خبر : رئيس وحكومتان: مقاربة جديدة للمصالحة الوطنية ...بقلم: محمد ياغي

الجمعة 27 ديسمبر 2013 01:44 م / بتوقيت القدس +2GMT



شاءت "حماس" أم أبت، فإن قرار الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين حركة "إرهابية" سينعكس سلباً عليها وعلى أهل غزة عموماً. وليس من المستبعد أيضا، أن تصدر السلطات المصرية قراراً باعتبار "حماس" تنظيما إرهابيا بسبب جذورها وعلاقتها بالإخوان المسلمين ("المصري اليوم" - الإثنين المنصرم).

لن نتوقف هنا عند صحة القرار المصري من عدمه، ويكفي القول إن هذا القرار يستدعي صراعا أهليا لا تحتاجه دولة تثقلها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وتحتاج إلى تكاتف وتماسك وطني لحلها. ما يهمنا هو أن تدرك "حماس" ومعها السلطة في الضفة أن البيئة الإقليمية لم تعد قادرة على خدمة المشروع الوطني الفلسطيني ببعدية "المقاوم" و"المفاوض"، وأن هذه البيئة عاجزة أكثر من أي وقت مضى عن المساهمة في إنهاء الاحتلال أو حتى في رفع الحصار المضروب على غزة منذ سنوات سبع.
في السابق كان هنالك محور للمقاومة وآخر للاعتدال. المقاوم كان قادراً على إسناد "حماس" مالياً وعسكرياً.. والمعتدل كان ملاذ السلطة لتجنيد موقف دولي داعم لها في المفاوضات مع إسرائيل. كلا المعسكرين سقطا!
تركيا فتحت على نفسها باباً كان يمكنها الاستغناء عنه، ورمت بثقلها خلف معارضة مسلحة للنظام السوري أصبحت تخشاها. اليوم همها الوحيد تأمين حدودها مع سورية. وتركيا، كما قطر، كانت قادرة على مساعدة "حماس" سياسياً عندما كانت مصر تحت حكم الإخوان.. اليوم لا حلفاء لحركة "حماس".
السلطة ليست بحال أفضل. الحكومة المصرية منكفئة على نفسها.. كانت حربها على الإرهاب في سيناء فقط، واليوم حربها تشمل مصر كلها بعد تفجير الدقهلية - المنصورة. السعودية أولوياتها معروفة.. تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، ولهذا بالذات هي تعمل على إسقاط النظام السوري وإضعاف حزب الله. ما تبقى من دول عربية كان وزنها أصلاً قبل الربيع العربي خفيفاً، وأصبح منعدماً بعده. بشكل مختصر، البيئة الإقليمية معادية لحركة "حماس" ومجافية للسلطة في الضفة على حد سواء.
هذا المعطى الجديد يفرض على الطرفين "فتح" و"حماس" استعادة الوحدة الوطنية للحفاظ على القضية الفلسطينية من "الضياع".. ونقول "الضياع" لأن فرص استعادة الشعب الفلسطيني لأرضه سواء بالمفاوضات أو بالمقاومة أصبحت أكثر بعداً من أي وقت كان منذ ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
مشاريع الوحدة منذ اتفاق مكة إلى القاهرة لم تنجح، والسبب يعود في الأساس إلى أن طرفي الخلاف أرادا وحدة وطنية تتيح لكل منها الاحتفاظ بمواقفه السياسية ومكاسبه على الأرض. "فتح" أرادت العودة لغزة وإخضاع أجهزة "حماس" الأمنية لها، وأرادت قبول "حماس" ببرنامجها السياسي. "حماس" من جانبها أرادت وحدة تتيح لها اقتسام المنظمة، والحفاظ على سيطرتها الأمنية على غزة، وعدم الالتزام بالمسار السياسي أو بنتائج المفاوضات. هذا النوع من الخلافات لا يمكن التغلب عليه، وبالتالي كان الفشل ملازماً لكل الاتفاقات.
