خبر : الابرتهايد والحقيقة \ بقلم: بنجامين بوغرند\هآرتس

السبت 21 ديسمبر 2013 04:05 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

          وفاة نلسون مانديلا أنتجت موجة من المقالات سعت الى استخلاص الدرس من قصة حياته بالنسبة لإسرائيل والنزاع مع الفلسطينيين. المشكلة هي أن الكثير من هذه المقالات استندت الى معلومات جزئية فقط عن تاريخ مانديلا والتاريخ بشكل عام. والجهل، مختلطا بالآراء المسبقة للكُتّاب، وجد تعبيره في اراء وادعاءات لا توجد بينها وبين الواقع أي صلة. إحدى الادعاءات المتكررة هي ان إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي أقامت علاقات تجارية مع نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا. هذا بعيد عن الحقيقة. فمع اتساع العقوبات بدأ نظام الابرتهايد يخفي معطياته التجارية. ومع ذلك، يقدر معهد SAIRRبانه في 1986 كانت التجارة بينها وبين اسرائيل بحجم 214 مليون دولار، واضافة الى ذلك كانت مبيعات سلاح بحجم يتراوح بين 272 مليون دولار و 544 مليون دولار. بمعنى أن التجارة العامة كانت بمبلغ 486-758 مليون دولار.

          وبالمقابل، فان التجارة بين جنوب افريقيا والولايات المتحدة كانت في تلك ا لفترة بحجم 3.32 مليار دولار. وكانت التجارة بين جنوب افريقيا واليابان بحجم 3.27 مليار  دولار. ومع بريطانيا بحجم 2.52 مليار دولار. وحسب التقديرات، فان التصدير من جنوب افريقيا بلغ 19.14 مليار دولار وبلغ الاستيراد 12.2 مليار دولار. بمعنى أن اسرائيل لم تكن وحدها الشريك التجاري الوحيد لجنوب افريقيا. فقد كانت شريكا تجاريا صغيرا نسبيا.

          وهذا ليس كل شيء. فالاتحاد السوفييتي، الذي شجب علنا نظام الابرتهايد، وأيد العقوبات، تعاون معه عمليا كي يضمن ان تواصل شركة "ذي بيرس" الجنوب افريقية التحكم بسعر الماس في العالم. وهكذا ساعد الاتحاد السوفييتي على مواصلة حكم الابرتهايد. وفضلا عن ذلك، فقد نجح نظام الابرتهايد في البقاء بانه على مدى السنين تلقت جنوب افريقيا كل النفط اللازم لها من السعودية، ايران، العراق ودول نفطية اخرى. وملأت جيوب الدول المنتجة للنفط والتجار. وبالنسبة للسلاح، حسب منشورات أجنبية، اشترته جنوب افريقيا من بريطانيا، فرنسا، اسرائيل، اسبانيا والولايات المتحدة وتمتعت بتعاون نووي مع اسرائيل، فرنسا، الولايات المتحدة والمانيا الغربية.

          وبالطبع كان هذا مرفوضا ومخجلا ان تتاجر اسرائيل مع نظام الابرتهايد، وزعماؤها، بمن فيهم وزير الدفاع في حينه، شمعون بيرس، كان وديا جدا تجاهها. ولكن من هنا وحتى اتهام اسرائيل بانها كانت المخطئة الوحيدة في العالم، الغضب الاخلاقي والجلد الذاتي – الطريق طويل جدا.

          كما يسود جهل في موضوع العنف ايضا. نعم، مانديلا أيد العنف. ولكن عرض هذه الحقيقة كتبرير للعنف الفلسطيني يظلم  نشاط مانديلا والمؤتمر الوطني الافريقي ولذكراه. فعندما توجه مانديلا والمؤتمر الوطني الافريق الى طريق "المقاومة المسلحة" في 1961، منعا قتل مدنيين بيض: أولا لانهما يتبنيا مبدأ اللاعنف للمهاتما غاندي. ثانيا، انطلاقا من اعتبار استراتيجي: فقد فهما بانهما اذا قتلا مواطنين بيض دون تمييز، فانهما لن يفعلا بذلك غير تشديد الخوف العميق الذي ألم بالبيض في أن من شأنهم ان يلقى بهم الى البحر – مما سيمنع كل امكانية لنقل هادىء للحكم. وقد تمسكا بهذه السياسة على مدى 30 سنة، مع استثناءات شاذة قليلة. وقد أثبتت هذه السياسة نفسها كمجدية في نهاية المطاف. واذا كان يراد استخلاص درس ما من ذلك بالنسبة للمقاومة الفلسطينية – فهذا هو الدرس الحقيقي.

          لقد ادعت الكثير من القوى بان اسرائيل هي دولة أبرتهايد. اسرائيل ليست كهذه. ليس فيها أي شيء يشبه العنصرية المؤطرة التي كانت في كل زاوية وفي كل شبر في مجتمع الابرتهايد. صحيح، السكان العرب في نطاق الخط الاخضر يعانون من التمييز. والاحتلال في الضفة الغربية هو طغيان. ولكن من يجرون استعارة بين هذا الوضع ونظم الابرتهايد لا يعرفون ماذا كانت طبيعته ولا يعرفون ماذا يحصل هنا.

          وحتى كلمات مانديلا يساء استخدامها. يقلصونه الى من قال "نحن نعرف جيدا ان حريتنا لا تكون كاملة دون حرية الفلسطينيين". هذه اقوال قالها في كانون الاول 1997. ولكن كانت هناك تتمة للجملة: "... دون نهاية النزاع في شرق تيمور، في السودان وفي أماكن اخرى في العالم". لقد أيد مانديلا بالطبع تحرير الفلسطينيين. ولكن في سياق اعطاء الحرية لكل الامم. وهذا الاختصار يغير معنى رسالته الكونية.

          ولكن ايضا في الجانب الاخر من الطيف السياسي جرت اساءة استخدام لمانديلا الذي شُهر به على أنه أيد ليس فقط ياسر عرفات بل وايضا طغاة كفيدل كاسترو ومعمر القذافي. ولكن في سنوات الكفاح ضد نظام الابرتهايد كان هؤلاء الزعماء هم الذين ساعدوا المؤتمر الوطني الافريقي في الوقت الذي وقفت فيه اسرائيل جانبا. ومع حلول الحرية لم يكن مناسبا في نظر مانديلا – بل وكان هذا يتعارض وطبيعته – التنكر لمن وقف الى يمينه على مدى زمن طويل. كما ان ماندلا لم يكن، مثلما زعم، "لا سامي" حتى العظام" ولم يكن جديرا باللقب المسيء الذي الصق به "خداع وكاذب خائن". كل جوهر حياته يتعارض وهذه الاقوال المغرضة. كما ان مانديلا لم يقل ابدا انه يريد ابادة اسرائيل. فقد انتقد اسرائيل على معاملتها للفلسطينيين. ولكنه آمن بانه يجب الحرص على أمنها.

          درس هام يمكننا نحن الاسرائيليين والفلسطينيين ان نتعلمه من مانديلا يتعلق بتفانيه في قبول الاخر، بقوة الحوار، وبايجاد حل سلمي. وكذا بالحاجة الى زعماء يتمتعون بالرؤية والشجاعة اللازمتين لقيادة شعبهم في مسار جديد