تتبارى المؤسسات الصحافية الكبرى على الصعيد العالمي، شأنها شأن المؤسسات الصحافية المحلية مع اقتراب كل عام من نهايته الى وضع قائمة بأسماء المؤثرين على المجتمع الدولي، والمجتمع المحلي، تارة من خلال استفتاء القراء والمتلقين وتارة حسب رؤية هيئة التحرير الصحافية، وغالباً ما تتعرض هذه القوائم الى الانتقاد واتهامها بأن ميولها هي التي أملت تلك القوائم.
بعيداً عن هذه الرؤى، سأحاول من ناحيتي، وبشكل شخصي، التنويه بأسماء بعض الشخصيات التي أثرت على الخريطة السياسية على النطاق العالمي، محاولاً بأكبر قدر من الحيادية أن أتناول هذه الشخصيات المختارة من قبلي معللاً سبب اختياري، ومرة أخرى، أشير الى ان هذه الشخصيات ذات تأثير على المستوى الدولي وسأتجنب تلك الشخصيات ذات الطابع المحلي والإقليمي قدر الإمكان .. مع العلم أن هذا التأثير قد يكون سلبيا أو إيجابيا، لكنه في نهاية الأمر، كان مؤثراً على تشكيل الخارطة السياسية الحالية وربما تؤثر على تلك الخارطة في العام القادم او الأعوام التي تليه.
لعل من أهم تلك الشخصيات المؤثرة، كما أرى، هي شخصية إدوارد جوزيف سنودن، الأميركي المتقاعد التقني والموظف لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية والذي قام بتسريب مواد مصنفة بالسرية العالية الى بعض وسائل الإعلام، خاصة صحيفة الغارديان البريطانية والواشنطن بوست الأميركية، وعندها وجهت له مؤسسة القضاء الأميركية تهمة التجسس وسرقات لممتلكات حكومية ونقل معلومات تتعلق بالأمن القومي الأميركي.
سنودن هرب الى هونغ كونغ ثم الى الاتحاد الروسي الذي منحه بعد تردد حق اللجوء السياسي، وفتح بذلك خارطة جديدة للعلاقات الدولية، فإثر التسريبات المنسقة والمتواصلة، تبين ان الولايات المتحدة لا تتجسس على أعدائها وخصومها فحسب، بل ايضا، على حلفائها وأصدقائها، ابتداء من رؤساء هذه الدول مروراً بأجهزتها الامنية، الامر الذي وتر علاقات واشنطن مع الحلفاء والخصوم على حد سواء.
إلا أن الأهم والأكثر تأثيراً في هذا السياق يتعلق بمسألة "الشرف المهني" فهل يجوز لموظف اقسم على الحفاظ على سرية مهامه، ان يقوم بما قام به سنودن؟! وهل يجوز لدولة استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي للتجسس على الحلفاء والأعداء، والاهم من ذلك، هل أخلاقية ومناقبية الموظف، مبرر "لخيانة الأمانة" كلها أسئلة ما تزال الإجابة عليها قاصرة، لكنها ما تزال مثارة بقوة، وأعادت في الولايات المتحدة الحديث عن حرب فيتنام، وهؤلاء الجنود الذين "هربوا" من الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية وأخلاقية، لعدم المشاركة في حرب غير متكافئة من ناحية ولا مبرر لها من ناحية ثانية، وتقدم الضحايا من الطبقات المتوسطة والضعيفة لصالح فئة محدودة من رجال المال والاقتصاد والنفط والسلاح.
هل سنودن بطل ام خائن؟ من يمتلك الجواب الحاسم على هذا السؤال؟ تلك هي المعادلة التي ما تزال قائمة بدون التوصل الى تعريف دقيق للخيانة او البطولة.
وهل إضعاف وكالة المخابرات المركزية من خلال تسريبات سنودن، هي مصلحة للمجتمع الدولي الذي ما زال يكتوي بذراع هذه المؤسسة الطويلة والتي تمتد عبر الكرة الأرضية، أم أن الأمر لا يعدو كونه أضعافا لإدارة أوباما، التي لم تتمكن من السيطرة على أجهزتها الأمنية.
ويبرز هنا سؤال بالغ الأهمية حول تحكم الدولة - كأميركا - بالوسائط التقنية الحديثة والمتطورة، ونشرها عبر العالم، ليس لرخائه ومزيد من التفاعل الاجتماعي ولكن كأداة للتجسس بالدرجة الأولى، وما هي مسؤولية هذه المؤسسات الدولية الكبرى صاحبة المخترعات التقنية الحديثة وما مدى تورطها مع مؤسسات الدولة في تسهيل العبور واختراق أجهزة الأمن والشخصيات صاحبة القرارات الكبرى على الصعيد الدولي؟!
وربما يتصدر الأمر سؤال هام، ما هو مصير سنودن، أيظل لاجئاً ومطارداً وهل يمكن الوثوق به من أية جهة؟، وما هو تقدير الرأي العام الأميركي لما قام به سنودن.
الفايننشال تايمز، ومع أواخر عام ٢٠١٣ قالت ان سنودن غيّر شكلَ ومضمونَ عام ٢٠١٣، وأنا أشاركها هذا الرأي، فقد تكون ثورته قد تراجعت بعد أن تم بلعها من قبل الدول المتخاصمة نظراً لهذه التسريبات، إلا أنني لا أزال أعتقد، أن هذا "البلع" هو ظاهري، اذ ان عدم الثقة والشكوك ستظل مدفونة ومؤثرة في علاقات كافة الدول بعضها ببعض، وكلها مع الولايات المتحدة.
وأخيراً، كنت أظن قبل بدء كتابة مقالي هذا، أنني بصدد عرض قائمة بأهم الشخصيات للعام الماضي، الا أنني كما ترون، أوقفت مقالتي عن سنودن، نظراً لضيق المساحة ولعدم قدرتي على تغيير ما سأتناوله، ولهذا أعتذر!!
Hanihabib272@hotmail.com


