دون الخوض كثيراً في ماضي النظام السياسي الفلسطيني الذي لم يسلم هو الاخر من الاختلاف على حقيقته ، وتحريف احداثه وتسيسها، وعندما كان الحديث في الماضي والخوض بمجرياته يثير المشكلة أكثر من تهدئتها، كان لزاماً علياً النظر إلى المستقبل وتأمل افاقه لبناء خطط مسبقة لمواجهة احتمالاته، وفيما أرى فإن مستقبل النظام السياسي الفلسطيني يصب بإحدى السناريوهات التالية:
1_ بقاء الإنقسام الفلسطيني على حاله.
ويقوم هذا التصور فى حالة بقاء الاطراف الفلسطينية المنقسمة متسمكة بمواقفها، وبقاء الشعب الفلسطيني ساكن دون تحرك والضغط على الاطراف المنقسمة لإنهاء الانقسام. وبهذه الحالة تتعطل وتتوقف كافة الخيارات الفلسطينية، ويضعفها، ويتيح لإحتلال الإسرائيلي مجال أوسع من الحركة والتوغل في فرض خياراتهه.
أما اذا تحرك الشعب أو إتفاق الاطراف على إنهاء الإنقسام والعودة الى المعركة الحقيقة والأساسية بعملية التنمية للنظام السياسي الفلسطيني وهى إنهاء الإحتلال، فإن مستقبل النظام سيكون أمام إحداى السناريوهات اللاحقة.
2_ أن تكون المصالحة على اساس التسوية السلمية وعملية السلام فى إطار حل الدولتين والاعتراف المتبادل.
وهذا السناريو يستوجب أن يتم توافق الاطراف الفلسطينية على عملية السلام وأن تتفق الاطراف المنقسمة على مبادى التسوية والدولة الفلسطينية بحدود 1967م، وأمام ذلك يعمل النظام السياسي الفلسطيني على إنهاء الخلل والتعارض التشريعي داخل البنية القانونية بنظام الحكم الفلسطيني، وتوضيح العلاقة بين مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني بشقيها مؤسسات منظمة التحرير و مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
أن هذا السناريو قد يكون مجدى لحل ومعالجة أزمات النظام السياسي الفلسطيني على المدى القصير، إلا أنه يبقى الباب مفتوحاً أمام تجدد أزمات النظام السياسي الفلسطيني وخصوصاً أزمة الهوية.
وإذا تجددت أزمة الهوية داخل النظام السياسي الفلسطيني فإنة أزمة التغلل _السيطرة _ التى ستنتج عنها ستكون أكثر عنف وأشد حدة. ذلك أن المستقبل سوف يبقى مفتوحاً أمام ظهور اطراف فلسطينية تدعو الى إستعادة باقى أراضي فلسطين التاريخية، وذلك تحت مبرر وطنى تحرري أو تحت مبرر دينى جهادي. وامام ذلك يكون النظام السياسي الفلسطيني مرشح بالعودة الى أزمته.
3_ أن تكون المصالحة على أساس إنهاء إتفاق أوسلو وفشل الخيار السلمي وحل الدولتين والعودة الى الكفاح المسلح لتحرير فلسطيني التاريخية.
وهذا السناريو يعيد النظام السياسي الفلسطيني الى نقطة البداية عند نشأته، وإحتياجه الى دعم محيطه العربي، والى إعادة تكيف مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني مع هذا الخيار. ومع صعوبة العودة الى هذا الخيار بالوقت الحالى، الا أن إحتمالات نجاح هذا الخيار على المدى الطويل مرهوناً بالمحيط العربي وإكتمال ثورات شعوبه وخصوصاً دول الجوار الفلسطيني، أكثر منه بالشأن الفلسطيني، ذلك أن للمحيط العربي دوراً هاماً في هذا السناريو على يقل عن أهمية الدور الفلسطيني نفسه.
4_ أن تكون المصالحة خارج إطار التسوية السلمية وحل الدولتين. وانما على أساس الدولة الديمقراطية الموحدة من النهر الى البحر.
ويقوم النظام أمام هذا الخيار بتبنى المقاومة السلمية، ويعمل على مطلبين رئيسين هما: 1_ المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية فى دولة على كافة أراضي فلسطيني التاريخية. 2_ المطالبة بعودة اللاجئين الى التي هجرو منها.
ويحتاج النظام السياسي الفلسطيني الى إعادة صياغة مؤسساته، صياغة تتيح دخول واشتراك جميع أطياف الشعب الفلسطيني للعمل الوطني بكافة أماكن تواجده.
ويشتمل هذا السناريو وبشكل ضمنى حل السلطة الوطنية الفلسطينية بما يعنيه من إعادة سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلية على مناطق السلطة الوطنية الفلسطنينة. وتحول مؤسسات السلطة الى لجان شعبية يتم تشكيلها بكل مدينة وقرية وأى تجمع سكانى فلسطيني، وهنا ستثار مشكلة كيفية التعامل مع قطاع غزة، هل هو أرض محررة أم إعادة قوات الاحتلال الإسرائيلي إليها؟ وكيفية التعامل مع سلاح كلاً من السلطة بالضفة الغربية وقطاع غزة؟ وكيفية التعامل مع المشكلة الاقتصادية التي ستنتج من جراء تسريح عدد كبير من موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية؟.
أن السناريو الرابع هو الامثل للنظام السياسي الفلسطيني والافضل لحل ازماته، وخصوصاً أزمة الهوية، إلا أن السناريو المقبل على النظام السياسي الفلسطيني هو السناريو الأول من بقاء الانقسام على المدى القصير.


