خبر : "فلسطينيو48..بين مخططات التهجير وآليات الصمود..د.جميل جمعة سلامة

الأحد 29 ديسمبر 2013 11:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"فلسطينيو48..بين مخططات التهجير وآليات الصمود..د.جميل جمعة سلامة



عنوان مقالي هذا كان ذاته عنوان الندوة التي نظمها مركز الدراسات السياسية والتنموية النشط والواعد الخميس الماضي الموافق 26/12/2013م بمقره بمدينة غزة، و الذي شرفني رئيسه د.وليد المدلل أستاذ العلوم السياسية ومديره التنفيذي د.مشير عامر أستاذ اللغة الانجليزية و اللغويات بترؤس الندوة و ادارتها ، بمشاركة نخبة من المختصين ، فمن الأهل داخل الجزء السليب من الوطن داخل الكيان الاسرائيلي شارك كل من الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الاسلامية في الداخل المحتل و التي يترأسها الشيخ رائد صلاح ، والشيخ أسامة العُقبي مسؤول الحركة الاسلامية في النقب ، ومن الخارج شارك البروفيسور ايلان بابيه Ilan Pappe المؤرخ و الأكاديمي اليهودي التقدمي البارز و المحاضر في جامعة اكسيتر البريطانية (Exeter University of) ومن غزة المحلل السياسي و الخبير في الشئون الاسرائيلية أ.ناجي البطة ، و انصب موضوع الندوة و أوراق العمل فيها حول مخططات اسرائيل المحمومة لتغيير البنية الديمغرافية و الجغرافية لفلسطين التاريخية المحتلة تحت مبررات و مزاعم تنظيمية و تخطيطية و قانونية واهية تحمل في باطنها مشروعا احتلاليا استعماريا احلاليا جهنميا للسيطرة على الأرض و تغيير هويتها و اقتلاع السكان الفلسطينيين الأصليين منها لينضموا لطوابير اخوانهم اللاجئين و تجمعاتهم داخل الوطن وخارجه ليحل محلهم الغزاة القادمون من شتى اصقاع الدنيا لأرض الميعاد المزعومة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يقف موقف المتفرج على اخر احتلال عنصري في تاريخ البشرية .

عندما نتحدث عن فلسطينيي 48 فلا يمكن الحديث عنهم بمعزل عن الخريطة الديموغرافية والجغرافية لشعبنا الأم داخل الوطن وخارجه , فداخل الوطن نصف شعبنا أو أقل بقليل يعيش داخل الوطن التاريخي , منقسم الى ثلاثة تجمعات منفصلة جغرافيا وهي قطاع غزة الذي يقطنه نحو مليوني نسمة والضفة الغربية والتي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة والداخل الفلسطيني (أراضي ال48) والتي يقطنها نحو المليوني نسمة أيضا، والنصف الثاني موزع على أماكن اللجوء والشتات حيث أكثر من ثلاثة ملايين ونصف في الاردن ونحو المليون في سوريا ولبنان والباقي موزع في السعودية ودول الخليج وغيرها... الدول العربية والاجنبية ، ولذلك فعندما نتحدث عن أرض ال48 نتحدث عن جزء عزيز من وطننا التاريخي وحدودنا ، و نتناول جزء من أهلنا وشعبنا الصامد في أرضه أرض الآباء والأجداد، هؤلاء الأهل هم منا ونحن منهم كفلسطينيين وكعرب، نالهم ما نالنا من رحلة التشريد والاحتلال الاحلالي الصهيوني .

هذا الجزء من الوطن والشعب تعرض للعديد - كما هو حال ابناء شعبنا جميعهم - من محطات العذاب والآلام بدءاً من النكبة عام 1948 وحتى ما قبلها مرورا بالتهجير داخل الوطن حيث منهم عدد كبير من اللاجئين داخل وطنهم كما هو حال ملايين اللاجئين في مخيماتهم في الضفة الغربية وغزة ومحاولات الاحتلال الاسرائيلي أسرلتهم وفرض الجنسية الاسرائيلية عليهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية وصولا الى قطار أوسلو الذي فصلهم عن شعبهم الأم وأخرج قضيتهم من مشروع التسوية كجزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية الواحدة وانتهاءً بمخطط ثم قانون برافر الآثم موضوع الندوة .

