خبر : وكأننا على حافة اتفاق..! ...بقلم : أكرم عطا الله

الأحد 05 يناير 2014 08:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وكأننا على حافة اتفاق..! ...بقلم : أكرم عطا الله



كانون الثاني هو شهر الصقيع في رام الله، لكن على ما يبدو سيكون هذا الشهر هو الأكثر سخونة في تاريخها على الصعيد السياسي، ورام الله تلك المدينة البعيدة عن السياسة ما قبل النكبة، حيث اشتهرت كمصيف بالنسبة للفلسطينيين، وارتبطت بالترفيه، كما وصفت زوارها تلك الأغنية التراثية الفلسطينية "وين ع رام الله.. ما تخاف من الله"، يبدو أن القدر يضع في يديها مصير الفلسطينيين بعد كل هذا الطريق الطويل والشاق من الكفاح من أجل الدولة، وبعد أن حولها ياسر عرفات إلى رمز الصمود الفلسطيني.

المراقب للجهود الأميركية في الأشهر الأخيرة يمكن أن يتوصل إلى استنتاج، أن الإدارة لم تضع هذه المرة احتمالات الفشل في التوصل لاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سواء على مستوى التصاعد الهادئ فيما تتقدم به جولات كيري العشر للمنطقة، منذ أن تركه الرئيس أوباما المرة الأولى أثناء زيارته في آذار الماضي، حتى زيارة الأسبوع الماضي. وخلال الأولى والأخيرة كان كيري يرفع وتيرة عمله مستخدما كل ما يمتلكه من قوة، سواء قوة الإدارة الأميركية، أو القوة الأوروبية، والتي تهدد بين فترة أخرى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لأن كيري على ما يبدو يستخدم أسلوب الجزرة لتقوم أوروبا بدور العصا.
الزيارة الأخيرة مع نهاية الأسبوع الماضي كانت مقدمتها الإعلامية توحي بحسم ما، وتشي ربما بانتهاء الزيارات الاستكشافية وعمليات جس النبض التي كان كيري يتحسسها قبل أن يقرر التقدم بشيء مكتوب، وعلى ما يبدو غادر كيري المنطقة ليضع النقاط الأخيرة على حروف ما كتبه خلال الأشهر الماضية، ليعود بعد أسبوعين في زيارة ستكون تتويجا لمهمة عمل هي الأكثر تعقيدا استمرت عشرة أشهر، ملحنا في زيارته الأخيرة للحسم قائلا "الموعد الذي سيتعين على الزعماء فيه اتخاذ قرارات صعبة أصبح وشيكا".
لقاءات كيري نهاية الأسبوع الماضي كانت مهمة وتمهيدية، وإن لم يعلن الطرف الفلسطيني عن مضمونها، لكن يشتم من التصريحات المتشائمة التي بدرت عن المقربين من الرئيس عباس أن كيري عمل على تخفيض سقف توقعات الفلسطينيين مما سيقدمه مكتوبا قبل أن يطلب التوقيع، أما اللقاءات في إسرائيل فتعكس فعلا اقتراب جدية ما يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام، ومنها التغيير الذي طرأ على اللغة التي يتحدث بها أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي، وهو المعروف بتطرفه اليميني ورفضه للحل مع الفلسطينيين كما قال ذات مرة في الأمم المتحدة، بدأ يشيد بالجهود التي يقوم بها نظيره الأميركي هذا بعد لقاء تم بين الجانبين مطالبا دولته بـ "إعطاء فرصة لإنجاح الجهود الأميركية لتحقيق السلام".
فقد تمكنت الإدارة الأميركية من تخفيف حدة ليبرمان منذ عودته إلى وزارة الخارجية ،وتغيير موقف واشنطن تجاهه بعدما تجاهلت وجوده أثناء حكومة نتنياهو السابقة، وتهربت منه لقائه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ولكن بعد أن تمت تبرئته من تهم الفساد وتسلمه للوزارة؛ سارعت الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاهه بالاحتواء من خلال لقائه السفير الأميركي في إسرائيل، ثم لقاء وزير الخارجية الأميركي، لتثير تصريحاته الأخيرة والتي وصفت بالإيجابية تجاه الجهود الأميركية بالتوصل لاتفاق دهشة العديد من المسؤولين الإسرائيليين.
