خبر : مانديلا و فلسطين..ودرس المصالحة..د.جميل جمعة سلامة

الجمعة 20 ديسمبر 2013 11:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
مانديلا و فلسطين..ودرس المصالحة..د.جميل جمعة سلامة



يوم الاربعاء الماضي الموافق 11/12/2013م و في ذروة المنخفض الجوي " اليسكا " على بلادنا تلقيت دعوة للمشاركة في بيت عزاء و تأبين رئيس جنوب افريقيا السابق الراحل نيلسون مانديلا بفندق الكومودور بغزة , و رغم سوء الاحوال الجوية و غزارة الأمطار و الصقيع الشديد كان الحضور كثيفا و نوعيا و تمثيليا ضم الفصائل الفلسطينية المختلفة و على مستوى الصف الأول و مؤسسات المجتمع المدني والجامعات و المخاتير و..غيرهم و بحضور وفد دبلوماسي رفيع المستوى من ممثلية جنوب أفريقيا لدى فلسطين و عكس هذا الحضور الجامع حب الفلسطينيين للراحل و وفائهم لمسيرته النضالية و دفاعه المستميت عن قضيتهم في المحافل الدولية المختلفة في صورة باهية و جميلة و لوحة تقديرية رائعة لهذه الأيقونة الأنسانية الفريدة و المتميزة .

تعاقب على الحديث بكلمات موجزة العديد من المسؤولين في الحكومة و الفصائل و المجتمع المدني و كان لي الشرف ان أكون واحدا منهم ، وعدد الجميع مناقب الفقيد الكبير و اشادوا بنضاله المستميت ضد نظام التمييز العنصري " الأبارتهايد " و النصر الذي انجزه على غلاة مواطنيه البيض العنصريين ليبني وطنا لجميع شعب جنوب أفريقيا ، و كانت مقولة الراحل " أن ثورة جنوب أفريقيا لن تكتمل الا بنيل الشعب الفلسطيني حريته و استقلاله " حاضرة بقوة في مداخلات الجميع لتصبح بمثابة دستور العلاقة بين فلسطين و جنوب افريقيا و شعبيهما تماما كمقولة الزعيم الجزائري الراحل " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ".

قبل بدء اللقاء بقليل قابلت مانديلا فلسطين الأخ و الصديق المناضل / سليم الزريعي "أبوحسين " و تصافحنا فوجدته متألماً لرحيل سميه و رفيق دربه في رحلة الأسر و الحرية رغم تباعد المكان و اختلاف الخصوم ، و حدثني عن لقائه بمانديلا الراحل بجوهانسبيرغ برفقة الرئيس الشهيد ياسر عرفات عند زيارة الأخير لجنوب أفريقيا و عندما بدأ التعارف بين الجانبين ، قال مانديلا أنا فلسطيني مثلكم ، و لأنك فلسطيني مثلنا أيها الصديق الكبير اجتمعنا نحن أبناء العائلة الفلسطينية الكبيرة بمختلف ألوانها السياسية و الاجتماعية لوداعك لأنك فلسطيني مثلنا و كجنوب افريقيين مثلك وفاء لما سطرت من وشائج القربى و النسب و الرسالة و الهدف لك و لروحك يا رمز الوفاء و الحرية و الانعتاق من عبودية الظلم و الطغيان .

تحدث من سبقوني من الأخوة المسؤولين وقادة الفصائل الفلسطينية عن مناقب الراحل الكبير و أشادوا بخصاله، و أنا في مداخلتي و ددت التوقف عند محطة واحدة من محطات حياته المشرقة و هي محطة التعايش و التسامح و بناء وطن الجميع.

كما تعلمون جميعاً فعندما بدأ مانديلا الشاب رحلة نضاله و مقاومته مع أبناء شعبه من الأغلبية السوداء ضد نظام التمييز العنصري ( الأبرتهايد ) والثمن الباهظ الذي دُفع مقابل ذلك و سدد مانديلا أكثر من سبعة و عشرين عاماً من زهرة شبابه خلف القضبان و داخل باستيلات و زنازين الأقلية البيضاء العنصرية الحاكمة انذاك، و عندما رضخ نظام الأبرتهايد لمطالب الأغلبية السوداء بالمساواة الكاملة بين مواطني البلاد بغض النظر عن لونهم و قوميتهم خرج ثمرة لذلك مانديلا من سجنه شامخ الرأس عام 1990م وسط حرب أهلية طاحنة .

