خبر : الورقة الاقتصادية في المناورة مع غزة وفي المفاوضات مع الضفة ..بقلم: حسين حجازي

السبت 28 ديسمبر 2013 09:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الورقة الاقتصادية في المناورة مع غزة وفي المفاوضات مع الضفة ..بقلم: حسين حجازي



ليسوا في مزاج حربي

لا تضع الحرب هنا أوزارها حتى يستعدون لإيقاد نارها، ومؤخراً دخلت السماء على الخط فلم يعودوا إلى بيوتهم التي أغرقتها المياه، حتى يعود منخفض آخر عميق وعاصف. وبينما يلوّح الرجل الذي حصل على نوبل مع عرفات في زمن ماض بالحصار الاقتصادي المحكم، لأنكم يا أهل غزة لا تستطيعون العيش يوما واحدا دون مساعدات من الخارج، ويحذرنا موشي يعلون من انه ما عادت لكم مصر سفينة نجاة، فإن مصر التي تتدحرج رويداً رويداً نحو غرقها في الاحتراب الداخلي تواصل لعبة لا تنتهي بين الإغلاق والفتح، وحيث لكل معبره، كرم أبو سالم ومعبر رفح مثل كماشة "كاناي"، فيما الزجاجة تكاد تختنق، لكن الزجاجة، طنجرة الضغط محكمة الانسداد، لا يوجد لها فتحة أُخرى، معبر ثالث لتنفيس انفجارها، فهل هي الحرب على طريقة الانتحار الجماعي إذن؟ علينا وعلى أعدائنا باعتبار ان هذا هو المخرج الوحيد من عنق الزجاجة الذي يؤدي إليه منطق الضغط المزدوج؟ وحيث لا يتركون للمحاصرين في قلعة "المساداة" الجديدة سوى هذا الحل الوحيد الذي يقلب الطاولة.


لا، ليس الأمر كذلك، فالمزاج الشعبي الغزي وكذا حتى المزاج الفصائلي في مدينة إسبرطة المحاربة، والتي اعتادت الحروب، من حسن الحظ انه ليس مزاجاً حربياً في هذه الأيام، فالناس أنهكتهم الحربان الماضيتان وجاء عدوان الطبيعة الأخير كما اشتداد الحصار ليفاقم من شعورهم بالتعب، ولا يريدون حربا أُخرى ولسان حالهم الجماعي يدعو الله ان يجنبهم شر هذه الحروب من جديد، وان يطفئ نارها وهم يقولون انهم يستطيعون الصبر على أحوالهم والتكيف مع معاناتهم في ظل الحصار، اما الحرب فإنه من الحكمة العمل على تجنبها الآن، عملا بالحكمة القائلة ان ثمة وقتا للحرب والقتال وإن هناك وقتاً للسلم واستراحة المحارب، ولقد نضجوا سياسياً بحيث يعلمون انفسهم بأنفسهم، كيف لا يخدعون، ولم تردّ الفصائل هنا على التصعيد الإسرائيلي، وفهموا مغزى الرسالة وردوا بكلام سياسي عاقل : "نفهم رسالتكم" ولكننا غير معنيين كما انتم بالذهاب الى الحرب، في ممارسة ذكية لضبط النفس مع اقتران هذا الموقف برسائل واضحة بين السطور إن عدتم عدنا.


هيا إذن الى لعب الورقة الاقتصادية، إلى الحصار، إذا كان على كل قائد حصيف وجنرال ان يحذر في هذا الوضع حشر عدوه في وضع يائس تماما دونما مخرج لتحاشي القتال، خصوصا إذا كنت انت سيد موشي يعلون لست في وضع افضل طالما انهم يستطيعون تهديد حتى تل أبيب بالصواريخ، وهنا هذا الإدراك الأخير بضبط المواجهة او الاستعراض بالنار في حدود محسوبة كتعبير عن تحاشي المبارزة، بحيث يطوى العام 2013 صفحته دونما حرب أُخرى كبيرة على جبهة غزة.


فهل كان ذلك لأن الحرب الأخيرة كانت بالفعل خطاً على الرمال؟ وسجلت منعطفا كبيرا قوامه أن الرصاص المصبوب إن عاد في الحروب القادمة لن يصب فوق غزة وحدها؟ أم أن الأمر يتعلق بما يقوم به كيري وحيث مرجل النار يغلي في الضفة، ويبدو واضحاً أن المزاج الثوري القتالي هناك بعد عشر سنوات من عملية السور الواقي يسابق صراع أبو مازن وأوباما للتوصل الى السلام الحقيقي. خيار السلام للضفة وغزة معاً، حيث قال أبو مازن إن الضفة وغزة أي نحن شعب واحد، في الوقت الذي كان فيه الرصاص يترجم هذه الوحدة، الرصاص الضفاوي ربما الذي هدأ اللعبة في غزة، اذا كان الإسرائيلي أدرك عندئذ ان القنينة غير مغلقة الانسداد في غزة طالما ان السلام في الضفة يتلكأ.

