لم يكن يخطر ببالي وإخواني في معهد بيت الحكمة ونحن نخطط لاستضافة بيت عزاء الراحل العظيم "نيلسون مانديلا" أن يكون الإقبال بهذا العدد الكبير من الشخصيات الرسمية والاعتبارية، وخاصة في ظل الظروف الجوية البالغة الصعوبة، حيث الأمطار الغزيرة والرياح العاتية بسبب المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة.. لقد فاجأنا هذا العدد الكبير من الشخصيات الوطنية والإسلامية الممثلة لكل الفصائل من فتح وحماس والجبهة الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية الفلسطينية وتجمع أساتذة الجامعات ووفد المجلس التشريعي ورابطة المخاتير ورجال الإصلاح، وهيئة الوفاق الفلسطيني، والأطر الطلابية، والحكومة في غزة.. الخ
عزاء وأجواء من المصالحة الوطنية
كان اللقاء فرصة لأن يجتمع أبناء الوطن الواحد بكل أطيافه السياسية وعناوينه الوطنية، وأن تكون الكلمات التي ألقاها ممثلو الوفود معبرة عن مكانة الراحل العظيم "نيلسون مانديلا" بين الفلسطينيين، حيث أشاد الجميع بمناقبه وبما علَّمه للبشرية من دروسٍ في سلوكيات النضال والثورة، والخلق الإنساني الرفيع من حيث أدبيات الخلاف والتغاضي والتسامح والتغافر، والتصافح والعفو عند المقدرة والمحبة من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا، بعد عقود وسنوات من الصراع والمواجهات الدامية بين أبناء الوطن الواحد.
كانت فرحتنا غامرة ونحن نرى كل تلك الوجوه الخيِّرة والعناوين الوطنية تشاركنا العزاء بهذا الرجل الذي أحببنا شموخه وعظمة مواقفه ونبل كلماته، وشاهدنا من خلاله خطى مسيرتنا النضالية، ومنحنا الأمل بأن العنصرية الصهيونية والاحتلال كلاهما إلى زوال.
لقد جاءت حركة فتح بقياداتها ورموزها الوطنية؛ الإخوة إبراهيم أبو النجا، عبد الله أبو سمهدانه، د. عبد الرحمن حمد، د. فيصل أبو شهلا، والأخت آمال حمد، وكذلك شاركت حماس الحكومة ممثلة بنائب رئيس الوزراء المهندس زياد الظاظا، د. مفيد المخللاتي؛ وزير الصحة، د. غازي حمد؛ وكيل وزارة الخارجية، والدكتور باسم نعيم؛ مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الدولية، ووفد المجلس التشريعي برئاسة د. أحمد بحر؛ النائب الأول، والإخوة النواب: د. خليل الحية، د. مروان أبو راس، محمد شهاب، والمهندس جمال نصار، ومن الحركة عضو المكتب السياسي د. محمود الزهار، والدكتور محمد عوض؛ وزير الخارجية السابق، وقد أرسل الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء باقة ورد وكلمة إلى بيت العزاء.
أما الإخوة في الجبهة الشعبية فقد وفدوا بتمثيل كبير برئاسة عدد من أعضاء المكتب السياسي منهم: الرفيق د. رباح مهنا، مريم أبو دقة، كايد الغول، يونس الجرو، عبد العزيز أبو القرايا، محمد طومان، وجميل مزهر.
كما شاركنا أيضاً إخواننا في الجبهة الديمقراطية الرفيق صالح زيدان، صالح ناصر، طلال ابو ظريفه، زياد جرغون، عصام ابو دقه، والدكتور سمير أبو مدللة.
ومن هيئة الوفاق الفلسطيني د. جميل سلامة، د. منى الفرا، والأستاذ محمد أبو سعدة.
وكان أول الحاضرين وفد المخاتير ورجال الإصلاح برئاسة سيف أبو رمضان، حيث أضفوا على اللقاء جواً من روح الوطنية الفلسطينية الصادقة التي تقدر للراحل العظيم تاريخه ومواقفه المميزة إلى جانب شعبنا وقضيتنا، والتي عبر عنها مانديلا بكلماته الصادقة، قائلاً: "إن حريتنا منقوصة في جنوب افريقيا مادام الشعب الفلسطيني رازحاً تحت الاحتلال، ولن تكتمل حريتنا إلا بحرية فلسطين".
بالطبع كانت هناك أيضاً مشاركة ملحوظة لوفد جمعية أساتذة الجامعات برئاسة د. حسام عدوان والدكتور أسعد أبو شرخ، ولوفد المبادرة الوطنية الفلسطينية ورؤساء العديد من منظمات المجتمع المدني، منهم: أمجد الشو ومحسن أبو رمضان وجبر وشاح وآخرين.
إن الذي شاهد هذه المشاركة الواسعة لقيادات فتح وحماس، والكلمات التي ألقاها كل منهم في عزاء مانديلا، استبشر خيراً؛ لأن هذا ربما أول لقاء في اجتماع عام يحضر فيه الطرفان بدون حساسية، ويستمع كل منهما لكلمات الآخر بأريحية.. شكراً لروح مانديلا وذكراه التي أتاحت لنا أن نلتقي ونتصافح في بيت عزائه، ولعلها تكون فاتحة خير لأن نجتمع من جديد لنحقق المصالحة وننهي الانقسام.
مانديلا: سيرة ومسيرة ومصدر إلهام
لقد تمكن مانديلا ورفاقه في المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) من مقاومة نظام الابرتهايد والتغلب عليه، وهذه التجربة هي اليوم مصدر إلهام للشعب الفلسطيني، حيث سيكون هو الآخر - بكفاحه وجهاده - قادراً على التخلص من الصهاينة الغزاة، طال الزمن أم قصر.
لقد جسد النظام في كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل حالة من نظام الابرتهايد الاستعماري، وكانا – لحدٍّ قريب – يعتبران دولاً مارقة (Pariah State)، وهما يشكلان توأماً لنظامين عنصريين مارسا عمليات الاستعباد والاضطهاد، وارتكبا جرائم بحق الإنسانية ضد السكان الأصليين للبلاد، وقد تجاوز المجتمع الدولي – للأسف – عن سياساتهما التعسفية، وغض الطرف عما اقترفاه من مخالفات ومجازر على مدار عقود من الزمن.
في تسعينيات القرن الماضي، نجحت دولة جنوب أفريقيا في التخلص من نظام الابرتهايد، وعادت إلى حضن الاستقرار الديمقراطي، حيث الحرية والأمن والتعددية السياسية والمساوة والتداول السلمي للسلطة؛ والذي جاء بنيلسون منديلا رئيساً للبلاد عام 1994.
لقد سطر مانديلا مشوار حياته في كتاب (Long Walk to Freedom)؛ أي "المسيرة الطويلة نحو الحرية"، حيث فسر فيه حياته ضمن رؤية الأمل والكفاح من أجل التحرر، وتناول في مطويات صفحاته مسيرته النضالية والمواقف التي واجهها في فترات اعتقاله، والتي امتدت لحوالي 27 عاماً، حيث دخل المعتقل شاباً وغادره بعد أن أنهكت جدران السجن ما استحكم من أركان عظامه، وبملامح جللها الشيب بعد أن اشتعل برأسه وقاراً، وكان تاج الحكمة يكلل - بكل جلال – مواقفه، ويرفع كل يوم من علياء مقامه.
وبالرغم من أن مانديلا ظل اسمه على قوائم الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008، إلا أن الحفاوة التي لقيها خلال زيارته للولايات المتحدة عام 2002 كانت كبيرة، حيث تسابق الجميع في البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي للترحيب والاشادة به، واحتضانه وأخذ الصور معه.
في عام 2007، أعلن نيلسون مانديلا عن تشكيل مجلس حكماء العالم (Global Elders) والذي جمع فيه العديد من الشخصيات العالمية، مثل الرئيس السابق جيمي كارتر، والسيدة ماري روبنسون رئيسة جمهورية ايرلندا، والأسقف دزموند توتو وآخرين، وقد زار وفد منه برئاسة جيمي كارتر قطاع غزة أكثر من مرة، والتقى رئيس الوزراء إسماعيل هنية.
