خبر : "إسرائيل" وغزة 2014 ..عمر قاروط

الأربعاء 08 يناير 2014 10:15 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"إسرائيل" وغزة 2014 ..عمر قاروط




عمر القاروط 

تبدو فلسطين كنور خافت وسط الزحمة التي تعج بها المنطقة العربية بالأحداث الصاخبة، من مصر إلى سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى..، إلا أن هذا النور لا يبدو يرى وسط هذا الزحام رغم أنه هو الوحيد الباقي للإبصار في المنطقة، لأنه المسار الوحيد الذي يحظى بالحد الأدنى من التوافق في المنظور العام، احتلال، وصراع، ومقاومة بالمفهوم العام والشامل، وحقوق وطنية. وفي السياق تظل كل صور المشهد تفاصيل آنية أشبه بلعبة سرك، تقوم على الإثارة والإبهار والتلاعب بأعصاب الجمهور. فالمفاوضات، و"الانقسام"، والحصار، والاستيطان والمستوطنين، والمقدسات، والتهديدات، والاعتداءات، الحواجز، والتوغلات، والملاحقات والمطاردات، وانقطاع الكهرباء، ومنع دخول مواد الكهرباء والوقود، وعزل غزة عن الضفة ومنع التنقل بينهما، وحصار مخيم اليرموك، والهجوم على غزة، و..الخ كلها مشاهد ضبابية لا تغير شيء من حقيقة الواقع الذي تعيشه فلسطين المحتلة احتلال ومقاومة، وصراع وحقوق.

هذه هي إطلالة عام 2014، مشهد مزدحم، وأحداث متسارعة، وحقائق قاسية. لذا فإن هذا العام الجديد سيكون عام المفارقات والاستحقاقات. مفارقات بين ثنايا المشاهد على مستوى المنطقة، واستحقاقات على مستوى الصراع مع الاحتلال. وبين ذلك وذلك ستكون صورة فلسطين في العام الجديد بريشة جديدة، وألوان جديدة رغم أن الرسامون ما زالوا كما هم.

ففي عام 2014كان أول استحقاق كشف عنه رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية، وهو ما أكده د. أحمد يوسف في مقاله المنشور اليوم على وكالة سما من أن هذا العام سيشهد الاستجابة لاستحقاقات المصالحة في غزة بمبادرة من حركة حماس تفتح من خلالها الطريق أمام انتخابات بلدية ونقابية، وخطوات سيجري الكشف عنها لكن مؤشرات ذلك بدأت من الآلية التي سمحت بها حماس لحركة فتح بإقامة حفل ذكراها السنوية. هذا استحقاق سيريح كثيرا الفلسطينيين، لكنه لن يريح أطرافا كثيرة في محيط الفلسطينيين وعلى رأسها "إسرائيل". هذا المنعطف رغم ما فيه من ايجابيات وتفاؤل يتوجب التنبيه إلى انه اختبار صعب للقوى الفلسطينية جمعاء، لأنه يجب أن يكون أداة حل وشراكة واعية بالمرحلة وحساسيتها ومخاطرها، لا أن يتحول إلى نقلة جديدة للمزايدة والاستهلاك السياسي، لأنه عندها ستكون النتائج والتداعيات كارثية.

أما الاستحقاق الثاني فهو الذي يبشرنا به كيري، وأطراف التفاوض المختلفة، حيث يسعى هؤلاء إلى إقناعنا إلى أن مشروع حل بات جاهزا، وان مشروعا سياسيا يجري صياغته بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأيدي أمريكية رغم ما يشوب هذا المشروع من غموض، وتعقيدات. فالإدارة الأمريكية تتحدث عن صيغة حل أقرب إلى المرحلية منه إلى الحل الدائم، يبدأ بمبادئ دون أن يفهم طبيعة هذه المبادئ وأهدافها، ويمضي إلى استدراج الطرفين إلى مسار سياسي توافقي يقودهم إلى معالجة الملفات السياسية، بمعنى ان الصيغة تؤدي إلى الخروج من الاحتقان والجمود السياسي الراهن بينما يجري لاحقا استكمال التفاوض والحلول للملفات السياسية، ويكون الطريق لذلك بالترتيبات الأمنية التي ستكفلها الإدارة الأمريكية ثم تتابع أطقم التفاوض البحث في الملفات السياسية العالقة " القدس – اللاجئين – الحدود – طبيعة الدولة – مصير المستوطنات"0 هذا الاستحقاق لا يمكن لأحد القول بأنه مؤكد أو بأنه قريب، لكن لا احد يمكنه أن ينكر أن شيئا ما يجري في الكواليس، وأن التصريحات التي تصدر من هنا وهناك ما هي إلا محاولات للتعتيم، وتحسين ظروف التفاوض من قبل كل طرف في مواجهة الأخر، واستكشاف المدى الذي يمكن أن يقبل به كل طرف في هذه المرحلة.

وبعيدا عن موقفنا من هذا الاستحقاق، ومدى جدواه، وفرصه في النجاح، إلا أنه سيكون له نتائج وتداعيات كبيرة ربما تغير وجه المعادلة القائمة برمتها. وأول هذه التداعيات ستكون نهاية المشوار السياسي لأبي مازن، وخروجه من المسرح السياسي، لأنه سيكون عاجزا عن مواجهة التداعيات، كما أنه لن يكون بمقدوره أن يواصل المسيرة السياسية بالكيفية التي رسمها لنفسه طوال السنوات الثمانية من وجوده على رأس السلطة والمنظمة، وبالتالي سيكون خيار المغادرة لموقعه السياسي أمر اضطراريا.

أما الاستحقاق الثاني لذلك سيكون تبدل المعادلة القائمة حاليا في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معادلة قد لا يكون خيارها انتفاضة ثالثة كما يتصور البعض، لأن الاحتلال وضع سيناريوهات لقمع مثل هذه الانتفاضة بصورة قاسية ووحشية، وبالتالي هذا السيناريو قد لا يكون متاحا، وسيكون شكل جديد لهذه العلاقة من المبكر التكهن به وبطبيعته، لكنه لن يكون ناعما كما هو الحال اليوم، وسيكون حادا، وقد يستدرج أطراف إقليمية ودولية إلى قلب المواجهة، لأن قواعد اللعبة التي عرفناها منذ العام 2000 لم تعد تصلح، وأرهقت الجميع، وفي المقابل ستغير هذه التداعيات القيادة الراهنة في "إسرائيل"، وربما تدفع بجيل جديد من القيادة، ومنظومة سياسية جديدة.

الاستحقاق الثالث سيكون بدرجة أساسية مبني على الاستحقاقين السابقين، وما إذا سيكون المسار سياسيا توافقيا، أو مسارا افتراقيا قاسيا، ففي الحالة الأولى ستكون الأمور باتجاه استحقاقات مدنية واقتصادية ومرحلية، أما إذا كان الاستحقاق الآخر، فإن الحلة ستكون صعبة جدا وتخرج عن سقف التوقعات، لكنها بالتأكيد ستغير شكل المشهد السياسي فلسطينيا وإسرائيليا، سواء على مستوى القيادة، أو الرؤية السياسية، أو إدارة الصراع.