فقانون برافر هذا الذي شرع الأحتلال في تنفيذه الشهر الماضي ، وملأت ردود الفعل عليه وسائل الاعلام المختلفة في الأسابيع الماضية قبل تجميده قبل أيام معدودات من قبل حكومة الاحتلال بعد النضال العنيد والمستميت لاهلنا في الداخل ضده والتصدي له، يقوم على التطهير العرقي للنقب جنوب فلسطين الذي يشكل الى جانب الجليل والمثلث مراكز تجمعات أهلنا داخل اراضي ال48، وينسب في اسمه الى نائب رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق ايهود برافر الذي ترأس لجنة حكومية اسرائيلية بهدف وضع مخطط لتنظيم اسكان البدو في النقب ، وفي حزيران الماضي من العام الحالي صادقت الكنسيت ( البرلمان الاسرائيلي) على هذا المخطط الذي عرف باسم قانون برافر ويقضى هذا المخطط والقانون الى تدمير عشرات القرى العربية غير المعترف بها في اقليم النقب وايضا تهجير نحو سبعين ألفاً (70,000) من اهلنا العرب البدو ومصادرة نحو ثمانمئة ألف (800,000) دونم من أراضيهم التي يقيمون عليها منذ عقود طويلة من اجمالي ( 12) مليون دونم تشكل المساحة الاجمالية للنقب .

الندوة بحق كانت عنوان تضامن لنا في قطاع غزة مع اخواننا واهلنا في النقب والداخل الفلسطيني بوجه عام، وفي نفس الوقت حلقة علمية سياسية لتدارس وضع هؤلاء الاشقاء السياسي والقانوني والدولي وما يُكاد لهم من المحتل من مخططات جهنمية للتضييق عليهم ودفعهم لمغادة البلاد وتركها للغزاة المستوطنين القادمين من شتات الكون لارض الميعاد المزعومة على حساب شعب اخر مجبولة أصالته فيها مع كل حبة رمل من ترابها.

كلمتا الشيخين كمال الخطيب واسامة العقبي كانت مؤثرة وجياشة تفيض بمشاعر وطنية صادقة أكدا فيها انغراسهم في ارضهم ومسقط رأسهم رغم انف الاحتلال وعلى هويتهم الفلسطينية وعلى انتمائهم لشعبهم الأم الذي فصلهم عنه الاحتلال الغاشم، وكانت التكنولوجيا وتقنية برنامج السكايب (Skype) حلا رائعاً للجغرافيا الاحتلالية النكدة ، وشددا على أن القضية الوطنية واحدة وان الاحتلال يضربهم ويحاربهم في الداخل تماما كما يفعل باخوانهم في الضفة وغزة بيد أن مخططات الاحتلال مصيرها الفشل المحتوم، فقد ينجحوا هنا وهناك ولكن اقتلاع شعب حيوي وديناميكي يمتار بالصبر والجلد كشعبنا أضعاث من الاحلام والاوهام، بيد أن الشيخ كمال اعجبني في كلمته تشديده على وحدة الموقف الوطني بقوله ( قوتنا جميعاً في وحدتنا)، وان من أهم عوامل اسقاط مخطط برافر الاجرامي وحدة اهلنا في الداخل وقواهم السياسية والتمثيلية.

نعم فلن يكتب لشعبنا النصر وهو منقسم على ذاته متعدد البرامج والولاءات كما هو حاله المؤلم اليوم ، وهو ما ذهب اليه نجم اللقاء البروفيسور ايلان بابيه والذي أكد على أهمية الموقف الدولي بالنسبة للفلسطينيين وايصال رواية المظلومية الفلسطينية للعالم وطرق ضمائر وعقول الغربيين ووضعهم أمام مسؤولياتهم الاخلاقية وان ذلك لن يتأتى والفلسطينيون منقسمون على أنفسهم كما هو المشهد الحالي، ايلان الخبير في الشؤون الاسرائيلية والفلسطينية على السواء ومدير المركز الاوروبي لدراسات فلسطين في جامعة Exeter أيضا وصاحب كتاب The ethnic cleansing of Palestine (التطهير العرقي في فلسطين) أكد ان اتفاق اوسلو استثنى فلسطيني ال48 من حل القضية الفلسطينية وان هذا الاتفاق ساعد اسرائيل في التطهير العرقي للفلسطينيين تحت غطاء مسيرة السلام أمام نظر المجتمع الدولي وسمعه، وهو رأي يعززه الاستيطان المحموم ومناقصات الاستيطان المستمرة حتى تاريخه في مناطق السلطة الفلسطينية فما بالك في الداخل الفلسطيني؟! حيث لا يجوز للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير تمثيلهم او الدفاع عنهم وفقا لاتفاق أوسلو ونصوصه ، بابيه يرى ان حل الدولتين فاشل وان اسرائيل غير معنيه به وتحاربه وتريد حكما ذاتيا دائماً بمسمى دولة وان حل الدولة الواحدة (One state) هو الحل واصفا الاحتلال بالابارتهايد مقارنا اليهود الصهاينة بالبيض في جنوب افريقيا والفلسطينيين بالسود مؤكدا على أهمية موقف المجتمع الدولي والعمل الفلسطيني داخله على المستوى الشعبي اكثر منه الرسمي باعتبار قضيتنا قضية عدالة انسانية وظلم تاريخي لحق بشعبنا يتحمل الغرب مسؤولية سياسية وأخلاقية كبرى فيما وصل اليه محيياً صمود فلسطيني 48 في وجه مخطط برافر ودفاعهم عن ارض ابائهم واجدادهم، الاستاذ ناجي البطة المختص في الشأن الاسرائيلي أكد بدوره على ما جاء في حديث بابيه بأهمية صقل رواية فلسطينية للغرب وتعميمها في جميع انحاء العالم واصفاً الرواية الاسرائيلية بالمزيفة والمضللة والناجحة في آن واحد مستعرضا العقلية والتخطيط المحكم للوكالة اليهودية وقادتها الذين نجحوا بالعمل الجاد والماكر من تشييد دولة لهم في قلب العالم العربي يطلقون عليها واحة الديموقراطية في المنطقة وهي في جوهرها بلد الكانتونات والابارتهايد والتطهير العرقي .