مانديلا: ذكرى وذاكرة وأثر
لقد علمنا التاريخ أن في مسيرة كل رجل عظيم صفحات مضيئة يمكن للأجيال أن تأخذ منها وتتعلم.. فمسيرة العظماء كبستان الأزهار، يمكنك أن تقطف منه كل جميل وتزحم أنفك فيه روائح المسك والعنبر، وهي كذلك كالمتحف الذي يعود بك إلى ذكريات المجد والخلود وصنائع المعروف التي سطرتها أيادي من سبق من الخلائق والبشر.
كان نيلسون مانديلا رمزاً للوطنية الصادقة، والثائر العنيد، والمناضل الصلب الذي واجه ظلم السجَّان والحاكم، وكان صاحب الرأي الحكيم الذي تحمَّل الأذى وقهره بالمرونة والتسامح، وكان القائد والزعيم الذي قدّر فيه شعبه شجاعته وصبره ونور بصيرته.
مضى مانديلا وفي الذاكرة له صورتان؛ الشاب الثائر ضد التفرقة العنصرية ونظام الابرتهايد، والذي قضى جُلَّ عمره مقيداً بزرد السلاسل خلف القضبان، والرئيس الذي قاد شعبه إلى التعايش والتآخي وارتقى بمفهوم الحرية ورسخ معنى الكرامة لبني الإنسان.
اتذكر تلك السنوات في منتصف الثمانينات، حيث كنت طالباً للماجستير في جامعة ميزوري – كولومبيا (UMC)، وكان معنا عدد لا بأس به من الطلاب العرب، كيف كنا نخرج للتظاهر مع حركات الاحتجاج التي تنظمها مجموعات طلابية داخل الجامعة ضد سياسة التمييز العنصري (Apartheid) في جنوب أفريقيا، وكنا نقيم معسكراً صغيراً (Chantey Town) وهو عبارة عن مجموعة من الخيام التي يرابط فيها بعض الطلاب طوال الوقت لتأكيد استمرار فعاليات الاحتجاج، وكنا في هذا التجمع نلتقي ونلقي الكلمات المعبرة عن استيائنا لما تتعرض له الغالبية السوداء في جنوب أفريقيا، ونهتف منددين بالصمت الدولي وبالسياسة الأمريكية لعدم تحركها لعمل شيء ضد ما يجري من سياسات عنصرية وانتهاكات لحقوق الإنسان وكرامته هناك.
لم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى تحركت الإدارة الأمريكية وبدأت سياسة المقاطعة لحكومة جنوب أفريقيا، والتي تشجعت بعدها الكثير من الدول الغربية لحذو حذوها، الأمر الذي دفع حكومة دو كليرك للرضوخ للضغوط الدولية والتعجيل بنهاية نظام الابرتهايد.
من اللطائف التي قرأناها في كتاب "المسيرة الطويلة نحو الحرية" للراحل العظيم نيلسون مانديلا تلك المعاني الجميلة لإنسانيته، حيث قام بزيارة جلاديه وشرب الشاي في منازل بعضهم، وأقام حفلات استقبال لآخرين.
دروس وعبر من حياة الراحل العظيم
دافع الغرب مطولاً عن نظام الفصل العنصري، وعندما اتسعت جرائم النظام وفاقت كل احتمال وتصور، شرعت الدول الغربية في التراجع، وكانت بريطانيا القوة المستعمرة السابقة لجنوب أفريقيا والولايات المتحدة القوة الحامية لنظام التمييز العنصري غير قادرتين على تحمل الممارسات اللاأخلاقية لهذا النظام، والتي أضحت تشكل حرجاً سياسياً وعبئاً كبيراً عليهما.. بدأ نظام العقوبات الدولية (Economic Sanction) على نظام بريتوريا، وراح هذا النظام يتصاعد ليشمل الجوانب السياسية، ليستخلص أركان النظام أن ما يوفره لهم نظام التمييز العنصري يخسرونه أضعافاً مضاعفة بفعل العقوبات الدولية والمقاطعة السياسية.
كانت تلك اللحظة التي التقطها مانديلا ليحسم مواقفه وخيارته، وذلك منذ أن قابله رئيس النظام - آنذاك - بيتر بوتا في عام 1986، حيث أطلق موقفه الشهير والمتعلق بالحوار والمصالحة والتسامح في الداخل.
باتت المصالحة وحدها هي خشبة الخلاص للأقلية البيضاء والحزب الوطني الحاكم، الذي أوكل قيادته إلى دو كليرك؛ أكثر الشخصيات اعتدالاً وبراغماتية، والذي كان صنو مانديلا خلال المفاوضات، حيث تمكن الرجلان – بحكمتهما - من التوصل إلى إنهاء سلمي لنظام التمييز العنصري وإقامة الديموقراطية التعددية، ليصبح مانديلا أول رئيس أسود - منتخب ديموقراطياً - للبلاد في مايو 1994 .
كثف مانديلا - طيلة فترة رئاسته - من مبادرات الصفح والمصالحة، وذلك بهدف تشجيع الغالبية السوداء، وطمأنة الأقلية البيضاء التي كانت – آنذاك وربما حتى الآن - ما تزال ممسكة بالمفاصل المالية والعسكرية في البلاد.. كان المحور المركزي للمصالحة هو لجنة الحقيقة والمصالحة (Truth & Reconciliation Commission) التي أنشئت في نهاية عام 1995، وترأسها الأسقف دزموند توتو؛ الضمير الحي للنضال ضد الفصل العنصري. وقد استمعت تلك اللجنة إلى شهادة أكثر من ثلاثين ألف ضحية وجلاد، واقترحت العفو والصفح مقابل اعترافات علنية.
وهنا تكمن عظمة مانديلا الذي صفح عن جلاديه، استناداً إلى حسابات سياسية وأخلاقية، وجعل من نفسه قدوة في مشروع المصالحة والصفح، فكان أن تمَّ النظر إليه في بلاده وحول العالم بالفاتح الذي قهر نظام التمييز العنصري بحنكة وجدارة.
لقد أدرك مانديلا أن خيار "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وحده هو ما سوف يجنب بلده الاقتتال الداخلي.. وقد ردَّ في أكثر من مرة على منتقديه، الذين كانوا يعاتبونه ويأخذون عليه تقديم الكثير من المبادرات حيال الأقلية البيضاء (الأفريكانرز)، بالقول: "لو لم تكن المصالحة سياستنا الأساسية، لكنا شاهدنا البلاد تغرق في بحر من الدماء".. لقد راهن مانديلا على خيار "غداً سيكون هناك بلاد أخرى"، وأن روح أفريقيا "أوبنتو" هي التي سوف تسود، حيث يعود الإنسان لعشق إنسانيته والتخلص من أوشاب "الأنا"، ليبني تحت الشمس مكاناً لأمته.
اليوم، ونحن نرصد كلمات العزاء في الراحل العظيم، كان التذكير لنا جميعاً كفلسطينيين بأن الحفاظ على وحدتنا يتطلب منا جميعاً تقديم التنازلات؛ الطرف القوي قبل الضعيف، حتى يسود الوطن الأمن والأمان، ويتحقق فيه الهدوء والاستقرار، ويعم حياة أبنائه الطموح والازدهار.
نحن - حقيقة - بحاجة إلى تحرك وطني على شاكلة لجنة الحقيقة والمصالحة، حيث يقدم كل منا اعتذاره لأخيه ووطنه، والعيش معه لحظة من التسامح والتغافر تجبر ما لحق به من قلق نفسي وضرر معنوي، وتمهد الطريق لعودة روح التآخي والتصافي ونشوة الشوق لحماية ثغور الوطن.
لقد علمنا منديلا أن نبتعد عن لغة العداء، ونتجنب مصطلحات الكراهية وسلوكيات الانتقام، لأن الجرح في الكف وبيت العزاء واحد.. اليوم، تعيش جنوب أفريقيا الجديدة بدون تفرقة عنصرية، ويرفرف في سمائها علم واحد، والكل يعمل بكل حيوية وجد لنهضة البلاد، والكل في عطائه وكأنهم - حقيقة - على قلب رجل واحد.
لقد علمنا مانديلا فلسفة التداول السلمي للسلطة، وذلك حين أصرَّ على عدم الترشح لدورة رئاسية ثانية ليفسح المجال لجيل الشباب من بعده، وليتفرغ بحكمته وتاريخه مرشداً وهادياً وخادماً لشعبه .
لقد علمنا مانديلا أن بإمكاننا أن نعيش تحت سقف وطن واحد حتى مع اختلاف اللغة والدين والعرق، إذا كان الجميع تحت حكم القانون سواء، وتسود أجواء الحرية والمساواة بين الجميع.
لقد علمنا مانديلا كيف يكون الكفاح، وكيف يكون التفاوض، وكيف يتحقق مع الصبر والحكمة التمكين والنجاح، وكيف يمكن أن تحل اللقاءات والوساطات مكان القوة والعنف في إنهاء الأزمات.
لقد علمنا مانديلا بأن التحولات السياسية هي بطبيعتها صدامية، ولكن صاحب الزمان هو من يمتلك الرؤية للخلاص وقيادة البلاد، وصناعة أمة يمكنها أن تتعافى من أزماتها وأن تقود.
لقد علمنا مانديلا بأن التفاوض لحل الخلافات المزمنة والأزمات المستعصية بين أبناء الوطن الواحد ليس فيه رابح وخاسر، بل علي طرفي الأزمة والخلاف العمل للوصول إلى حالة يكون فيه الجميع من الرابحين.
لقد علمنا مانديلا أن القائد يمكنه أن يربح معركته مرتين؛ واحدة لشعبه، والثانية للبشرية جمعاء، حيث كان انتصاره على سياسات التمييز العنصري في بلاده، وشطبه أو جعله سياسة منبوذة تحاربها الدول والشعوب، كما نشاهد اليوم حملات التنديد بإسرائيل بين شعوب العالم باعتبارها دولة أبرتهايد.
لقد علمنا مانديلا أن في حياة كل أمة رجال على كاهلهم تقع مسئولية البناء ومراتب النهوض، وهم من تحفظ الأجيال ذكراهم، لأنهم تركوا خلفهم نهجاً وأثر.
لقد علمنا مانديلا أن حياة الأَسر والاعتقال ليست كلها عذابات وشر، فجزيرة روبن كانت بالنسبة إليه كجامعة، وفي زنزانته هناك كانت المراجعات واكتساب مهارات التفاوض بأستاذية عالية.. لقد كان يرسم خارطة الطريق لخلاص شعبه وأبناء وطنه، ومن بين أطواقها التي اكتحلت بسواد الليل وبرده خرج - مرفوع الهامة يمشي ملكاً -إلى بوابات القصر الرئاسي؛ زعيماً وقائداً ينثر ورود التسامح وينزع البغضاء ورغبات الانتقام من قلوب أبناء شعبه، ويأخذ بأيديهم إلى بناء وطن جديد تسود فيه علاقات المحبة والتآخي والعيش المشترك.
نحن أبناء فلسطين اليوم أحوج من غيرنا لقراءة تجربة هذا الراحل العظيم، لأخذ الدروس والعبر، والوعي بفقه الأولويات، وبكيفية التعامل مع الأزمات ومواجهة التحديات والصعاب.
أتمنى أن يكون كل من شاركنا بيت العزاء في فندق الكومودور على شاطئ بحر غزة، واستمع لكل الذين تحدثوا من فصائل العمل الوطني والإسلامي ومن الشخصيات المستقلة، قد أدرك وطنية الكلمات والدعوات التي سادت خطاب الجميع، والتي عبرت بصدق عن مطالب شعبنا لقياداته السياسية بسرعة التحرك لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.
وداعاً مانديلا.. وداعاً يا سيد الحكماء


