خبر : الدنيا برد يا عم خليل ...لنا شاهين

الأربعاء 23 أكتوبر 2013 01:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
الدنيا برد يا عم خليل ...لنا شاهين



وبتسقي الورد يا عم خليل .. صباحك فل و ياسمين ويعطيك الف عافية .. لكننا في غزة لا نسقي وردنا الحقيقي لاننا لا نزرعه بل نلده .. لا داعي لكل هذه الدهشة فساوضح لك ما قد خفي عليك وانت غارق في رومانسية زائفة تسكنني انا ذاتي كلما اشتد البرد كما هو الحال في هذا الشتاء الاستثنائي ، وعاد صدى تلك الاغنية الرقيقة رقة سرب الفراش الذي يغنيها ، يتردد بين جنبات مستودع ذكرياتي ، الدنيا برد الدنيا برد وعم خليل بيسقي الورد ، كم انت طيب يا عم خليل وكم انت بسيط الى حد يخدع الكثيرين ويجرهم الى الاعتقاد بانك ليس لك اية مطالب ولا حاجات يصعب تحقيقها ، فانت تسقي الورد رغم كل هذا البرد الذي يجعل حاجته للماء معدومة اصلا ، لكنك تحبه وتخشى عليه من احتمال خطر لا وجود له ..
اه ، لا تزال مندهشا ياعم خليل ، معك كل الحق فانا شردت بعيدا ولم اوضح لك بعد كيف اننا في غزة نلد وردنا الحقيقي ولا نزرعه .. الحكاية ببساطة يا هي ان وردنا الحقيقي هو اطفالنا فهم كما تعلم أفلاذ اكبادنا وزينة حياتنا الدنيا ، مع المال طبعا ، وسيبك من المال الان حتى لا تتعقد الحكاية ولا استطيع الفكاك منها.
ووردنا هذا ننتجه بغزارة تشهد لنا بها الاحصائيات الرسمية ، فعدد المواليد في قطاع غزة خلال الربع السنوي الثالث من هذا العام قد بلغ 14330 مولودا اي بواقع 155 مولودا في اليوم ، وانتبهوا ايها السادة الرجال فعدد المواليد من الاناث كان اقل من الذكور ، والحكاية في النهاية عرض وطلب ، والى هنا يا عم خليل تبدو الحكاية عادية الى حد ما ، لكن ما ليس عاديا هو اننا مع كل ما نتعرض له من حصار وانهيار اقتصاد وبطالة وفقر لانستطيع ان نوجه هذا الانتاج توجيها صحيحا او بالاحرى لا نضمن له ، ليس رغد العيش ولكن حتى مجرد حياة كريمة بعد ان ينهي مشواره التعليمي ويفعل كل ما بوسعه ، فباب العمل في غزة شبه موصد ، وابواب التصدير ، اي الهجرة للعمل بالخارج موصدة وبالشمع الاحمر ..
هل فهمت يا عم خليل ؟ لا عليك ، اعرف ان البرد اشد من المعتاد في هذه الايام ، وهو ما قد يؤثر على نشاط الدماغ ، سافكك لك الحكاية ليصبح استيعابها اكثر سهولة ، الست بحاجة الى من يساعدك في عملك وانت متقدم في السن كما ارى ؟ لا ، انسى موضوع الراتب ، قد اصبح بامكانك الان ان تشتري مساعدا وبمبلغ زهيد حيث انه لا يزال صغيرا في طور التربية ، وكل ما عليك هو ان تضمن له المأوى والمأكل والملبس ، والجود من الموجود ، لا ياعم خليل ، انت لم تفهمني بعد ، انا لا اعرض عليك سيف الدين قطز ولا الظاهر بيبرس ، ومن ستشتريه لن يكون اميرا فقائدا لجند المماليك فسلطانا للبلاد والعباد ، ليس لان زمن المماليك قد انتهى ولكن لانه في زمن المماليك الحقيقي كانوا هم السادة والشعب هو المملوك المستعبد ، اما في زماننا هذا فكلنا مماليك مستعبدون .
لا حول ولا قوة الا بالله ، انتظر ياعم خليل ، انت لا تقرأ ، انا ساقرأ لك ، هذا خبر نشر في كثير من المواقع الاخبارية المحلية ، انظر الى الصورة ، هذا المواطن الغزي يعلن عن مزاد لبيع اطفاله ، اربعة بنات و ولد ، زغب الحواصل لا يزالون ، عذرا على استخدام تعبير لا يألفه قاموس لغتك ، اعني انهم في باكورة حياتهم ولا زالوا اطفالا بكل معنى الكلمة ، جُهّال يا عم خليل ، ويقول الاعلان ان والدهم مضطر لبيع بعضهم وليس الكل لانه لم يعد قادر على اعالتهم ، ولا توفير المأوى لهم حسب توقعاته ..
