استجابت محكمة الصلح في بئر السبع أمس لطلب الشرطة استصدار أمر لوسائل الاعلام المختلفة بتسليم كل الصور التي في حوزتها من الاضطرابات في مفترق حورة يوم السبت. جهاز إنفاذ القانون في مشكلة. فحسب كل المؤشرات تقف اسرائيل أمام نوايا خوض انتفاضة مشتركة للبدو من النقب، عرب اسرائيل ومنظمات اليسار – فيما أن ذريعة الشعلة هي مخطط برافر لاعادة توطين آلاف البدو في النقب.
ولكن حتى قبل أن ندخل الى المشكلة الوطنية التي ينبغي للشرطة أن تتصدى لها، فان المعركة تبدأ بخطوة مغلوطة. رد فوري من كل صحفي في دولة ديمقراطية يجب أن يرفض الطلب الشرطي بتعاون من هذا النوع بين جهاز انفاذ القانون ووسائل الاعلام. ونحن نضطر الى أن نعود مرة اخرى الى المبررات المعروفة، التي سبق أن عرضناها في قضية الدعوى الشرطية ضد مصورة "مكور ريشون"، ميري تساحي، قبل سنتين. لدى المصورة كانت صور اعمال شغب الشبان في معسكر لواء افرايم، بما في ذلك العنف ضد قائد اللواء في ذاك الوقت. الرد الأول، الغريزي، كان أنه ارتُكبت بالفعل مخالفات في معسكر اللواء من جانب الشبان من البلدات المجاورة على ما يبدو. ولكن لا يحتمل أن يُطالب الصحفيون من الشرطة بأن يحلوا لها مشكلة الشغب هناك. واذا ما فعل الصحفي ذلك فانه يفقد مكانته في نظر الجمهور ولا يعود بوسعه أداء مهامه في مراكز الأحداث مثل عنف المشاغبين البدو في مفترق حورة.
الفكر الذي وجه خطى أسرة تحرير "مكور ريشون" ونال الاسناد من مجلس الصحافة وكذا المحكمة المركزية كان أنه فقط في حالات شاذة للغاية على الصحفي أو المصور أن يسلم كل المعلومات التي في حوزته الى الشرطة أو الى جهة انفاذ اخرى للقانون. هذه الحالات يمكن أن تكون قتل أو عنف شديد مثل الاغتصاب. في مثل هذه الحالات لا مبرر للحفاظ على الصور اذا كان يمكن لها أن تشكل دليلا.
في حالة الاضطرابات في حورة وفي اماكن اخرى في البلاد يوم السبت، فان الحديث يدور عن أحداث من نوع آخر تماما. حتى لو كان واضحا أنه ارتُكبت في اثناء الاضطرابات مخالفات، وحتى لو كان واضحا بأنه يوجد في هذه الاضطرابات زعماء يتصدرون تنفيذ مخالفات عنف بل واثارة التمرد ضد الدولة – فلا مبرر لمطالبة وسائل الاعلام بأن تسلم كل الصور. فالصحافة ليست وكالة الاستخبارات في خدمة جهاز انفاذ القانون. الصحفي لا يسلم إخطارات قبل المظاهرات أو الاضطرابات حتى عندما يكون واضحا له بأنه من المتوقع اعمال اخلال بالنظام. وهكذا ايضا لا حاجة ال التوقع منه أن يسلم نتائجه بعد وقوع الفعل.
إن الطلب أمس من وسائل الاعلام كفيل بأن يظهر كمس بحرية الصحافة في اسرائيل. فليس من مهمة وسائل الاعلام تقديم المشورة لسلطات انفاذ القانون في كيفية جمع الأدلة على ارتكاب مخالفات في اثناء المظاهرات أو اعمال الاخلال بالنظام. ولما حصل أن كنا في هذا الفيلم من قبل، وسبق أن كانت منظمات يسارية طُلب منها تسليم صور وكما يُذكر كانت حالة المصورة ميري تساحي، فقد كان من المتوقع من المستشار القانوني يهودا فينشتاين أن يصدر تعليمات واضحة في هذا الموضوع، بروح قرارات محكمة العدل العليا وبروح الفكر الليبرالي السائد في اسرائيل لحرية الصحافة.
وبذات النفس ينبغي أن نذكر قرار محكمة الصلح أمس. بالفعل قرار المحكمة مُلزم. ولكن ما الذي دفع حضرة المحكمة الى أن تقرر بروح تتعارض بشكل مطلق مع ما هو سائد في وسائل الاعلام الاسرائيلية؟ ثمة الكثير مما يمكن قوله عن الاعلام الاسرائيلي وثمة انتقاد مبرر لنشاطه. ولكن تغطية الاضطرابات والمظاهرات في مواضيع مركزية هي عمل تقوم فيه وسائل الاعلام المحلية برسالة واضحة تتعلق بحق الجمهور في المعرفة. فلا يمكن اخفاء مظاهرات كتلك التي كانت يوم السبت، ولا حاجة الى خلق تهديد أو ظل تهديد على المحررين، المراسلين والمصورين عند انطلاقهم لتنفيذ مهامهم في الميدان. مطلوب الآن استئناف في هيئة قضائية أعلى ضد الأمر القاضي بتسليم الصور. اذا لم تجري التفافة حدوة حصان من جانب سلطات انفاذ القانون والمحكمة، فمن المتوقع خرق كثيف للأمر من جانب رجال الاعلام.