                                                      الدوافع الخفية وراء طرح المبادرة الأميركية


يقدم لنا الأخ ياسر عبد ربه تحليلاً صريحاً وواقعيا لفحوى المبادرة التي عرضها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على القيادة الفلسطينية في النسخة الأولى. ويتضح من تحليل عبد ربه أن القيادة الفلسطينية مدركة للعيوب والألغام الخطيرة التي كانت تنطوي عليها هذه المبادرة، في المحتوى والتوقيت وحتى التوظيف السياسي كما الاستغلال الماكر غير النزيه للظروف في المنطقة، والتي يبدو في ظاهرها انها غير مواتية لمصلحة الفلسطينيين، ما يطرح علامات استفهام وترقب لكيفية تعامل الفلسطينيين مع هذا العرض، وتاليا هذا المأزق السياسي الكبير.


وإذا أوافق الأخ ياسر عبد ربه على تقييمه الإجمالي لهذا العرض، الا أنني هنا وعملا بالقاعدة الأثيرة في لعبة اختلاف الأدوار، بين لعبة الصحافة والسياسة، أجدني راغباً في تعميق المسألة الجانبية من القصة، البعد غير المرئي في خلفية العمل أو المسرح، وقد كان لافتاً هنا ان عبد ربه أشار في معرض تقييمه الى احتجاج صريح بأن يكون الهدف من جانب الأميركيين هو إرضاء نتنياهو بهذه الرشوة، بعد اتفاقهم مع إيران، الاتفاق الذي اغضب نتنياهو، وأظهر الأميركيين، كما لو انهم "يحلقون" لإسرائيل.


والواقع ان في هذا جزءا من الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة، فالجزء الآخر من المسألة وهذا برأيي هو العنصر الأهم، ان الأميركيين الساعين لكسب ود إيران، إنما يهدفون في الوقت نفسه، وتمهيدا لاستبدال التحالفات في المنطقة، الى سحب ونزع الورقة الفلسطينية، رمزية القضية الفلسطينية من يد إيران، وذلك تسهيلا للأمور، أمام حسن روحاني والجناح المعتدل في إيران في مواجهة الحرس القديم والمتشدد الذي يمثله الإمام علي الخامنئي، وكذا استباقاً لمؤتمر جنيف الثاني لحل الأزمة السورية، لفك الاشتباك بين المسألة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وفي القلب منه فلسطين، والترتيبات الإقليمية الجديدة، التي تنبثق او تنشأ عن مؤتمر جنيف وهي الترتيبات التي يمكن ان نتوقع هنا ان تكون الممهد للتسوية مع سورية ولبنان، بالاتفاق مع روسيا هذه المرة سواء بوجود بشار الأسد او في غيابه. وبالتالي تفكيك واختراق محور المقاومة الممانعة في المنطقة.
هيا بنا ننظر إلى العامل الرئيسي أو المتغير الذي دفع بالتحرك الأميركي، الإقدام على طرح هذه المبادرة الآن، وهنا أعتقد شخصياً أن هذا المتغير، هو التراجع السريع والمفاجئ لقوة التيار الإسلامي السياسي في أوج صعوده، ولا سيما في مصر بعد انقلاب ٣ تموز الذي قاده الجيش.
هنا بالضبط كان علينا ان ندقق بأن الهدف لا يقتصر على حماس في غزة، وإنما الحالة الفلسطينية ككل والرئيس ابو مازن بما يمثله على وجه التحديد، يعاود إذن باراك أوباما تكرار محاولة جسورة في اللحظة الأخيرة ولكن يائسة ومجهضة قام بها بيل كلينتون، مع اختلاف هذه المرة في الشكل والأسلوب بعدم عزل المتفاوضين في كامب ديفيد، الزيارات المكوكية لجون كيري على طريقة هنري كيسنجر وذلك فيما يبدو كما لو ان أوباما يخرج من الدرج ولكن على استعجال الخطة "ب" بعد انهيار خطته الأولى " أ" التي كانت تعتمد الرهان على صعود وغلبة المحور الإقليمي الإخواني الممثل بقطر وتركيا أردوغان ومصر محمد مرسي، وهو المحور الذي عمل معه أوباما بنجاح في إيقاف الحرب على غزة، وإبرام أول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.


ولكن بخلاف كلينتون وربما تهوره يسعى أوباما الحذر لجر الطرفين، الى الشرب من البئر بصورة متدرجة وعلى مراحل، وهذا هو جوهر المقاربة التي يقدمها فيما يمكن تسميته اتفاقية الإطار، وهو الإطار الذي يعني توسطا لإقامة جسر بين الحل الانتقالي والحل الدائم او النهائي. وهذه المرة يقوم أوباما بدفع الطرفين للكشف عن أوراقهما الحقيقية ولا سيما موقف نتنياهو الحقيقي من خيار حل الدولتين.


وقد كشف موشي يعلون قبيل أيام من عودة كيري المتوقعة أوائل الشهر القادم عن خفايا الموقف الإسرائيلي الحقيقي، اذ كان لافتا ان رجل الأمن الأول والجنرال حذر من الاتفاق القادم الذي أعاد على ما يبدو كيري بلورة خطوطه من ان ذلك سيكون كارثة اقتصادية تنزل بإسرائيل، وليس كارثة أمنية، وقال الرجل بوضوح "لا تتوهموا" فلن يكون هناك اتفاق لأنه لا يوجد رؤيا ولا يوجد شريك، والمسألة واضحة، إن ما يتمسكون به في غور الأردن إنما هو الاقتصاد وليس الأمن وهذه هي الحقيقة اليوم، وقد نجح كيري بأكثر مما نجح كلينتون.