خبر : رجل حماس القوي: محمد ضيف \ بقلم: أساف جبور \ معاريف

الأربعاء 13 نوفمبر 2013 02:49 م / بتوقيت القدس +2GMT



          حماس أواخر 2013 هي منظمة مختلفة على نحو ظاهر مما كانت عليه قبل سنة، قبل حملة عمود السحاب. فقد صفي في هذه الحملة من كان كلي القدرة في القطاع، رئيس الذراع  العسكري احمد الجعبري، وهذا الفراغ، بكل معنى الكلمة، ملأه الان من كان معروفا جيدا ليس فقط في القطاع بل وفي اسرائيل ايضا – الارهابي الكبير محمد ضيف.

          ضيف هو من يقف على رأس الهرم كقائد عام لكتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري للمنظمة. فبعد أن نجا من عدة محاولات تصفية للجيش الاسرائيلي في اثنائها فقد عينا، ساقين ويدين، وضعه الصحي ليس واضحا. فهو مشلول على كرسي المقعدين، الا أنه رغم عجزه فهو الذي يصدر الاوامر والتعليمات للمقاتلين ويتصدر ضمن امور اخرى المساعي لتصعيد نشاطات حماس في يهودا والسامرة (الضفة) وبناء بنية تحتية متجددة للمنظمة. العجز، كما يجدر بالذكر، لا يشكل قيدا في نظر رجال حماس. فالشيخ احمد ياسين، الذي أسس حماس وكان زعيمها غير المنازع، أدى في قسم هام من حياته مهامه على كرسي المقعدين وحرك نشاطا ارهابيا كثيفا ضد اسرائيل الى أن صفي.

          ولكن ليست فقط الضربة التي تلقتها في الحملة هي التي غيرت وضعها، فبقدر لا يقل عن ذلك اثر الرهان الفاشل الذي عقده زعماؤها على ما بدا كفرصة كبرى – صعود الاخوان المسلمين ومحمد مرسي الى الحكم. من سرق الاوراق واصبح كابوسا لحماس هم رجال الجيش المصري وعلى رأسهم وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي.

          والان بدأت حماس تتكيف مع الواقع المرير، وقيادتها، وكذا قادة الذراع العسكري فيها، اجتازوا مرحلة الازمة الكبرى، ويجدون السبل لتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والعملياتية، وينجحون في البقاء والحفاظ على نظامهم في قطاع غزة.

          الازمة الكبرى

          2012 كانت سنة حرجة بالنسبة لحماس. فواثقون من نجاح الاخوان المسلمين في مصر، قرر قادة المنظمة ترك البيت الحميم في دمشق، هجر بشار الاسد في حربه ضد الثوار، والاحتماء في الحضن الدافىء لحكم الاخوان المسلمين في مصر. رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، اغلق مكاتب القيادة السياسية في دمشق، وانتشر اعضاؤه بين لبنان، قطر ومصر، وانتهت قصة الغرام التاريخية بين سوريا وحماس للاتهامات من جانب المنظمة ضد الاسد الذي يذبح شعبه.

ولكن عندها جاء كما اسلفنا سقوط نظام الاخوان المسلمين في مصر، واصبحت حماس مكروهة في نظر نظام  السيسي. واتهم الجيش المصري حماس بالارهاب الذي يعربد في سيناء وشرع في حرب ابادة ضد نشاط انفاق التهريب التي شكلت انبوب اكسجين اقتصادي مركزي لقطاع غزة. وتوقف تدفق السلاح الى قطاع غزة وعبور اموال الضرائب الهائلة التي تجبيها حماس لقاء النشاط التحت أرضي في هذه الانفاق، التي دمرت الواحد تلو الاخر.

النزاع مع ايران

          هجر المنظمة لسوريا استقبل بغضب في طهران، التي كانت دفعت في الماضي لحماس اموالا كثيرة. كما أن تيار المال هذا خبا وفي ضوء الوضع اليائس لم يتبقَ للمنظمة خيار غير محاولة رأب الصداع مع ايران. ويبذل مشعل جهودا جمة على استئناف العلاقات معها وعلى اقناع آية الله علي خمينئي للعودة الى الثقة بمنظمته، كجزء من الثورة الاسلامية التي يسعى الى قيادتها. والتقدير هو أن النار المتجددة مؤخرا من قطاع غزة، والنفق المتفجر الذي اعدته حماس في الاسابيع الاخيرة، موجهة أولا وقبل كل شيء نحو العيون الايرانية لاقناعها بان الانتفاضة في غزة لا تزال حية ترزق وانه رغم الاتفاقات مع اسرائيل فان حماس لا تزال تعمل من تحت الارض ضد "العدو الصهيوني".

          حتى الان لم تنجح محاولات المصالحة مع طهران. احد الاسباب الاساس هو محاولة ايران خلق صورة جديدة حيال الغرب، ولا سيما حيال الولايات المتحدة. وهي لا تسارع الى أن تتبنى الى حضنها حماس مرة اخرى، التي تصفها واشنطن كمنظمة ارهاب وفي الطريق تسعى ايران الى ان تلقن منظمة حماس درسا.

