خبر : المجتمع المدني والمصالحة..الدور الغائب..د.جميل جمعة سلامة

الإثنين 23 ديسمبر 2013 06:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
المجتمع المدني والمصالحة..الدور الغائب..د.جميل جمعة سلامة



الخميس الماضي وبتاريخ 19/12/2013م شاركت في مؤتمر" حالة المجتمع المدني الفلسطيني عام 2013م" الذي نظمته مشكورة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية ( PNGO) وحمل شعار" الشراكة من أجل التنمية والتمكين " و ذلك في قاعة الروتس ( Roots) بغزة بمشاركة متحدثين من المؤسسات الأهلية الفلسطينية وممثلين من المنظمات الدولية العاملة في فلسطين و من الحكومة و من القطاع الخاص الفلسطيني و الجامعات و المؤسسات الأكاديمية و حضور حشد من الجمهور ضم أعضاء جمعيات اهلية و صحفيين و كتاب ومن مكونات المجتمع المدني الفلسطيني بوجه عام .

قُسم المؤتمر إلى جلسات تناولت رؤى الشراكة في التنمية لدى القطاع الحكومي الذي مثله كنموذج وزارة الزراعة وعن المنظمات الدولية بشقيها الحكومي ومثله برنامج الامم المتحدة الانمائي ( UNDP ) و غير الحكومي الذي مثلته منظمة اوكسفام (Oxfam) البريطانية ، والجمعيات الاهلية الفلسطينية و التي مثلتها شبكة المنظمات الأهلية (الجهة المنظمة ) بالتعاون مع جمعية المساعدات الشعبية النرويجية Norwegian people aid ومركز العمل التنموي " معا " و جمعية الثقافة و الفكر الحر ، و المؤسسات الاكاديمية التي مثلتها الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية ، والقطاع الخاص الذي مثله اتحاد المقاولين الفلسطينيين .

المؤتمر رغم نتائجه المتواضعة و توصياته الغائبة التي بترتها وجبة الغداء و عدم تمثيله المجتمع المدني الفلسطيني بكامله و بتلاوينه المختلفة علاوة على تنظيمه في سياق مشروع ممول من الجمعية النرويجية " مشروع تعزيزالديموقراطية و بناء قدرات المنظمات الأهلية " و ليس في سياق حركة استنهاض وطني و خطة استراتيجية لقطاع المجتمع المدني في بلادنا ، الا أنه مؤتمر وطني هام و واعد قُدمت فيه أوراق عمل دسمة و نوعية و تعكس تجربة ثرية، و يشكل حراكا محمودا و مؤشراً ايجابيا لحالة الاستنهاض المرجوة وطنيا لتفعيل دور المجتمع المدني الذي يعتبر سلطة رابعة في المجتمعات المتقدمة و الحضارية و يساهم في القرار الوطني و صياغة برامج المجتمع و سياساته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ..و غيرها ، وباختصار أن يصبح مكونا رئيسا من مكونات مطبخ القيادة الفلسطينية و صناعة القرار المركزي و السياسات في بلادنا.

كان الانقسام الوطني القائم في بلادنا و غياب المصالحة يخيم بظلاله على كلمات و عروض المتحدثين و المتدخلين على حد سواء ، كان يتغلغل في ثنايا كل جملة و كلمة و حرف تماما كالطاعون و أقتبست ذلك في مداخلتي في المؤتمر من مقولة شاعرنا الراحل محمود درويش " أمريكا هي الطاعون و الطاعون أمريكا " لأحورها الى " أن الانقسام هو الطاعون و الطاعون هو الانقسام " .

