أخذ العالم الغربي يوحي بالتفاؤل في احتمال حل دبلوماسي، قُبيل جولة المحادثات الثانية بين ايران والغرب في هذا الاسبوع في جنيف. وينبغي أن نأمل أن يكون الامر كذلك، لكن لا يجوز أن يفضي هذا التفاؤل الى هوادة. إن الفحص المتشكك عن الاستراتيجية الايرانية يشير الى استراتيجية مُحكمة غايتها اجتياز ضغط العقوبات الدولية والافضاء الى أن تستطيع ايران تطوير قنبلة ذرية دون أن تكون للغرب قدرة على وقفها.
برغم أن العقوبات الدولية أضرت ضررا شديدا بصناعة النفط وبالاقتصاد الايراني فانها ليست هدفا في حد ذاتها. بل هي وسيلة ترمي الى إحداث ضغط داخلي على النظام الايراني ليغير سياسته خشية أن يفضي استمرارها الى غليان داخلي وعدم استقرار قد يهدد حكمه. ولهذا فان امتحان العقوبات هو امتحان تغيير السياسة الايرانية نتاج ضغط عام.
ليس التغيير المطلوب من السياسة الايرانية هو الموافقة على المفاوضة فقط، بل الموافقة على وقف البرنامج الذري العسكري وتقديم ضمانات صادقة لئلا يكون الاتفاق "معبرا آمنا" لايران نحو القنبلة. إن الاقتراحات الايرانية التي نشرت الى الآن لا تشير الى تغيير استراتيجي في الاتفاق النهائي الذي أصبحت ايران مستعدة للتوقيع عليه، بل الى تغيير تكتيكي فقط في السلوك مع الغرب. وتقترح ايران اتفاقات جزئية تقوي الرقابة على بعض منشآتها وتوقف تخصيب اليورانيوم بدرجة منخفضة – وهذا مقياس لا يكاد يكون فعالا لتقصير وقت الانطلاق نحو القنبلة الذرية اذا ما وجد قرار ايراني.
وفي مقابل ذلك يستعمل "الزعيم الأعلى" خامنئي – وهو متخذ القرارات المركزي في كل ما يتعلق بالبرنامج الذري – يستعمل استراتيجية مُحكمة. فهو يعبر عن شك كبير في استعداد الغرب للتوصل الى اتفاق ويتحفظ من بوادر حسن نية واضحة من الرئيس روحاني مثل المكالمة الهاتفية مع الرئيس اوباما. وهو يؤيد علنا مبادرة تجديد المحادثات – التي ينسبها الى الرئيس وحكومته – وأن ينشأ بهذه الاستراتيجية وضع يكسب منه في كل تطور: لأنه اذا قاد روحاني الى اتفاق لازالة العقوبات الدولية مقابل مصالحة تُمكّن ايران من الحفاظ على قدراتها في المجال الذري، فان "الزعيم الأعلى" يستطيع أن ينسب الى نفسه فضل قرار التوقيع على الاتفاق. واذا فشل روحاني فان خامنئي يستطيع أن يذكر للشعب أنه كان دائما متشككا في نوايا الغرب وأن يُسوغ استمرار "اقتصاد المقاومة" وأن يتيح لنفسه مجال حيلة الى أن تثبت قدرات ايران الذرية.
إن ايران اليوم تملك كمية من المادة المخصبة تكفي لبضع قنابل ذرية؛ وتملك عددا كبيرا من آلات الطرد المركزي – وجزء منها متقدم؛ وتملك قدرة تقنية متقدمة في مجال التخصيب. والتقدير في الغرب هو أن ايران في خلال سنة 2014 تستطيع ايضا أن تستعمل المفاعل الذري في أراك الذي يستطيع أن ينتج مادة انشطارية لقنبلة بلوتونيوم. وبازاء ذلك يبدو أن الوضع المتقدم للبنية التحتية الذرية الايرانية يستطيع أن يُمكّن خامنئي من تجاوز استمرار العقوبات اذا نجح في أن يصرف مسار خيبة أمل شعبه لفشل المحادثات.
ينبغي أن يُفحص في جنيف هل تسعى الاستراتيجية الايرانية الى مصالحة حقيقية أم الى محاولة أن يواجه الغرب "دولة حافة" باعتبارها حقيقة منتهية. ويجب على الغرب الى أن يتضح الجواب أن ينظر في شك في التصريحات والابتسامات وأن يطلب تغييرا جوهريا بسياسة تدعمها أعمال وأن يستعد لسيناريو يُحتاج فيه الى رفع سعر "سياسة جر الأقدام" من قبل طهران.


