خبر : نحن في انتفاضة ثالثة \ بقلم: عاموس جلبوع / معاريف

الإثنين 28 أكتوبر 2013 09:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



       السؤال اذا كان متوقع انتفاضة جديدة في المناطق يعود ليطرح مؤخرا اكثر فاكثر في الخطاب العام. يدعي النهج السائد ان الانتفاضة باتت تنتظرنا خلف الباب كون الفلسطينيين يائسين ولا يوجد اي تقدم في المفاوضات. بل ان ثمة من يعتقدون بانه نضجت الظروف لـ "ربيع فلسطيني". كقاعدة،  يكاد يكون كل حدث عنيف في المناطق يعتبر كمؤشر يدل على عود الثقاب الذي سيتلوه الاشتعال الكبير. يحتمل أن هذا ما سيكون، ولكن رأيي مختلف.

          بداية، بالنسبة لمفهوم الانتفاضة. كل اولئك الذين يشددون على أن بانتظارنا انتفاضة يبدو أنهم يرون امام ناظريهم الانتفاضة الاخيرة (2000 – 2004). الطابع المركزي كان العنف المسلح بلا ضوابط، وأولا وقبل كل شيء العمليات الانتحارية في "المناطق" وفي قلب دولة اسرائيل. وكان منفذوها هم المنظمات الفلسطينية وعلى رأسهم فتح وحماس. واشرفت السلطة على هذه النشاطات، وشاركت قواتها المسلحة في العنف المسلح. بتعبير آخر، فان من يتوقع انتفاضة كهذه يشبه من يعتقد أن الحرب التالية ستكون مثل الحرب التي سبقتها. لقد سبق أن كانت الانتفاضة الاولى (1987 – 1993)، وقد كانت مختلفة في طابعها عن الانتفاضة الثانية: شعبية، غير منظمة، أقل عنفا بكثير، محصورة بـ "المناطق" – ولكن لكلتيهما كان ذات الاسم. ومن يقول ان "الانتفاضة الثالثة" لن تكون مختلفة في جوهرها عن "الانتفاضة الثانية"؟ هل لدى الفلسطينيين قدرة وارادة لتكرار "الانتفاضة الثانية" مع كل الخراب والدمار الذي جلبته على المجتمع الفلسطيني واقتصاده؟ رأيي أننا نوجد منذ زمن ما في "الانتفاضة الثالثة" في الضفة وهذه الانتفاضة يسميها الفلسطينيون "المقاومة الشعبية".

          ما هي مميزاتها؟ قبل كل شيء هي ليست مسلحة، بمعنى أنه لا تستخدم فيها وسائل قتالية "ساخنة" من النار، القنابل واطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية. تستخدم فيها وسائل تعتبر "سلاح بارد": رشق حجارة وزجاجات حارقة، طعنات سكين، دهس، بما في ذلك من الجرافات. كل هذه الاعمال يعرفها ابو مازن ورجال السلطة كـ "اعمال سلمية". اما عمليا بالطبع فيدور الحديث عن أعمال عنف، تلحق قتلى وجرحى ايضا. كما أنها لا تنفذ الا في مناطق الضفة. الميزة الاخيرة هي أن الاعمال تنفذ من قبل أفراد، او من مجموعات صغيرة من الشبان الذين لا ينتمون الى المنظمات الارهابية المعروفة.

          ومثلما يسود عندنا مفهوم "نشيط السلام"، هكذا اليوم يوجد في الضفة "نشطاء المقاومة الشعبية" التي بالنسبة للسلطة هي احد العناصر المركزية في الصراع ضد اسرائيل، الى جانب الكفاح السياسي، الاعلام والقانوني. هذا هو البديل الذي يعرضه ابو مازن على الجمهور الفلسطيني مقابل مفهوم "المقاومة المسلحة" لحماس، والتي لا تجدي برأيه في هذه المرحلة من الكفاح. "المقاومة الشعبية" تستهدف مضايقة اسرائيل، تشجيع الجمهور الاسرائيلي على المطالبة بـ "التنازلات" وان يبدو الفلسطينيون في نظر الاسرة الدولية كمحبين للسلام لا يستخدمون الا "وسائل سلمية" شرعية.

          السلطة الفلسطينية هي التي تدعم ماليا ولوجستيا كل تلك المنظمات "للمقاومة الشعبية"، وهي التي تجند الهيئات الدولية المختلفة لدعم نشط لاعمال "المقاومة الشعبية". وفوق كل شيء، فانها تخلق اجواء التحريض منفلت العقال في الشارع الفلسطيني ضد اسرائيل في كل الوسائل التي تحت تصرفها. الى أين ستتجه "المقاومة الشعبية" بقدر ما يتبين بان المفاوضات مع اسرائيل لن تعطي النتائج المرغوب فيها للسلطة: هل الى "المقاومة المسلحة" التي في مركزها انتحاريون ونار حية في قلب دولة اسرائيل ايضا، مثلما في الانتفاضة الثانية؟ أم أنها ستتطور وتتعاظم تصبح "مقاومة شعبية" واسعة النطاق تضم الالاف؟ واذا كنت سأراهن، فاني أراهن على الامكانية الثانية.