المؤسسات الأهلية الحاضرة شكت و تبرمت من الانقسام و تباين مرجعياتها الادارية بين غزة و رام الله و اختلاف البرامج و السياسات و كذلك الحال بالنسبة للمنظمات الدولية التي أصبحت تتعامل مع غزة كاقليم مستقل عن باقي الاراضي الفلسطينية، و الحال ذاته مع القطاع الخاص علاوة على الانقسام الجغرافي بين الضفة الغربية و قطاع غزة و حتى أراضي الـ 48، و زاد على ذلك الحصار المحكم على قطاع غزة سيما بعد الكارثة الطبيعية الأخيرة المتمثلة في اعصار اليسكا الذي ضرب الأراضي الفلسطينية و الذي سبب خسائر جسيمة بين الفلسطينيين و ممتلكاتهم و كشف هشاشة وضعنا المأساوي و ضعف بنيتنا التحتية و اقتصادنا الاستهلاكي غير التنموي و غياب اقتصاد جاد مقاوم ، و هي تجربة وصفتها في المؤتمر بالامتحان الذي رسب فيه الجميع على المستوى الحكومي (حكومتا غزة و رام الله ) و القطاع الأهلي و الخاص على حد سواء و كشف عورة الجميع و قصورهم و غياب خطة وطنية للتعامل مع الطوارىء و استيعابها.

من المسلم به أن استراتيجية و خطط التنمية في أي بلد أو مجتمع تقوم على مثلث بأضلاع ثلاثة هي القطاع العام ( الحكومي) و القطاع الأهلي و القطاع الخاص ، ولا يمكن الحديث الجدي و الفاعل عن تنمية وطنية حقيقية بمعزل عن الشراكة و التكامل الفعلي بين هذه القطاعات الثلاث التي تمثل مجتمعة منظومة الاقتصاد و النهضة و التنمية في أي قطر وأي بلد , و من هذا المنطلق اقترحت في المؤتمر تشكيل مجلس وطني للتنمية في فلسطين توزع عضويته بالتساوى بين الجهات الثلاثة يتولى وضع الخطط التنموية على المستوى الوطني و يقود آليات و برامج تنفيذها على أرض الواقع و يتولى معالجة كافة المشاكل المجتمعية القائمة أو الناجمة عن تطبيقها وفق موازنات موحدة و مشاريع تمويلية محددة و بقيادة مرجعية ثابتة و هي فكرة بادر الأخ محسن أبو رمضان رئيس الشبكة بتأييدها فورا و دعم تطبيقها ، وذلك بديلا عن حالة الفوضى و التخبط القائمة و التى أصبحت هذه الجهات تشكل جزرا منفصلة هنا و هناك لكل منها برامجها الخاصة و مصادر تمويلها بمعزل عن المجموع الوطني حتى أن بعضها أصبح يكرر غيره في القطاع الواحد و هو ما دفع الصديق باسل ناصر مدير البرامج في الــ undp لدعوة الجمعيات الأهلية في المؤتمر لهيكلة ذاتها و مشاريعها في برامج قطاعية للتنسيق و التكامل و تقديم خدمة نوعية و متميزة للجمهور، وانتشار جمعيات الدكاكين التي أضحت ملكا عضودا لأصحاب الأجندات الفئوية و الخاصة و أصحاب الطموح الشخصي الحرام على حساب المصلحة الوطنية العليا و لعل هؤلاء النفر وجد في عمر الانقسام الطويل متنفسا مريحا للهروب من المساءلة والرقابة من الجهات الوصية وفقا لأحكام قانون الجمعيات الفلسطيني.

بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني في هذا الانقسام القائم ؟ أو على الأقل استمراره هذا العمر الطويل ، و ما دورها كقوة مجتمعية جبارة في مواجهته و التصدي لأثاره المدمرة وطنيا ؟ و على قضيتنا العادلة و مستقبلها في وقت يموج الاقليم والعالم فيه بتحولات عميقة تنذر بانعكاسات وخيمة علينا اذا استمر هذا الحال من التشرذم و الانقسام المخزي على حاله أطول من ذلك ، و في تقديري و حتى نكون موضوعيين و بعيدا عن التحامل و جلد الذات فان المجتمع المدني قام بجهود متواضعة في هذا المجال و في ساحة الميدان وهذه الجهود المتفرقة هنا و هناك جاءت ضعيفة و على استحياء أو على الأقل لم ترتق الى حالة الفعل و التأثير العملي ، و دليل ذلك غياب أي أثر لها على أرض الواقع و عدم دفعها صناديد الانقسام – المشكوك اليوم في وطنيتهم - و حملهم عنوة على الاستجابة لارادة شعبهم و الانصياع لرغبته في طي هذا الانقسام المخجل وطنيا و عربيا و عالميا و توفير العناء على شعبهم المنكوب بهم و الذي يعاني بكرة و عشيا وفي كل المجالات دون ذرة من مسؤولية أو ضمير وطني.