المقاربة الجديدة تنطلق من واقع أن غزة والضفة في ظل الاحتلال ليست وحدة جغرافية واحدة؛ إسرائيل تفصلهما عن بعض، وهي ستتدخل في أية مقاربات للحل بحكم سيطرتها على معابر غزة، وعلى الضفة عموما. بمعنى لو وافقت "حماس" على تسليم غزة للسلطة، فإنها ستبقى في وضع أمني أفضل من أجهزة أمن السلطة، لأن إسرائيل لن تسمح للأخيرة بأن يكون لها سلاح فعال خوفاً من وقوعه في أيدي "حماس"، أو لعدم ثقتها بأمن السلطة. ضمن وضع كهذا حتى لو عادت أجهزة السلطة الأمنية لغزة فهي لن تكون قادرة على بسط سيطرتها عليها.
المسألة الأخرى أن غزة محررة فعلياً ولا تستطيع دبابة أو جندي إسرائيلي دخولها دون مقاومة مكلفه للجانب الإسرائيلي.. بينما الضفة ما زالت خاضعة لسيطرة إسرائيل الأمنية المطلقة. بقاء غزة محررة هو مصلحة فلسطينية لا يجب التفريط بها.
الاعتراف بهذا الواقع هو مقدمة للإقرار بضرورة البحث عن مقاربة فلسطينية جديدة للوحدة هدفها في الأساس الحفاظ على القضية الفلسطينية من الضياع ورفع الحصار عن غزة.
ما الذي يمنع ضمن هذا الواقع أن تكون لمنظمة التحرير حكومتان واحدة في الضفة والثانية في غزة، وكلاهما خاضعتان لسلطة رئيس منظمة التحرير وهو في هذه الحالة الرئيس عباس.
"حماس" تقر خلال ذلك بأن المسار السياسي هو من اختصاص منظمة التحرير، ويتم تمثيلها في مؤسساتها وليس مهماً هنا حجم التمثيل، لأن الأسس التي يمكن البناء عليها لقياس نسبة التمثيل وهي الانتخابات لجموع الشعب الفلسطيني غير ممكنة. التمثيل هنا رمزي هدفه تجاوز مسألة الصراع والخلاف.. وتنحصر مهام الحكومتين في إدارة القضايا اليومية الخاصة بحياة الناس.
حكومة "حماس" يمكنها الاحتفاظ بسيطرتها الأمنية على غزة وهي في النهاية في موقف دفاع عن غزة وليست في موقع الهجوم منه، لكنها في المقابل تتعهد بعدم تنفيذ عمليات من الضفة (هي لم تقم بذلك منذ سنوات)، وتلتزم أيضاً بالسماح بحرية العمل السياسي والإعلامي في غزة. في المقابل تتعهد السلطة في الضفة بالسماح بحرية العمل السياسي لـ "حماس" وبحقها في تشكيل منظمات أهلية خيرية ودعوية.
سياسياً وجود "حماس" داخل المنظمة لا يعني أن المنظمة ستغير من سياساتها (أصلاً لا توجد لحركة حماس خيارات عملية).. وهي لا تعني أيضاً أن "حماس" ستكون شاهد زور على مفاوضات لا تريدها (لا توجد فرصة لاتفاق سياسي مع إسرائيل).. وفي جميع الأحوال يجب الاتفاق بين الطرفين بأن أي اتفاق سياسي محتمل سيكون خاضعاً للتصويت عليه من قبل فلسطينيي الضفة وغزة، وسيلتزم الجميع بنتائج التصويت قبولاً أو رفضاً، وهو ما يعني بأن "حماس" ستحتفظ بحقها في الدعوة لرفض الاتفاق لكنها لن تعترض على تنفيذه إن تم التصويت عليه بنعم.
مقاربة كهذه بشأن الوحدة تساعد أولاً أهل غزة على تجاوز الحصار، وتساعد السلطة في مشروعها التفاوضي، وتخلق مناخاً من الثقة بين الفلسطينيين يمكن البناء عليه لوحدة أعمق وأشمل.
هذه مقاربة تستدعي التفكير - حتى اليوم، "حماس" و"فتح" أرادتا كل شيء ولم تحصلا على شيء. يمكنهما على الأقل في بيئة إقليمية سيئة التوافق على القليل المهم: رفع الحصار عن غزة، وإعطاء حرية التفاوض للرئيس عباس بإجماع فلسطيني.