خبر : علموا غزة الصيد! ...رجب ابو سرية

الأربعاء 18 ديسمبر 2013 10:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
علموا غزة الصيد! ...رجب ابو سرية



تعرض قطاع غزة، كما عموم فلسطين، بل والشرق الأوسط بأسره، قبل أيام، لموجة باردة تخللتها عاصفة ثلجية وأمطار غزيرة، كما لم يحدث منذ سنوات طويلة، وفي الوقت الذي كان فيه الناس يحتفلون في الجوار ببياض الثلج، كان أهل غزة المنهكون يواجهون البرد بلحم عار، ويغرقون في مياه الأمطار، فظهرت مشاهد ذات طابع "سريالي" للغاية، حين رأينا البعض يستخدم قوارب الأنهار للانتقال عبر شوارع غزة الغارقة، كما لو كانوا في بنجلاديش، ماليزيا أو الهند!

وكما يقولون إن "الشّدة" تكشف العيوب، فقد نتج عن تدفق المياه على مدن وقرى ومخيمات غزة، ان تشردت نحو 900 عائلة، ولجأت الى المدارس والى مراكز الإيواء المختلفة، وكما يحدث عادة في المناطق المنكوبة بفعل الكوارث الطبيعية، هب أهل الخير لنجدة أهالي غزة المنكوبين، وتحت شعار "غزة في القلب" سارعت لجنة العمل الوطني لتقديم هبة الرئيس محمود عباس، فيما خرج إسماعيل هنية شخصيا لتفقد أحوال المواطنين، لدرجة انه شاركهم فراشهم، ومكان إيوائهم في تلك اللحظة العصيبة.
لم يتم حل مشكلة المشردين جراء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، والتي جرت آخر العام 2008، أول العام 2009، بعد، حتى كانت هذه الكارثة الإنسانية، وليس الحق على الإسرائيليين هذه المرة، لكن أي حادث عرضي، مهما بدا بسيطا، يكشف درجة هشاشة السلطة الحاكمة، وعجزها عن أداء مسؤولياتها تجاه متطلبات الحياة العامة، وبغض النظر عن النوايا الحسنة وعن التعاطف الذي يبديه رأس نظام الحكم، إلا أن مواجهة قطاع غزة للمشكلات المتتابعة طوال نحو سبع سنوات عجاف من حكم حماس لغزة، وعدم قدرة هذه الحركة على حل أية مشكلة، يثير الحنق والغضب، ويرفع ألف علامة سؤال، حول تشبثها بالحكم، وإصرارها على البقاء بهذه الطريقة على أكتاف وصدور الناس!
ما يلفت الانتباه هنا، هو أنه ومنذ وقت، خاصة منذ منتصف هذا العام، الذي يقترب من نهايته، يلاحظ انزواء قادة حركة حماس عن المشهد العام، ولم يعد الأمر يقتصر على قيادة الحركة (رئيسها وأعضاء مكتبها السياسي) بل أنه يلاحظ أن قياداتهم وكوادرهم في غزة _ ربما بعد ان فقدوا الأنفاق، وخسروا حكم مصر _ لا يشاركون في دعم نظام الحكم في غزة، فقط رئيس الحكومة وبعض مقربيه وبعض "وزرائه" وموظفيه معنيون بالظهور، ربما يعود السبب الى الشعور بأن حكومة غزة ورطت حماس في خسارة مكانة الحركة فلسطينيا واقليميا، ثمنا لحكم غزة.
اظهر حكم حماس لغزة خلال سبع سنوات، ورغم أنه جاء نتيجة خطيئة ارتكبتها اصلا، وتمثلت في شق الطريق الى الانقسام، عبر شلال الدم الذاتي، بإطلاق الحرب الداخلية، إلا أن إظهار هذا القدر من السذاجة في الحكم، وحده يكفي لأن تقتنع كل الدنيا بأن سنين طويلة تحتاجها مثل هذه الحركة لتكسب ثقة المواطنين وحتى تقنع شخصا برأسه عقل، ليأخذ قراره بالتصويت لها في أية أنتخابات قادمة.
لقد عجز نظام حكم حماس عن حل مشكلة الكهرباء، والبطالة، وعن تقديم أي شيء يذكر على مستوى الخدمة العامة، رغم تحصيله للضرائب، خلال كل تلك السنين، حيث لم يفتح شارعا ولم يعبد طريقا ولا أنشأ مدرسة، ولا افتتح عيادة أو مدرسة، رغم تلقيه الدعم من قطر، الإخوان، تركيا _ وسابقا إيران _ ورغم تكفل السلطة في رام الله بدفع رواتب أكثر من 70 ألف موظف حكومي في غزة، وامداد المستشفيات بالمواد الطبية، والمدارس بالاحتياجات المختلفة وما إلى ذلك.
تستمرئ حركة حماس ونظام حكمها في غزة، على ما يبدو، نظام الاستجداء، حتى تظل في حالة المسكين، الذي يستدر العطف، وإذا كان طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره قد بات يدرك بانه ليس في السياسة شيء بلا مقابل، يظهر السؤال، هنا، لم تفضل حماس وحكمها في غزة أن يخضعوا لإرادة أمير قطر، او للإخوان المسلمين وحتى لإيران او تركيا، فرادى أو مجتمعين، على أن "يخضعوا" بالطريقة أذاتها أو حتى بأقل درجة لابن وطنهم، نقصد فتح او حتى الرئيس أبو مازن، إذا كانت حماس عاجزة عن أدارة شؤونها بنفسها، وتحتاج الى من يمد لها يد المساعدة، فلم لا تمدها لشقيقها الفلسطيني وتفضل الأخ او الصديق وحتى الأجنبي!
وبالطبع فان الكل الفلسطيني، يمكنه ان يستغني عن كل معونات الدنيا، بما في ذلك أموال المانحين. لو تم الاعتماد على غاز غزة ونفط الضفة وعلى إرادة وطنية حرة، تعتمد العمل المنتج، كما تفعل شعوب شرق آسيا، حيث يبقى ان نشير الى المثل الصيني، الذي يكشف عن ثقافة حرة، كانت ربما سببا في رفعة الصين وخروجها من وحل الاستعمار الذي خدر شعبها بالأفيون ما قبل الحرب العالمية الثانية، الى رحاب الدولة العظمي، عسكريا أولا وأقتصاديا ثانيا، وهو "علّمه الصيد، خير من أن تمنحه كل يوم سمكة"، هذه هي الثقافة المضادة لثقافة الاستجداء والاتكال على الغير، ثقافة الاعتماد على النفس والتوجه للعمل المنتج، والذي يمكن فتح الأبواب له، بإغلاق باب الانقسام، وتوحيد الفلسطينيين، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، ليرحم الله حكام حماس في غزة، حتى يدركوا عجزهم عن ادارة القطاع!
Rajab22@hotmail.com