اذن هذا الدور غائب أو في حكم المغيب بالمقارنة مع الحيز الكبير الذي تشغله مؤسسات المجتمع المدني في المشهد الوطني و التي تستطيع ان وحدت صفوفها و قننت هياكلها وطورت خطابها أن تصبح لاعبا مركزيا وهاما في الساحة الوطنية و تشكل لوبياً ضاغطاً على نخب فاشلة مأزومة استمرأت هذا الانقسام الطويل و تعايشت معه و تبث من خلاله مبررات وفذلكات و مسوغات لا تعكس الا حالة نفسية مرضية لمروجيها و تجدف عكس تيار شعبها التواق لوحدة قيادته و مرجعيته التمثيلية الموحدة و السهر على خدمته و تذليل مشاكله بدل مراسم بروتوكولية استعراضية جوفاء لا تسمن و لا تغني من جوع .

يدرك المجموع الوطني اليوم أن حصيلة الانقسام ثقيلة و موجعة على مستوى جميع الأصعدة ، و ان أي من فريقي الانقسام لم يخرج رابحا وان الخسارة لحقت بالجميع و ان طهر و عذرية قضيتنا لدى عمقنا العربي و الاسلامي قد مسها ما مسها من أدران وشوائب و هم يتابعون بطولات الردح و السباب و العنتريات و التخوين من الناطقين الأشاوس على الفضائيات و الاذاعات و وسائل الاعلام المختلفة ، و ان جهود المخلصين و غير المخلصين من الدول العربية و الاسلامية و الجهات الفلسطينية كلها فشلت في تحقيق المصالحة و وحدة النظام السياسي الفلسطيني وكأن بحور من الدماء و ملايين القتلى موجودة في ساحات الوغى بين أبناء الوطن الواحد بل ان البعض بلسان الشيطان يتحدث أن الفريقين خطان مستقيمان لا يلتقيان و ان المصالحة و الوحدة أصبحت في حكم المستحيل و أنا أراها واقعا أقرب من حبل الوريد، بيد ان ذلك لن يتحقق برضا صناديد الانقسام المجرمين أعداء وطنهم و شعبهم و أمتهم الذين يتقاطعون مع عدو شعبهم و اهدافه حيث قال فيهم شيمعون بيريس رئيس دولة العدو " أن الانقسام الفلسطيني الحالي حلم لطالما راودنا في الحركة الصهيونية منذ تأسيس دولة اسرائيل "، وأنا أقول بلسان القرآن الكريم "من يتولهم منكم فانه منهم" .

المطلوب اليوم حراكا مجتمعيا و شعبيا فلسطينيا يحمل هؤلاء حملا على مغادرة مواقعهم و التزام بيوتهم ليركب قمرة القيادة في القاطرة الوطنية المخلصون من هذا الشعب المظلوم من يعتنقون فكر الوحدة و اللحمة المتشبعون بروح الوطن و الشعب الواحد من يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصا من يحملون العقل الجمعي لا عقلية الفرد و عبادة الأصنام البشرية، الذين يؤمنون بالشراكة كل الشراكة و يكفرون بالاقصاء و التهميش وأن الوطن للجميع كل الجميع لتنطلق بوصلة و عجلة التحرير و التنمية من بيئة نظيفة موحدة و متكاملة وفق خطط و سياسات وطنية تحظى باجماع أو توافق الكل الوطني، و ان المؤهل لهذا الحراك هو الشعب و عموده الفقري المجتمع المدني فهل سيكون حاضرا في الموعد؟ أم أن هذا الغياب سيبقى مستمرا ، ثقتي بشعبنا المعطاء المُضحي كبيرة و كبيرة جدا ، و موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب .