خبر : مخاتير فلسطين ..رافعة للمصالحة الوطنية..د.جميل جمعة سلامة

السبت 04 يناير 2014 01:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
مخاتير فلسطين ..رافعة للمصالحة الوطنية..د.جميل جمعة سلامة



في اليوم الأخير من العام المنصرم الموافق (31/12/2013م) دعاني الأخ و الصديق سيف الدين أبو رمضان رئيس جمعية مخاتير فلسطين وبعض أعضاء الجمعية لمشاركتهم كضيف شرف اجتماع الجمعية العمومية لجمعيتهم الفتية في احدى القاعات بفندق الخليج على شاطئ بحر غزة بحضورحشدمنالمخاتيروالوجهاء ورجالالاصلاح من شتى المحافظات، كان الهدفمن الاجتماع العادي وفقا لقانون الجمعيات الفلسطيني تلاوة التقريرين الاداري و المالي للجمعية من مجلس الادارة السابق على الاعضاء للمصادقة عليه و كذلك تعيين مدقق حسابات خارجي للجمعية و انتخاب مجلس ادارة جديد بحضور مراقبين من وزارة الداخلية ، و بالفعل فقد سارت الاجراءات على خير ما يرام بحضور حشد من أعضاء الجمعية و تم التوافق على مجلس ادارة جديد مع انتخابات جزئية للمحافظة الوسطى ، و تم تجديد الثقة في الأخ أبي رمضان ليصبح رئيساً للجمعية مع اخوانه في مجلس الادارة الجديد لثلاث سنوات قادمة .

قد يرى البعض ان موضوع المخاتير ملف محلي شائك و لا شأن له بالعمل العام والوطني و صيرورة النظام السياسي و مؤسساته و هو يخص فئة من المجتمع تكرس القبيلة و العائلية و الجهوية و الأعراف و التقاليد،و هي للأسف صورة نمطية غير موضوعية لدى البعض سيما المثقف منهم ، و قدهاتفني أحدهم – و هو مسؤول بالمناسبة – أثناء حضوري الاجتماع، وعندما أبلغته بموضوع مشاركتي فيه استنكر على ذلك و خاطبني أتُجالس أناس " سذج و قبليين " وأضاف " مُتعالمين..." واصفاً اللقاء بمستنقع البداوة وعنوان للتراجع عن التحول الديموقراطي في بلادنا ونمو المجتمع المدنيو مفهوم المواطنة والحكم الرشيد واصفاً الاجتماع بالظاهرة الواجب كنسها،وأعتبر مشاركتي فيه خطوة غير موفقة و في غير محلها و تشجع تراث التخلف على حساب نواميس وقيم الحداثة و التقدم والمدنية .

و بصراحة كان الحدث مشجعاً لي للكتابة فيه بيد أن ردة فعل هذا الأخ المسؤول المتحامل بدون موضوعية والمنفعل بلا روية أو دراسة - وقد ساءنيتوصيفهلسادة أفاضل وشريحة هامة من مجتمعنا و نسيجه الوطني - دفعتني دفعاً لتحرير هذه المقالة و نشرها، والحقيقة أنني لا أرى تعارضا بين المواطنة و الحداثةمن جهة و بين دور المخاتير و رجال الاصلاح من جهة أخرى بل أرىأن العلاقة بينهما تكاملية، و لطالما رفعنا شعار الجمع بين الاصالة و المعاصرة باعتبار التنوع و التعدد سمة من سمات المجتمعات البشرية و خصائصها لدى مختلف القوميات و الشعوب، كما و أن العرف و التقاليد مصدر رئيس للتشريع والقضاء في بلادنا و في أغلب دساتير دول العالم النامية منها و المتقدمة على السواء ، وهو مصدر من مصادر شريعتنا الغراء و فقهنا الاسلامي الذي من قواعده " المعروف عرفا كالمشروط شرطا " ويتلألأ على صفحات قرآننا الكريم بقوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين ".

المخاتير ليسوا ظاهرة عابرة في مجتمعنا أو حالة مستحدثة و مستجدة، فالمخاتير وهم رؤساء العائلات و الأحياء و المناطق من مدن و قرى و مخيمات و رجال اصلاح و اهل عرف وعادة موجودون في مختلف مناحي حياتنا وتاريخنا منذ العهد العثماني و حكمه لبلادنا مروراً بالاحتلال فالانتداب البريطاني فالحكم المصري و الأردني ثم الحكم العسكري الاسرائيلي وصولاً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وان كان دور المختار في السابق كموظف عمومي محلي يتبع الداخلية أو الحكم المحلي و تحت وصايتهما بيد أن هذا الدور اليوم أصبح عموده الصلح الخيري بين الناس و التوفيق ذات البين و التحكيم في منازعات الناس وخصوماتهم، كما أن المخاتير اليوم ليس بجهلاء كما يرى البعض ، فهم اليوم يغزوهم عنصر الشباب الذي شكل جيل المخاتير الشباب المتصاعد والذي يشكل ظاهرة حسب خبراء علم الاجتماع في بلادنا و هم يحملون مؤهلات علمية عالية و يحتلون مواقع وظيفية متقدمة سواء في القطاع العام أو الأهلي أو الخاص و يضطلعون بدور اجتماعي بارز سواء على مستوى عائلاتهم أو مناطقهم .

