القاهرة وكالاتقال حازم قنديل، المحاضر في علم الاجتماع، إن عزل الرئيس محمد مرسي لم يكن مسألة دينية وإنما مسألة كفاءة. يقول مؤيدو الإخوان المسلمين إنه كان يقود هجمة ثورية ضد النظام الاستبدادي المصري عندما تعرض لثورة مضادة أوقفت جهوده. هذه المزاعم مجرد ضرب من الخيال، فجماعة الإخوان المسلمين كانت تطمح إلى أن تحل محل الحزب الحاكم القديم على قمة السلطة وحسب.
يقول حازم في مقال نشره الموقع الإلكتروني للمعهد الملكي للشؤون الدولية Chatham House، إن ثورة 2011 أعادت توزيع السلطة داخل «مثلث القوة» الحاكم في البلاد، وهو المثلث الذي يشمل الشراكة «الصعبة» بين الجيش والأمن والمؤسسات السياسية. وكان قطاع الأمن قد فقد هيمنته على الكتلة الحاكمة، وأُجبر الآن على أن يلعب الدور الثاني بعد الجيش الذي كان مهمشًا فيما قبل.
كانت الساحة السياسية مفتوحة للتفاوض، وأرادت جماعة «الإخوان المسلمين» أن تقدم نفسها بأنها المرشح الأفضل، وذلك من خلال استرضاء كل من الجيش والشرطة، فالجماعة لم تشر على الإطلاق إلى أي نية لتحدي استقلالية وامتيازات القوات المسلحة «سواء الامتيازات الاقتصادية أو غيرها»، كانوا حريصين على التأكيد على أنهم إلى جانب القيادة العسكرية طوال الوقت.
وبفضل دعم الإخوان غير المشروط، فإن المؤسسة الأمنية لم يُصبها تراجع يذكر منذ ثورة 2011»، فبينما كان المتظاهرون في ميدان التحرير ضد مبارك كان محمد مرسي وسعد الكتاتني يتفاوضان سرًا مع عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات السابق، وذلك للحصول على حصة أكبر من الكعكة السياسية في مقابل إجهاض الثورة.
وفي أعقاب خلع مبارك مباشرة رسخ الإخوان علاقتهم مع الأجهزة الأمنية، وذلك لفرض خارطة الطريق المفضلة لديهم: الانتخابات أولاً، الدستور، ثم الإصلاح، وكل المطالبات بإصلاح الأجهزة الأمنية قبل الشروع في الانتخابات تم رفضها.
وقام الإخوان بتشجيع القمع طوال الفترة الانتقالية دون أدنى خجل، وألقوا اللوم على الضحايا في كل مناسبة «لأنهم أخذوا القانون بأيديهم»، كما كرروا الاتهامات بنشطاء الثورة بأنهم إما تم توظيفهم أو تعاونوا دون قصد مع المؤامرات الخارجية الملتوية الهادفة لزعزعة استقرار مصر.
وفي البرلمان، لم يتركوا أي فرصة دون الإشادة بالمسئولين عن تنفيذ القانون، وعندما انتخب مرسي رئيسًا للبلاد أعلن أنه تمت إعادة تأهيل وزارة الداخلية، وأنها تؤدي أكثر الواجبات الوطنية.
ولم يتغاضَ فقط مرسي عن تقرير لجنة كشف الحقائق وما تضمنه من انتهاكات بما في ذلك إطلاق النيران على المتظاهرين فحسب، ولكنه أيضًا هنّأ بكل جراءة الشرطة على «مساهمتها القيمة» في ثورة 2011، وغني عن القول أن انتهاكات الأمن ازدادت في فترة حكمه القصيرة، وسرعان ما تم تعزيز الإكراه الرسمي من خلال «مليشيات الإخوان».
ولم يكن بالأمر المفاجئ من منظمة يسيطر عليها فكر «المؤامرات العلمانية»، وفكر مراقبة قوى المجتمع. وكانت للإخوان مبرراتهم الأخلاقية والعملية للتضحية بالثوار.
كان من المتوقع أن ينجح الإخوان في تحقيق الاستقرار السياسي، ولكنهم فشلوا؛ بسبب إخفاقاتهم في المساومة السياسية. كان من الواضح أن القوى الثلاث المتنافسة «الإسلامية، أتباع النظام القديم، ونشطاء المجتمع المدني» لم يكن أي منها قوي بالقدر الذي يسمح له بالحكم منفردًا. كانت التحالفات أمرًا ضروريًا، وبدلاً من الاصطفاف مع النظام القديم أو القوى الثورية، حاول الإخوان أن يضربوا القوتين الواحدة بالأخرى في محاولة لكسب الوقت.
فأتباع النظام القديم كانوا يشكون في نية الإخوان في تقاسم السلطة رغم الوعود المعسولة. ونشطاء المجتمع المدني قاوموا اختطاف الإخوان لثورتهم، والأمر المؤسف أن الإسلاميين أخفقوا في تقدير أن تعنتهم سيقود منافسيهم السياسيين إلى التحالف التكتيكي ضدهم، وأن مثل التحالف كان سيجبر الأجهزة الأمنية على مراجعة موقفهم.
وكان فشل الإخوان الذريع في الحكم سبب خروج الملايين إلى الشارع يوم 30 يونيو، وكان قرار الإخوان بتحويل الصدام السياسي إلى حرب دينية الدافع أمام المجتمع لتأييد الحملة القمعية ضدهم.
إن جماعة الإخوان المسلمين لم تُعزل بسبب مواءمتها السياسية، ولكن لأنها كانت فاشلة للغاية في إيجاد مثل هذه المواءمات، وتعرضوا لاحقًا للملاحقة لأنهم لم يفهموا أبدًا أن المصريين يفضلون المخاطرة بالعودة إلى الوراء، إلى زمن دولة شمولية علمانية لكنها تعمل، من الأمان في ظل دولة فاشية دينية غير كفء.
أنشأ المعهد الملكي للشؤون الدولية عام 1920، وهو من أبرز المعاهد التي تفتح نقاشات بين الباحثين والحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني حول التطورات المهمة في الشؤون الدولية.


