أحدثت المحادثات الذرية بين ايران والقوى الكبرى الست توترا في العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة تجلى في تصريحات مسؤولين كبار من الطرفين وفي لغة أجسامهم ونغمة كلامهم. وما الذي يجري فيه الحديث في الحقيقة؟ وأين كان رئيس الوزراء على حق وأين كان يمكنه أن يسلك سلوكا مختلفا؟.
تجلى الغضب الاسرائيلي الأول في خطبة رئيس الوزراء في الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد زيارة رئيس ايران الناجحة للولايات المتحدة بوقت قصير واعلان بدء حوار بين الدولتين. وكان خطأ من قبل نتنياهو أن يغضب لمجرد تجديد الحوار مع ايران لأنه يكرر – مثل كل مسؤول اسرائيلي كبير آخر – منذ سنين شعار أن الحل الذي تفضله اسرائيل هو حل سياسي. وكيف يُحرز حل سياسي؟ بالتفاوض. فكيف اذا يمكن الغضب لتجديد التفاوض وغايته كلها احراز حل سياسي؟.
والشيء الثاني الذي يُغضب الاسرائيليين وبلا حق هو جو الصداقة الذي نشأ بين ايران والولايات المتحدة. وليس جو الثقة شرطا لمحادثات ناجعة فقط بل يجب أن نتذكر أن الوفد الايراني الى المحادثات مثل كل وفد آخر يجري في واقع الامر تفاوضين متوازيين. الأول مع القوى الكبرى الست وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والثاني مع السلطة في ايران التي يجب أن توافق على المطالب. والوفد الايراني هو بقدر كبير يشبه وسيطا بين القوى الكبرى وقادة ايران، ولهذا كلما بُذلت ابتسامات وتكريم وتشريفات أصبح تليين المواقف المتشددة أسهل.
أين اذا كان نتنياهو على حق؟ إن رئيس الوزراء على حق فيما يتعلق بخمسة اشياء: الأول أنه يعتقد أن استعداد الولايات المتحدة للتوصل مع ايران الى "اتفاق مرحلي" هنا والآن خطأ. فقد كان من الصواب ترجمة الضغط الواقع على الايرانيين الى إصرار على "تسوية شاملة". لأن الاتفاق المرحلي الذي سيوقع في الجولة التالية كما يبدو سيعطي ايران هواءا للتنفس يجعل من الصعب في المستقبل التوصل الى تسوية شاملة مناسبة.
والشيء الثاني الذي كان فيه نتنياهو على حق هو مضمون ذلك الاتفاق المرحلي الذي تحصل ايران به على تسهيل مالي يحول الى خزينتها التي أخذت تفرغ مليارات من الدولارات وتعطي مقابل ذلك القليل جدا.
والشيء الثالث هو الخشية من أن يستمر التفاوض مع ايران في الاتفاق الشامل أكثر من ستة أشهر (وهي المدة التي اقترحتها الولايات المتحدة). لأنه من غير ضرب أجل مسمى قد يستمر التفاوض الى الأبد – وفي ذلك الوقت تعاني ايران عقوبات حقا لكنها تستمر في تخصيب اليورانيوم ايضا.
والشيء الرابع هو أن نتنياهو مثل مسؤولين اسرائيليين كبار كثيرين، يعتقد أن من الشروط الضرورية لاحراز حل سياسي جيد وجود خيار عسكري صادق. والسلوك الامريكي في هذا الشأن، من تصريحات معلنة لرئيس هيئة الاركان دامبسي، تعترض على عمل عسكري الى الصد عن عمل عسكري في سوريا، أضعف صدق الكليشيه الذي تتحدث عنه جهات امريكية كثيرة وهو أن "كل الخيارات على الطاولة".
وخشية رئيس الوزراء الخامسة هي الأعظم أهمية. فنتنياهو يخشى أن يدع الاتفاق النهائي مع ايران قدرتين: الاولى هي القدرة على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بصورة محدودة حقا وتحت رقابة، لكن مجرد وجود هذه القدرة سيُمكّن ايران من انتاج سلاح ذري في المستقبل البعيد؛ والثانية التسليم بوجود "مفاعل بحث" في أراك، وهو مفاعل يمكن أن تُنتج فيه قنبلة ذرية من البلوتونيوم باستعمال المياه الثقيلة.
وإن الربط غير الناجح بين الدعاوى الصادقة و"الغضب" غير الحق ولغة الجسم الغاضبة أمر غير صالح. كان يُفضل أن تُبارَك الولايات المتحدة علنا على النجاح (الجزئي) للعقوبات، الذي أفضى بايران الى طاولة المباحثات في حال ضعف. ويمكن ايضا أن نُبارك الولايات المتحدة على الجبهة الموحدة نسبيا التي نجحت في انشائها مع خمس دول اخرى (ونؤكد روسيا). وليس من الصحيح الى ذلك أن يعطى الامريكيون درجات (سيئة) علنا.
وفي مقابل ذلك من الممكن ومن الصحيح تأكيد مخاوف اسرائيل المحددة ومحاولة انشاء التزام امريكي باستخدام "قول ليّن مع رسائل متشددة" أكثر صراحة لما هو مهم حقا. إن ألاعيب "نصف الغضب" مع الولايات المتحدة ليست لا تنجح فقط بل تُصعب حوارا موضوعيا مفتوحا يتناول الخطوات التي من الصحيح اتخاذها.