واللافت أيضا أن اللقاء الثاني الذي عقده كيري أول من أمس، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، والذي استمر أربع ساعات، حضره وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، وهو واحد من أشد المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، والذي تتوقع الإدارة الأميركية إعلانه العصيان على الاتفاق، والقيام بدور تحريضي، فقد قال الأسبوع الماضي ردا على التحذيرات بشأن المقاطعة الأوروبية لإسرائيل في حال فشلت المفاوضات إن "الصواريخ على مطار بن غوريون تقلقه أكثر من تلك المقاطعة"، فهل أراد كيري أن يجند يعلون إلى جانبه، وبهذا يضمن الرجلين الأكثر تطرفا في التحالف الذي يشكل عصب الائتلاف "الليكود بيتنا".
لكن الإدارة الأميركية لم تبذل جهودا كتلك مع نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي، لتسليمها باستحالة بقائه في الائتلاف مع اتفاق يسلم بالاعتراف بدولة فلسطينية على أرض الضفة الغربية، التي يصفها بينيت أراضي شعب إسرائيل، في مقابل ذلك تتواصل الاتصالات الأميركية مع حزب العمل كبديل للبيت اليهودي، وكذلك حزب شاس الذي عاد تحت زعامة الرجل الأكثر براغماتية آرييه درعي، وخصوصا بعد غياب مؤسسه الأيديولوجي عوفاديا يوسف، والذي يعاني الجفاف خارج الحكومة وهو حزب انتهازي بامتياز ولدى الولايات المتحدة ما يمكنها من إقناعه كحزب اعتاد على عقد صفقات سياسية مدفوعة الثمن.
لكن لحظة الحسم التي تقترب، باغتت الفلسطينيين إلى حد ما، ووضعتهم أمام القرار الأصعب ربما منذ النكبة، فماذا لو أتى كيري باتفاق منقوص وقال هذا ما لدينا، فقد قمنا بجر هذه الحكومة الإسرائيلية عنوة للمفاوضات واستمعنا للجانبين، ورأينا أن هذا الاتفاق هو الحل المعقول، وإن لم توقعوا عليه سنترككم لمصيركم مع اليمين المتصاعد في إسرائيل؟ فالتوقيع حينها مشكلة وعدم التجاوب أيضا مشكلة، وهذا السيناريو يبدو أنه الأقرب بالنظر إلى ما هو قائم من دور أميركي، وهو يعقد صفقة بعد صفقة بدءاً بالكيماوي السوري مرورا بالنووي الإيراني وصولا للملف الفلسطيني، والذي استنزف جهد ووقت الإدارة الأبرز بين تلك الملفات.
مصدر كبير في الإدارة الأميركية يقول إن كيري مصمم على التقدم بكل القوة، وسيعرض وثيقة جدية، ولن يتهاون في هذا الشأن، ولا يعتزم السماح لنتنياهو بالخدعة الإسرائيلية في السير بـ "نعم" والشعور بـ "لا"، ولن يسمح للفلسطينيين القيام بمناورات التملص المعروفة من الماضي، ومن الصعب أن نرى الرئيس أوباما الذي سيقر صحيفة الاتفاق قبل عرضها يسمح للطرفين بطرح عشرات التحفظات التي تقاطع الواحدة الأخرى فتجعل الوثيقة الأميركية عديمة المعنى.
كل المؤشرات تقود لإصرار أميركي، وأمام هذا الإصرار تبدو الخيارات الفلسطينية قاسية، والوضع الفلسطيني في أضعف حالاته، وكذلك الوضع العربي ليس محايدا بل تشكل تحولاته الأخيرة عنصر ضغط على الفلسطينيين، فما يحدث في اليرموك مثلا يضغط لإعادتهم ولو للضفة أو غزة، نقترب من الحسم وأي من الخيارات لها تبعاتها، فهل نحن جاهزون لتحمل المسؤولية، أو لدينا برنامج مواجهة تلك الخيارات، الأمر ليس سهلا...!
Atallah.akram@hotmail.com