خبر : في ذكراها الـ26 .. الفلسطينيون يصنعون المجد بـ "الحجارة "

الأحد 08 ديسمبر 2013 09:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في ذكراها الـ26 .. الفلسطينيون يصنعون المجد بـ "الحجارة "



شرارة الانطلاق :
1987م ، سائق "اسرائيلي" يقود شاحنة "حمقاء" ، يمتلئ قلبه بالحقد الذي لا يوصف ، تسير الشاحنة عند معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة ، المغتصب آنذاك ، تستفحل فيه اللاإنسانية ، ليدهس أربعة عمال فلسطينيين ارتقوا شهداء ، لتعصف روح الثأر بالشعب الفلسطيني وينتفض على الاحتلال .

هذه كانت الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى " انتفاضة الحجارة " كما يسميها الفلسطينيون ، الذين مرغوا أنف مغتصبهم وحلفائه التراب، بدأت الانتفاضة في 8/12/1987م وانطلقت شرارتها من جباليا ، ثم امتدت الى باقي المدن الفلسطينية .

وبدا أن الفلسطينيين يتنفسون الغضب وتدب فيهم روح الثأر منذ اغتصبت "اسرائيل" أرضهم عام 1948م ، وزاد "الطين بلة" احتلال "اسرائيل" للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م ، لتأتي حادثة دهس العمال لتكون بمثابة "القشة" التي أشعلت النار لتحرق كيان "اسرائيل" . وخلال تشييعهم للشهداء الأربعة اندلعت مواجهات بالحجارة بين الشبان الفلسطينيين ، وجنود الاحتلال في احد المواقع العسكرية التي كانت منشرة آنذاك ، ليستشهد حينها عدد آخر من الفلسطينيين ليزيد النار اشتعالا .

لم تكن هذه وحدها اسباب الانتفاضة ، بل ان عدم تقبل الاحتلال للفلسطينيين ، وتردٍ وتدهور في الأوضاع الاقتصادية ، وتفتيش يومي للبيوت والسيارات ، وخضوع الفلسطينيين للإذلال اليومي ، كل ذلك كان يحدث دون علم القيادة الفلسطينية في المنفى بما يجري في الداخل ،وكانت منظمة التحرير في تونس تعمل على إنشاء محور عمان- القاهرة لحماية ياسر عرفات عوض العمل على إيجاد حل لقضية اللاجئين أو الفلسطينيين.

الرد السياسي والعسكري الإسرائيلي


في اليوم الثالث للانتفاضة، توجه إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نيويورك دون أن يأخذ أي إجراءات لمواجهة الانتفاضة. وفي غيابه قام إسحق شامير بمهام وزير الدفاع رغم كونه لم يعمل في هذا المنصب من قبل. كما أن رئيس الأركان في تلك الفترة كان حديث عهد بمنصبه ولم تكن له خبرة في مواجهة الثورات الفلسطينية. والحقيقة أن أي شخصية أمنية أو عسكرية إسرائيلية لم تكن تتوقع أن تقوم انتفاضة فلسطينية بتلك القوة. وقد سمحت هذه الظروف بانتقال الانتفاضة من قطاع غزة إلى نابلس ومخيم بلاطة ومن ثم انتشرت إلى بقية أنحاء الضفة الغربية.

عند وصول رابين إلى نيويورك تحدث وزير الدفاع الأمريكي عن الانتفاضة بإيجاز مما كان يدل على أن البعثة الإسرائيلية لم تكن تهتم بما كان يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يضاف إلى ذلك أن الفريق المكلف بنقل الأخبار إلى رابين كان قليل الخبرة فلم يكن رابين مهتما بما يجرى وكان شغله الشاغل أن يتم صفقة شراء أسلحة. وعند عودته، لم يكن رابين يعلم الكثير عما يحدث وقام بعقد ندوة صحفية في المطار أكد خلالها أن إيران وسوريا تقفان وراء اندلاع الانتفاضة. فارتكب بذلك خطأ شنيعا، حسب المراقبين، لأن تصريحه كان يتعارض مع تصريحات شامير الذي حمل منظمة التحرير مسؤولية ما يحدث، كما أن المراقبين أجمعوا بأن الانتفاضة كانت عفوية ولم يكن يقف وراءها أحد.

أعلن إسحق رابين خلال كلمة في الكنيست الإسرائيلي: "سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك". وأضاف قائلاً "سنكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك". ووصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها في شهر فبراير/شباط عندما نشر مصور إسرائيلي صور جنود يكسرون أذرع فلسطينيين عزل باستخدام الحجارة في نابلس عملاً بما هدد به رابين. ودارت تلك الصور حول العالم مما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين. أما إسرائيل فقد قامت بسياسة لتهميش منظمة التحرير والإيقاع بين حركة حماس والفصائل الأخرى.

أساليب مبتكرة


وكعادة الفلسطينيين بعدم الاستسلام وابتكار أدوات لمقارعة العدو ، فابتكروا ظاهرة العصيان المدني لتمتد الى الأراضي المحتلة كافة . في الوقت ذاته ، كانت محاولات الاحتلال وقيادتيه السياسية والعسكرية لا تتوقف في البحث عن حلول لتوقف الانتفاضة ، واستخدام الاجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين من ضرب واعتقالات ، غير أن هذا كله زاد من عزيمة الفلسطينيين .

وكعادتهن ، أدت النساء الفلسطينيات دورهن في الانتفاضة حيث شكلن ثلثها تقريبا ، حيث زادت مشاركة المرأة في رمي الحجارة وتنظيم المظاهرات ، أو حتى توفير المواد للمنتفضين .
ومع أن هذه الانتفاضة عرفت بطابعها السلمي ، الا أنها لم تخلُ من بعض المواجهات المسلحة التي قادتها حركة "حماس" والتي أعلنت انطلاقتها مع بداية الإنتفاضة ، لتستهدف المستوطنين والجنود على حد سواء ، معتبرة أن المستوطن جندي كونه يحمل السلاح ليقتل الفلسطينيين .

سعى الفلسطينيون عبر الانتفاضة إلى تحقيق عدة أهداف يمكن تقسيمها إلى ثوابت فلسطينية ومطالب وطنية ،أما الثوابت الفلسطينية فتمثلت في : إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيره ، وتفكيك المستوطنات ، وعودة اللاجئين دون قيد أو شرط ، و تقوية الاقتصاد الفلسطيني: تمهيدا للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.

وأما المطالب الوطنية فكانت : إخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية. ووقف المحاكمات العسكرية الصورية والاعتقالات الإدارية السياسية والإبعاد والترحيل الفردي والجماعي للمواطنين والنشطاء الفلسطينيين ، بالإضافة الى لم شمل العائلات الفلسطينية من الداخل والخارج.

نتائج الانتفاضة

حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة، إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين.

ادركت إسرائيل أن للاحتلال تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني كما أن القيادة العسكرية أعلنت عن عدم وجود حل عسكري للصراع مع الفلسطينيين، مما يعني ضرورة البحث عن حل سياسي بالرغم الرفض الذي أبداه رئيس الوزراء إسحق شامير عن بحث أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين.

فجاء مؤتمر مدريد الذي شكل بداية لمفاوضات السلام الثنائية بين إسرائيل والدول العربية وتم التشاور مع الفلسطينيين حول حكم ذاتي. تم اجراء بعد ذلك عدد من المفاوضات غير العلنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في النرويج التي ادت إلى التوصل لاتفاق أوسلو الذي أدى إلى انسحاب إسرائيلي تدريجي من المدن الفلسطينية، بدأً بغزة وأريحا أولاً، عام 1994، وتواصل مع باقي الـمدن باستثناء القدس وقلب مدينة الخليل، مما يتنافى مع الاتفاق.

كان قد سبق التوقيع تبادل عدد من الرسائل بين ياسر عرفات وإسحق رابين تعترف فيه منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود وتتخلى عن اللجوء إلى الإرهاب، المقصود به مقاومة الاحتلال من وجهة النظر الإسرائيلية. في المقابل تلتزم إسرائيل بإيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل الشعب الفلسطيني.

تم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت لها السيادة مكان الإدارة المدنية الإسرائيلية تنفيذاً للاتفاقات الموقعة. في سبتمبر من عام 1995 تم توقيع اتفاق جديد سمي بأوسلو 2 وتضمن توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني من خلال تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني وهو هيئة حكم ذاتي فلسطينية منتخبة. وفي 20 يناير سنة 1996، تم اجراء أول انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية.

في أغسطس من عام 2004، تم نقل الصلاحيات والمسؤولية إلى ممثلين فلسطينيين في الضفة الغربية في خمسة مجالات محددة: التعليم والثقافة، الصحة، الرفاه الاجتماعي، الضرائب المباشرة والسياحة.