وهذه الرواية أدعو الكل الفلسطيني سيما خريجي الجامعات الغربية والعاملين مع الاعلام الاجنبي والمتحدثين باللغات الأجنبية وجالياتنا في الخارج لوضع استراتيجية شاملة لها لسرد المظلومية الفلسطينية باعتبارها قضية حق وعدالة وظلم تاريخي من أجل محاصرة هذا الاحتلال العنصري ونبذه في أرجاء المعمورة على غرار نضال المؤتمر الوطني الأفريقي ANC في جنوب افريقيا الذي نجح في استقطاب العالم بأسره نحو محاصرة حكم نظام التمييز العنصري البائد .

اللقاء سرد حقائق تاريخية وسياسية هامة ينبغي تعميمها على الكل الفلسطيني وقواه السياسية في النقب، المقاومة الشعبية التي أسقطت مخطط برافر ينبغى اعتمادها في الضفة والقطاع كاحد اشكال النضال الفلسطيني دون اسقاط الخيارات الاخرى طبعاً ومنها المقاومة المسلحة التي هي حق مكفول في جميع الشرائع والمواثيق الدولية ، المطلوب منا في الضفة والقطاع خلق المزيد من جسور التواصل مع أهلنا في الداخل من خلال آليات دائمة ومستمرة كشعب واحد وان يكون لهم تمثيلاً واضحاً و حقيقياً في منظمة التحرير ممثلة شعبنا في كافة أماكن تواجده ضمن مشروع اصلاحها واعادة بنائها وان يكونوا جزءاً من مطبخ القرار الوطني سيما وهم يعجون بالكفاءات الرفيعة في جميع المجالات والتخصصات وبالتجارب العلمية و المهنية المخضرمة .

خرجت من اللقاء بقناعة أن فلسطينيي ال48 هم خط الدفاع الاول عن الوطن والقضية وان مخططات التهجير السابقة واللاحقة عجزت عن اقتلاعهم ونفيهم من أرض الآباء والاجداد وهي ارادة صلبة ستنتقل حتما للاحفاد والحفيدات وهم يدركون تمام الادراك وفي تمام الوعي أن قانون برافر ليس أول هذه المخططات الجهنمية و بالتأكيد لن يكون أخرها في سياق معركة الوجود المحتدمة مع هذا العدو المحتل الغاصب.

وحدة اهلنا في الداخل درس لنا في الضفة والقطاع وفي كل مكان لنتعلم منهم كيف ان وحدتهم كانت صخرة الصمود التي تحطمت عليها مخططات المحتل، وهي رسالة ينبغي اعمالها في وضعنا السياسي وتمزيق صفحة الانقسام الاسود العبثي المستمر الذي ستلعن الأجيال رموزه وعناوينه وكل من يطيله بقول او موقف او عمل، صمود أهلنا في الداخل يعكس بجلاء عدم ثقتهم في المحتل وهم خير من يفهم العقلية الاسرائيلية المراوغة باعتبارهم من اهلها واهل مكة ادرى بشعابها هذه العقلية التي تسير مفاوضات المماطلة و التسويف و التي مضى عليها اكثر من عقدين ولم تنتج لنا الا الانقسام والتيه نحو المجهول ومنحت المحتل غطاء سياسيا لارهابه واستمرار استيطانه .

يا أهلنا في الداخل الحبيب والسليب نستمد من صمودكم ارادة البقاء ومواجهة هذا المحتل الغاصب، فكما انتصر مانديلا وشعبه على عنصرية اللون سننتصر معاً على عنصرين العرق والدين الصهيونية، يا اهلنا في الداخل نذكركم ونذكر انفسنا بمقولة شاعرنا الكبير محمود درويش ابن الجليل " كل الغزاة مروا من هنا ومضوا ... وسيمر هؤلاء كغيرهم ويمضون ".. حتماً سيمضون وأنتم ونحن الباقون ما بقي الزعتر و الزيتون .