          في القطاع ايضا توجد لحماس مشاكل وهي تعيش حربا طويلة ضد منظمة الجهاد الاسلامي التي تواصل تلقي الدعم من الايرانيين وجمع القوة. ولزيادة قوتها تدير منظمة الجهاد شبكة دعوة مهمتها جمع التأييد، العطف والقوة والاستثمار في عائلات السجناء والمحتاجين.

          كما أن منظمات اصغر مثل التمرد وهيئات سلفية اخرى تشكل تحديا لقدرة حماس على الحكم وتحاول القضم من قوة المنظمة، التي لا تزال تعتبر رب البيت في القطاع.

          خلية السيطرة

          كما أسلفنا، فان تصفية رئيس الذراع العسكري لحماس، احمد الجعبري، في الايام الاولى لعمود السحاب، احدثت هزة شديدة بل وصدمة في المنظمة. ووجد المقاتلون في الميدان صعوبة في العمل في غياب قائدهم المركزي. والان تجري اعادة تنظيم الخلية العملياتية للذراع العسكري في المنظمة: منصب رئيس الذراع العسكري أخذه عمليا اناس مركزيون مثل مروان عيسى، الذي يعتبر رئيس الذراع، ورائد العطار، الذي يشغل منصب رجل العمليات في المنظمة.

          في حماس يوجهون انتقادا شديدا الى السلطة الفلسطينية التي تستخدم أجهزتها الامنية ضد نشطاء حماس و "التعاون مع العدو الصهيوني". فالتنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة هو احد اسباب فشل مساعي الوحدة الفلسطينية بين حماس وفتح. وتسعى حماس لبذل جهود كبيرة للتسلل والتعزز في مناطق الضفة، دون نجاح كبير حتى الان.

          تغيير المنظومة القتالية

          تلقى الذراع العسكري لحماس تعزيزا هاما منذ صفقة شاليت. فبعض من محرري الصفقة هم شركاء في قرار القيادة احداث تغيير في الاستراتيجية القتالية للقتال. قبل الحملة كانت الفكرة هي استخدام الضغط النفسي والاستنزاف للجبهة الاسرائيلية  الداخلية من خلال القصف الصاروخي المتقطع الى مسافات قريبة لزمن طويل، واطلق صواريخ بعيدة المدى فقط لتحقيق انجازات معنوية اكبر.

          لقد وجدت حماس صعوبة في أن تقدم لسكان القطاع تفسيرات منطقية للدمار الذي الحقه الجيش الاسرائيلي بغزة. ولهذا فقد قررت المنظمة الانتقال الى جولات حربية قصيرة. وبالتشاور مع الايرانيين وبالتنسيق مع الجبهات الاخرى – لبنان، حزب الله، تقرر الانتقال الى انتاج مكثف للصواريخ بعيدة المدى والتسلح بقوة نارية متنوعة مثل الصواريخ للمسافات القصيرة والمتوسطة، الصواريخ المتطورة الموجهة بالليزر ضد دبابات من طراز كورنيت وصواريخ كتف ضد الطائرات من طراز ستريلا، التي يفترض أن تمنع الحركة الحرة لطائرات سلاح الجو في المجال الجوي لقطاع غزة وتوفير ضربة نارية فتاكة لجولة عنف قصيرة الزمن. كما أن بنية الانفاق تعززت، لغرض نقل السلاح والهجوم ضد دوريات الجيش الاسرائيلي والبلدات في اسرائيل. انفاق هجومية مثل النفق المتفجر الذي اكتشفه وفجره الجيش الاسرائيلي مؤخرا، تستهدف السماح بتنفيذ هجوم ارهابي يقوم به نشطاء الذراع العسكري ولضرب المدنيين وخطف الجنود.

          كما حفرت الانفاق ايضا داخل القطاع وهي تستهدف تحسين القتال ضد قوات الجيش الاسرائيلي التي ستتوغل الى المنطقة في المستقبل. وخلق نشطاء حماس عمليا غزة تحت أرضية، مبنية من شبكة انفاق يفترض أن يستخدمها المقاتلون لغرض العبور الامن بين المناطق المختلفة، في ظل هجوم جوي وفي وجه مقاتلي الجيش الاسرائيلي في الحملة القادمة. ومنذ حملة رصاص مصبوب كان استخدام ضيق لهذه الانفاق، لغرض الحركة والاختباء من القصف الجوي للجيش الاسرائيلي.

          وفي السطر الاخير، لا تزال حماس غير مستعدة لمواجهة اخرى مع اسرائيل ورغم استعداداتها الحثيثة، فان قيادتها السياسية وعلى رأسها خالد مشعل لا تزال أقوى من القيادة العسكرية، وهي تولي سياسة احترام اتفاق التهدئة مع اسرائيل.