطقة في السياق ذاته، الذي يجيء من أجله المسؤولان الأوروبيان البريطاني والألماني. وفي الإطار العربي، قام كيري بزيارات للسعودية، والأردن، بحثاً عن المساعدة، في الضغط على الفلسطينيين، مستفيداً من ضعف وانشغال العرب، الذين عليهم أن يتوجهوا إلى باريس مطلع الأسبوع القادم للقاء كيري.
كيري يبحث مع الأردن، قضايا الأمن المتعلقة بالحدود، والأغوار والمعابر والقدس، باعتباره شريكاً بهذا القدر أو ذاك، وبهدف إقناع الفلسطينيين بالقبول بمتطلبات الأمن الإسرائيلي، وبالاقتراح الذي تقدم به كيري بشأن القدس الكبرى، هذا الاقتراح الذي يشكل بما هو عليه ترجمة بالأميركية، للموقف الإسرائيلي الذي يصر على القدس موحدة، عاصمة حقيقية لإسرائيل.
أما في السعودية فإنه يبحث عن التزام سعودي، بعدم توفير الحماية المالية للسلطة الفلسطينية، حالما يتخذ الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية قرارات بتجفيف الموارد المالية للسلطة، في إطار محاولات أميركا للضغط بشدة على الفلسطينيين. ليس هذا فقط، وإنما يبحث كيري مع السعودية، إمكانية رفع الغطاء السياسي عن مواقف السلطة، ولتجنيدها من أجل إقناع زميلاتها العربيات بتوفير غطاء عربي هو ضروري للسلطة في حال اضطرت للموافقة على الأفكار الأميركية الإسرائيلية، ورفع هذا الغطاء عنها في حال امتنعت عن ذلك.
وفي حين يواصل وزراء إسرائيليون التشكيك بوجود شريك فلسطيني والتحريض على السلطة والرئيس محمود عباس، يتحدث كيري عن "أن الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتخذا قرارات صعبة من أجل التوصل إلى اتفاق إطار بين الجانبين.
حين تسمع ما يقوله تباعاً، يتولد لديك انطباع بأن إمكانية التوصل قبل نهاية آذار، إلى اتفاق إطار، قد اصبح قريباً إلى متناول اليد، ولكنك حين تتابع التصريحات والممارسات الإسرائيلية والتصريحات الفلسطينية المجردة عن أية ممارسة، تصل إلى استنتاج باستحالة التوصل إلى اتفاق إطار أو غيره.
بنيامين نتنياهو يتحدث عن أن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بأية إملاءات، بشأن متطلباتها الأمنية، مما يوحي كذباً، بأن كيري قد يضطر لأن يفرض على إسرائيل، ترتيبات أمنية وضمانات، لا توافق عليها، رغم أن كيري يقول بعظمة لسانه: "إن أمن إسرائيل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وانه طوال فترة وجوده في الكونغرس، آمن بالحفاظ على أمن إسرائيل، لكنه الآن، يهتم، أيضاً، بمستقبل الفلسطينيين وأوضاعهم.
افيغدور ليبرمان وزير خارجية نتنياهو، لا يرى إمكانية لتحقيق سلام يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو يصر على أن مثل هذا السلام ينبغي أن يقوم على معادلة الأمن لإسرائيل، وتحسين الحياة الاقتصادية للفلسطينيين. أما بالنسبة لحق عودة اللاجئين، فإن ليبرمان، تجاوز ممارسة هذا الحق استناداً إلى ما ينص عليه قرار الأمم المتحدة، رقم 194، فهذه بالنسبة له، مسألة منتهية، من حيث إن إسرائيل والولايات المتحدة ترفضانها رفضاً قاطعاً، ولذلك فإنه دخل على قضية جديدة بالنسبة لهذا الملف. ليبرمان يحذر بشدة من المخاطر الناجمة عن عودة ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني، سترغب الدول العربية المضيفة في دفعهم، للعودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
في محاولة لجمع شتات المعلومات التي تصدر عن الطرفين بشأن قضايا ملف الحل الدائم، والمواقف التي تتخذها الولايات المتحدة حيالها فإننا نستنتج التالي:
أولاً: تصر إسرائيل وتتبنى الولايات المتحدة، على ضرورة أن يعترف الفلسطينيون بالشرط الإسرائيلي الذي يتصل بيهودية الدولة، وهو بالإضافة إلى أنه مرفوض فلسطينياً، فإنه ينطوي على فخ، يحمل كل النوايا السيئة والخطيرة بشأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
ثانياً: الأمن أولاً وأولوية لإسرائيل، وشروطه لا تتوقف على الترتيبات المقترحة سواء كانت مرفوضة أو مقبولة على منطقة الغور والحدود مع الأردن والمعابر، وإنما يندرج ذلك في إطار إعادة صياغة أشكال ممارسة الاحتلال.
ثالثاً: القدس بالنسبة لإسرائيل، ووفق اقتراحات كيري، تظل فعلياً عاصمة لإسرائيل، وشكلياً، بعضها للفلسطينيين.
رابعاً: قضية اللاجئين، لا تجد لها حلاً، انطلاقاً من تعريف الفلسطينيين لحقوقهم، لا من قبل إسرائيل ولا من قبل الولايات المتحدة.
خامساً: قضية الحدود، من الواضح أن إسرائيل لا تسلم بحدود الرابع من حزيران ولا تبدي استعدادا للتخلي عن الأراضي التي تقوم عليها المستوطنات، والتي يصادرها الجدار، هنا علينا أن نتخيل، ما الذي يسعى وراءه كيري وإدارته، بعد أن تصادر إسرائيل كل هذه الكومة من الحقوق، وأية حقوق تبقى للفلسطينيين عند ذاك؟
ربما من غير المناسب وفق كل المعطيات المحيطة بأمر المفاوضات، أن نطالب القيادة الفلسطينية بالانسحاب منها، خصوصاً وأنها مفاوضات مع الجانب الأميركي وليس الإسرائيلي، وفي ضوء ما تبقى من وقت، ولكن على هذه القيادة أن تتحفز لخيار شمشون، بما يعني العودة إلى الصراع المفتوح، إلى أن تتغير موازين القوى، أو أن تشعر القوى الدولية الداعمة بقوة لإسرائيل من أن مصالحها تتعرض لخطر حقيقي في ظل حالة الصراع.