تعودنا أن يخوض العالم المعارك العديدة بالإنابة عن إسرائيل، لأن جيش المقاتلين ليسوا من أبطال الميادين ولا من فرسان الحناجر ولا من شيوخ العنتريات ولا من أرباب الشعارات ولا حتى من عتاولة الصخب. هم على العكس، من ملوك المال والقانون والإعلام ممن يركبون ظهور الساسة في عواصم القرار فيرضخون لهم ويخوضون معارك الإنابة. ركاب الظهور هم أسياد الضغط وصقور الترهيب الانتخابي والسياسي والمالي والإعلامي.
لذا فإن المقاتلين بالإنابة يفصلّون لدولة الاحتلال ما يتطابق وإرادات حكامها
حتى بالمسميات والأفعال. فالاتفاق الأولي يصبح إعلان مبادئ والاتفاق
الانتقالي يسمى بالتفاهم، أما النهائي فنراه اليوم يتجه نحو تسميته باتفاق
الإطار ناهيكم عن مصطلحات لم يعرفها العالم إلا لإسرائيل وفي إسرائيل، كإعادة الموضعة واستبدال الأراضي والدولة ذات الحدود المؤقتة والشوارع الالتفافية وتصاريح المرور والحزام الأمني وتنسيق العبور والجدار الأمني، وقائمة ربما تحتاج لمقالين كاملين لطولها، وكأن اللغة العربية قد أثقلت بمصطلحات دخيلة جديدة أصبحت اليوم أمراً معتاداً.
الاتفاق النهائي الذي استبدل إسرائيليا هذه الأيام بمصطلح اتفاق الإطار ينسج
على منوال منتجات سابقة لمعركة المراوغة والتضليل وكسب الوقت، كعملية السلام التي أرادت إسرائيل منها العملية وليس السلام، وجيش الدفاع الذي أرادته إسرائيل جيشاً للاحتلال والهجوم. يضاف إلى ذلك إعادة الموضعة التي روجت لها إسرائيل لاعتبارها انسحاباً، لنجد أنها إعادة انتشار وحصار خانق، ورسائل الضمانات التي أرادتها إسرائيل غطاءً لقضم الأرض، بينما يسود الادعاء الواهي بجدية السلام.
حكومة الاحتلال امتهنت المراوغة وهي تسعى اليوم للمزيد: اتفاق إطار يا حبذا بالنسبة لها إن صادر الأغوار الفلسطينية وأبقى القدس إسرائيلية وشطب حق عودة الفلسطينين وفرض سيطرة إسرائيل على المجال الجوي والمياه والحدود، وطيف الاتصالات الترددي والسيادة على الخط الرابط بين غزة والضفة.
إسرائيل تريد اتفاق إطار كوصفة انهيار للحلم الفلسطيني بالاستقلال والعودة
لإنك وإن وقعت فلن تجد أرضاً ولا سيادة ولا عودة ولا قرار.
اتفاق الإطار بنسخته الإسرائيلية منصة متطورة لإضاعة الوقت وكأن عقوداً من الزمن وآلاف القرارات الاحتلالية ومئات المستوطنات وعشرات القوانين وآلاف القرارات العسكرية ومئات الأحكام العسكرية لم تكن كافية لتشبع نهم المحتل فيحتاج وقتاً إضافياً لتدمير الهوية العربية للأراضي المقدسة وتفعيل حل الوطن البديل وتحفيز الفلسطينيين باتجاه الهجرة الطوعية حتى تصبح الأرض بالفعل بلا شعب.
مقاومة الإطار لا يمكن أن تعــــــود لتوظيف العنتريات والخطب النارية والشعارات البراقة، وإنمــــا إلى تلاصق فلسطيني ـ فلسطيني مساره الوحيد هو مسار الوحدة والتوحد. نعم بالمصالحة ووحدة الحال ربما نصل نصـــف المسافة ونصفها الثاني يجب أن يقوم على الإجماع على الرؤية والأدوات وخطة المستقبل، تأخذ بعين الاعتبار إجراءات متجددة كمقاضاة المجرمين الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية وغيرها.
الإطار كما يروى عنه من قنابل اختبار وتسريبات ما هو إلا خيرٌ لمن يحاول
توضيبه على مزاجه ونار للفلسطينيين، أصحاب الحق المؤجل وضحايا المراوغات والمناورات ومنتجات السياسة اللئيمة لمحتل لا يرى في المرآة سوى ذاته على الأرض.
‘ كاتب فلسطيني