ولقد تشرفت بتوثيق علاقاتي على المستوى الشخصي و المهني مع جمهور المخاتير ورجال الاصلاح في بلادنا من خلال تدريبهم ضمن مشروع تدريبي وتأهيلي لهم مع المركز الفلسطيني للديموقراطية وحل النزاعات حيث عاشرتهم عن قرب في دورة تدريبية مطولة ضمتالعشرات منهم في شمال القطاع بمقر المركز بمدينة غزة و العشرات مثلهم في جنوب القطاع بمقر المركز الفرعي بمدينة خان يونس حيث دربتهم على النظام السياسي و القانوني و القضائي في بلادنا و هيكلياته و الاجراءات القانونية والادارية أمام المحاكم بأنواعها الجزائية و الحقوقية و الشرعية و العسكرية و علاقاتهم بالنيابة العامة و الشرطة و الأجهزة الأمنية و الضابطة القضائية و التحكيم و تنظيم سندات الصلح و التسوية الودية و تشريعات الأحوال الشخصية و تطبيقاتها من زواج و طلاق و تفريق ووصية و ميراث و النزاعات الأسرية والعائلية بوجه عام ، حيث وجدت لديهم نخوة و اخلاصا و شغفا للتعليم و اكتساب المعرفة و تطوير ذواتهم و المزيد من التأهيل لكفاءاتهم و تجويد خبراتهم وممارساتهم، والحق يقال انها فترة كانت من أجمل و أعذب وأدفء الدورات التدريبية التي قدمتها في حياتي المهنية و العملية، ولا يضاهيها الا تدريسي الجامعي كأستاذ ومحاضر لطلابيسيمافي مرحلة الماجستير. .

ديننا الحنيف حث على الصلح و الاصلاحبين الناس وجعله مقدما على القضاء والتقاضي فقال الله تعالى "وَالصُّلْحُ خَيْر" و يقول أيضا " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ، ويقول رسولنا عليه الصلاة والسلام " الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما " ، فالقضاء يولد البغضاء، والتقاضي يرد الحقوق ولا يرضي النفوس وهو ما يعالجه الصلح الذي أرى فيه شفاء الصدور، ولذلك فالاصلاح بين الناس الذي يضطلع به المخاتير اليوم هو واجب شرعي ووطني واخلاقي ودورهم حاليا رديف للقضاء الرسمي ومساعد له وبالتأكيد ليس بديلا عنه، ولايمكن لنا أن نقبل ان يكون بديلا او منافسا له، فالقضاء الرسمي هو المرجعية الوطنية الدستورية للتقاضي بأنواعه الدستوري والجزائي والحقوقي والشرعي والاداري والعسكري واحكامه هي الواجبة النفاذ بحكم القانون وتنفيذها بالقوة الجبرية من خلال دوائر التنفيذ المختصة، بينما القضاء العرفي يلعب دور الصلح قبل الوصول للقضاء وتسوية المنازعات وديا اثناء عرضها امام المحاكم ايضا باعتباره قضاءً شعبياً يحكمه العرف غير الموحد في بلادنا حسب الخلفيات الاجتماعية والجهوية .

المخاتير في اجتماع جمعيتهم أبدوا استياءهم من الانقسام الفلسطيني واستمراره ، ورفعوا الصوت عاليا لوأده واستعدادهم للمساهمة بقوة في مسيرة المصالحة والوفاق الوطني،وهو استشعار هام لمسؤولياتهم الوطنية،فدورهم المحلي في الصلح الاجتماعي لا يمكن أن يشغلهم بحال من الاحوال عن دورهم الوطني في الصلح السياسي بين فرقاء السياسة من الفصائل الوطنية التي خلفت لهم حكومتين وأشبه ما يكون بنظامين سياسيين في غزة ورام الله مما زاد الجرح الفلسطيني ألما فوق ألمه المستمر لعقود طويلة وألقى بغمامة احباط وقنوط على الشعب المضحي شعب المقاومة والجهاد شعب الشهداء والجرحى والاسرى واللاجئين والمهجرين.

المخاتير اليوم يشكلون رافعة قوية لمسيرة المصالحة الوطنية ويجب أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من مسيرة الوفاق الوطني عموما ومسيرة المصالحة المجتمعية على وجه الخصوص سيما في معالجة ملف أحداث حزيران يونيو من عام 2007م الدامية بين أبناء الوطن والشعب الواحد وذيولهاباعتبارهم جزءا لايتجزأ منالنسيج الاجتماعي والوطني لشعبنا فهم أجدادنا وآباؤنا واخواننا وأبناؤنا.

التهاني الحارة لاخواني المخاتير في اجتماعهم وجمعيتهم تمنياتنا لمجلس الادارة الجديد المنتخب بالتوفيق والانجازات والعمل تلو العمل في الدورة الجديدة وأدعم طموحهم لتحويل جمعيتهم لنقابة وطنية تؤطرهم وتوحد جهودهم وتدافع عن مصالحهم وشؤونهم نقابة تساهم في بناء وطن جريح وتعالج آلام شعب يعاني وتشارك في انجاز مصالحة وطنية شاملة توحد الصفوتحرس الثوابتوتحقق آمال شعبنا المنشودةباذنه تعالى .