عندها كانت نفوس المظلومين السود و ذويهم لعقود طويلة تشتعل بنار الثأر من مواطنيهم البيض الذين ساموهم سوء العذاب و تصفية حساب سنوات طويلة من القهر و الاذلال و العبودية ، و كان هنا التحدي الأكبر لمانديلا القائد و كل الأنظار كانت مشدوهة تجاهه و في أي مربع سيقف الزعيم ، هل سيسير خلف هذه الروح التي بدأت تسير بين الأفارقة مسرى النار في الهشيم؟ أم سينحى منحاً آخرا و عندها قال مانديلا كلمته المشهورة " لا يمكن للمظلوم أن يصبح ظالماً " ، فوقف موقف المسؤول و القائد و رفع راية التسامح و طي صفحة الماضي و نبذ خطابات الثأر و تصفية الحساب و صرخ في الجميع بأعلى صوته الوطن لجميع أبنائه و البلاد لجميع مواطنيها سوداً و بيضاً و أن الوحدة الوطنية هي قدر جنوب أفريقيا و مستقبلها و أن التحدي حول الشراكة الوطنية و بناء البلاد و تحقيق التنمية و العدل فيها، و هكذا قاد مانديلا حزبه و شعبه الى فضاء الحرية و المواطنة الكاملة و الاستقرار .

هذه هي فلسفة مانديلا المناضل و القائد و التي نجد لها أصلاً في ديننا الحنيف و مسيرة رسولنا صلى الله عليه و سلم عندما دخل مكة فاتحاً بعد أن غادرها مهاجراً من ظلم و قهر أهلها ، فماذا وجد أهلها منه؟ بعد أن ارتعدت فرائصهم من انتصاره قوله لهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء "،هذا هو منهج العفو عند المقدرة و ديدن قادة التغيير و الاصلاح من أصحاب القامات الشامخات .

فلسفة مانديلا هذه لم تكن وطنية في اطار دولته القطرية فحسب بل امتدت لتصبح عالمية و مانديلا في قلبها و منظرها فأصبح مصباحاً يشع على العالم قيم الحرية و الوحدة و التسامح و العدالة للانسانية جميعا.

بلادنا فلسطين لم تكن جغرافية عادية لمانديلا ، كما أن شعبنا لم يكن شعباً عابراً له أيضا ، مانديلا ربط عضوياً بين بلاده و بلادنا، بين قضيته و قضيتنا و اتخذ من نضال شعبنا و جهاده و مقاومته ملهماً لنضال و مقاومة بلاده ، فقال مقولته التاريخية في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني عام 1997م، و كررها عند زيارته بلادنا و أرض غزة عام 1999م " ان ثورة جنوب افريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته ".

و لعلي لا أعلن سراً عندما أقول أن أحد القادة السياسيين الحزبيين المغاربة أبلغني أثناء زيارتي مؤخراً للمغرب الشقيق أنه في زيارة سابقة له لجنوب أفريقيا و لقائه قادة من المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم الذي يعتبر مانديلا أبرز مؤسسيه و أمينه العام السابق عند حديثهم عن القضية الفلسطينية أخبروه أن مانديلا أفضى لهم أن حلمه قبل رحيله كان انجاز المصالحة و الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين و أنه كان متأثراً جدا للانقسام الفلسطيني و تداعياته على مستقبل القضية الفلسطينية في مواجهة العنصرية الصهيونية التي كان يبغضها.

و نحن نقول اليوم لك أيها الفقيد و الانسان الحبيب و الرجل الكبير في يوم رحيلك أننا نحفظ وصيتك و رسالتك التي وصلت و سنعمل جادين وجاهدين على تنفيذها و الوفاء لها ، رسالة الوحدة بين أبناء شعبنا و قواه السياسية رسالة الشراكة السياسية و الوطنية الكاملة بين مكونات شعبنا ، رسالة نبذ الفرقة و الاقصاء و الحقد الأيديولوجي و التناحر الحزبي و بث روح الوفاق و التكاتف و رفع راية فلسطين فوق كل الرايات و الأجندات ، رسالة اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بشقيه منظمة التحرير و السلطة الوطنية على أساس الشراكة الكاملة بين جميع القوى و الفصائل الفلسطينية و في مقدمتها حركتا فتح و حماس ، لتوحيد الجهود من أجل اقتلاع هذا الكيان الصهيوني الغاصب من بلادنا و انجاز الاستقلال و بناء دولتنا العتيدة على هذه الأرض المقدسة التي قال فيها شاعرنا الكبير درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " و اطلاق عجلة التنمية في جميع المجالات و تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة .

الكل الفلسطيني الحاضر في تأبين الراحل و الغائب عنه مدعو للإصغاء لرسالة مانديلا و فلسفته كمدخل للانتصار و ترك الماضي وراءنا و العمل للمستقبل على قاعدة رص الصف و الصفوف و طي صفحة الأنقسام القائم نهائيا و الى غير رجعة .

وداعاً مانديلا ، وداعاً يا نصير الضعفاء و المستضعفين ، وداعاً يا نصير فلسطين و قضيتها العادلة في وجه العنصرية الصهيونية حلفاء أعدائك من العنصريين البيض " ألأبارتهايد " ، و إلى اللقاء مع أبنائك و أحفادك من شعب جنوب افريقيا في عاصمتنا الأبدية القدس محررة سيدة من دنس الاحتلال العنصري الغاصب .

Goodbye Mandela, goodbye the friend of our people and our issue.

goodbye hero of freedom, symbol of justice.

Our deepest condolences to the people of south Africa .