خبر : بائع الوهم والسراب ...بقلم: صادق الشافعي

السبت 21 ديسمبر 2013 08:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT



بائع الوهم والسراب في هذه الايام هو وزير الخارجية الاميركي كيري، في توافق تام مع رئيسه الذي يسوق نفس البضاعة. لا احد يعلم، ولا الوزير كيري يقول، على ماذا يستند في تفاؤله الذي يعلنه بان انجازا سيتحقق في نيسان القادم في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

الاتحاد الاوروبي دخل السوق ايضا، فأعلن اولا عن دعمه الكامل للمفاوضات الحالية كما يتولى كيري الاعلان عنها، ثم قدم وعودا بدعم "غير مسبوق للطرفين في حال جرى التوصل الى اتفاق سلام"، لكن بدون ان يرفق ذلك باي مبادىء او قواعد او استهدافات ( حتى لا نقول شروط ) تضمن عدالة اتفاق السلام وقدرته على التواصل والاستمرار، وقدرته على احقاق للحقوق الفلسطينية المشروعة كما اقرتها المواثيق والهيئات الدولية.
هل هي تصريحات في اطار حركة دبلوماسية تريد ان تسوّق املا غير موجود للهروب من الاعتراف بالفشل في هذا الملف الهام؟ أم أنها تأتي في اطار ولخدمة الجهود لابقاء الفلسطينيين بعيدين عن التوجه الى الامم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها المتخصصة؟ أم أن الحقيقة وراء هذه التصريحات انها لخدمة تمرير، او فرض، المشروع الامريكي ومقترحاته الجوهرية والتي تنصب اساسا، على المطالب الامنية الاسرائيلية المفرطة، وتتبناها تماما. إن الموقف الاميركي الاخير والمشروع الذي يقدمه الوزير كيري في جولتيه الاخيرتين هو، في جانب رئيسي منه، سعي امريكي الى مراضاة اسرائيل بعد غضبها من امريكا لانها كانت اللاعب الاساس وراء التوصل الى الاتفاق النووي الاخير مع ايران.
واميركا لا تتحمل غضب اسرائيل، ولا تقدر عليه، ولأن اسرائيل تعرف ذلك فانه تسوق دلالها وترفع من شروطها وتزيد مطالبها.
المشروع الاميركي يسميه الوزير كيري " اتفاق اطار" ويوضحه الرئيس اوباما حين يقول " على الفلسطينيين الموافقة على رغبة اسرائيل في قيام فترة انتقالية " وهذا ما يسترجع في النفوس كل مواجع اوسلو. خصوصا وان المشروع المقترح لا يتناول اياً من القضايا الاساسية المفترض ان تكون مادة المفاوضات واساسها، والمرحّلة من اتفاق اوسلو. بل انه يتناسى المطالبة الامريكية السابقة بضرورة وقف الاستيطان كشرط من شروط المفاوضات، وحتى اطلاق الدفعة الثالثة من اسرى ما قبل اوسلو، وبطلب من كيري نفسه واستجابة مرحبة من اسرائيل، تجري محاولة التعامل معها كورقة للمساومة والضغط على الطرف الفلسطيني.
إن المشروع الامريكي المقترح يجعل من ضمان أمن اسرائيل الاساس وحجر الزاوية والمبتغى، لدرجة ان يصرح كيري " ان لم يضمن الاتفاق أمن اسرائيل فانه لن يكون هناك اتفاق ". وهذا يستدعي مفارقة مستهجنة وتساؤلا: اما المفارقة المستهجنة، فانه لم يحصل ربما في تاريخ التفاوض بين طرفين في حال يشبه حالنا ان انصبّ همّ المفاوضات الاول والاساس على ضمان الاحتلال واستمراره، وعلى ضمان امنه وامن احتلاله، ودون الالتفات اللازم لحقوق من هو تحت الاحتلال. وهذا هو جوهر المشروع الاميركي ومقترحاته.
واما السؤال، فهل صحيح ان امن اسرائيل مهدد الى هذه الدرجة؟ هل الدولة الفلسطينية اذا ما قامت وباحسن الشروط والمواصفات المتداولة يمكن ان تشكل خطرا ماحقا على اسرائيل بكل امكاناتها وقدراتها وتحالفاتها المعروفة، وبدرجة تتطلب كل هذه الاجراءات الامنية لحمايتها ولضمان امنها؟ ام هي مجرد تماحيك تخفي ورائها الدافع والهدف الحقيقي، وهو استمرار الاحتلال وسياساته في القمع بكل اشكاله وبالسيطرة، واستمرار قضمه للارض حتى لا يبقى هناك ما يمكن التفاوض حوله؟ والسؤال المرادف، لماذا تحتاج اسرائيل لاعترافنا بها كدولة يهودية او كدولة لليهود، وتريد فرض ذلك كشرط اضافي جديد من شروط المفاوضات، وهو ما لم يكن موجودا في اي وقت ، ولماذا توافق لها امريكا على مطلبها؟ في نفس الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لتحصيل نفس الاعتراف من الدول الاوروبية اولا ومن بقية دول العالم. ان نوالها لهذا المطلب، اذا ما تحقق، بقدر ما ينهي، بنظرها، حق العودة وحق المطالبة به، فانه يمهد الطريق امام عملية ترحيل ( ترانسفير) لفلسطينيي مناطق 1948 من ارض وطنهم لان بقائهم في ارضهم هو، بالمنطق العنصري، تهديد لنقاء الدولة العبرية.
ان احتمال قبول السلطة الفلسطينية بالمقترحات والشروط الاسرائيلية - الامريكية، حتى لو ادخل عليها تعديلات شكلية تجميلية، هو احتمال يقترب من الصفر، كما اكدت ذلك تصريحات اكثر من مسؤول ومواقف كل القوى السياسية ومواقف الناس، خصوصا وان المقترحات الامنية تتضمن ايضا ضرب اسس، وحتى مظاهر، سيادة الدولة الموعودة (بقاء القوات الاسرائيلية في الاغوار،دولة منزوعة السلاح ،الادارة المشتركة على المعابر..الخ).
وهذا يتركنا امام الاحتمال الاخر للهدف من وراء المشروع الامريكي وهو تحميل الطرف الفلسطيني كامل المسؤولية عن فشل المفاوضات من جهة، وتبرئة اسرائيل من المسؤولية من الجهة الثانية، بما يظهرها بالطرف الايجابي وبما يخفف عنها المسائلة الدولية والتبعات التي يمكن ان تنشأ عنها.
واقع الحال يؤكد انه لم يبق لدى الفلسطينيين تنازل اضافي يمكنهم تقديمه، وانه ليس لدى اسرائيل اي شيء تعطيه او تتنازل عنه على طاولة المقاوضات. وواقع الحال يؤكد بنفس القدر ان الادارة الامريكية لا يمكن ان تكون وسيطا محايدا، بل منحازا دائما دائما لاسرائيل.
اذن الرهان الان هو على ثبات الموقف الفلسطيني وعلى تمسكه بالاهداف والشروط الوطنية التي عاد الى المفاوضات على اساسها. ثم، لماذا لا نحول اتجاه حركتنا السياسية، ونعود بها الى حضن الامم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها المتخصصة، والى حضن المجتمع الدولي وشعوبه وقواه وهيئاته المحلية والدولية.