عاين البضاعة كنخاسي العصور الوسطى ، فعصر غزة لا يختلف كثيرا ، هذه طفلة في عمر الزهور ، تبدو بصحة جيدة وقوية البنية ، وايضا وشها بشوش وتبدو مرزقه ، لا ادري لماذا لم تحل بركات وجهها البشوش على والدها ، ولكن البنات عتبات وقد يكون وشها حلو عليك اكتر من ابوها ، خذها ياعم خليل ، وردة تكمل الرومانسية الزائفة للصورة .. اشتريها وبلا ثمن غير التكفل بحاجاتها المعيشية ، وستساعدك في عملك .. تخيل مدى جمال الصورة وشاعريتها والطفلة الوردة تسقي بقية الورد معك في عز البرد !! وذلك النغم الشجي يدغدغ احاسيس كل المستمعين والمشاهدين ، الدنيا برد الدنيا برد ، وعم خليل وجاريته الصغيرة يسقيان الورد .. وسيبك من عمق المأساة وفداحة افرازات الفقر والبطالة التي تجعلك وانت في هذه السن تسقي الورد مع المملوكة الصغيرة ، حتى لا تباع انت ايضا ويعاد بيعها هي ، بينما الاخرون متدثرون متزملون ينعمون بما يسمح به انقطاع الكهرباء وشح بقية مشتقات الوقود من دفء .
اتدرون ماذا يمكن ان تكون الخطوة المتقدمة التالية الى الوراء ، انها وأد الاطفال خشية املاق ، ليس الاناث فقط وان كان من الافضل ان نبدأ بهن على اعتبار اننا في مجتمع شرقي اسلامي لا يجوز فيه للانثى ما يجوز للذكر ، ورغم ان للذكر مثل حظ الانثيين شرعا ، الا ان الخلاص من الانثى يضمن له الجمل بما حمل وزيادة الخير خيرين ، وان لم تكن فكرة وأد الاناث عملية ومقبولة في زماننا فلا بأس من بعض المواربة والتحايل ما دامت النتيجة واحدة ، تهمة الاخلال بالشرف متوفرة في كل الاوقات ، ويغلق المحضر في ساعته وتاريخه .
الظاهر اني حسدت الفلسطينيين عموما على غزارة الانتاج البشري ، مع انها ضرورية ضرورة حتمية لتعويض ما يزهق من ارواحهم على ايدي اعدائهم .. ونتيجة لحسدي للفلسطينيين ، لم يعودوا يكتفون بما يقتله منهم الاخرون ، ثلاث زهرات يبتلعهن اليم في رحلتهن من الموت الى الموت ، نتبعها نحن باربع زهرات اخرى يختنقن بداخل سيارة في الخليل ، كيف ، نفسي حد يفهمني ، فكل ما قرأته من اخبار لا يعطي سببا مقنعا كيف تختنق الفتيات في السيارة حتى لو كانت مغلقة وباحكام ان لم يكن ما خفي اعظم .. وبالمقابل لم افهم سبب دهشة بعض وسائل الاعلام واستغرابها انتحار شاب فلسطيني انفصلت عنه خطيبته ، الى حد التقديم للخبر بعنوان ( حدث هذا في فلسطين ) وكأن الشاب الفلسطيني ممنوع من الصرف العاطفي ، او حسب الكتالوج لا يعمل بقلب ولكن بعضلات ، واحيانا بعقل !!
اعلم انكم تريدون الخلاصة ، وقد حان موعدها .. قفوا معي عند عقل الشباب الفلسطيني .. صدقوني انني كلما قرأت وتابعت بحكم عملي اخبار الاختراعات والابتكارات والاكتشافات التي ينجزها شباب فلسطينيون ، اشعر بالفخر والاعتزار الى حد استحضار مقولة الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل ومنحها الجنسية الفلسطينية ، بكل حسن نية وحياة الله ، يعني بلا اية اطماع في اي شبر من ارض مصر الحبيبة ، لو لم اكن فلسطينية لوددت ان اكون فلسطينية ..
طفلة فلسطينية تفوز بمسابقة عالمية للذكاء العقلي .. طفل اخر يكتشف ثغرة امنية في نظام الفيس بوك ، وشاب يكتشف ثغرة اكبر واخطر ، وخدوا بالكو من حساباتكم على الفيس بوك وما تتبحبحوش في الفضفضة ، خلي اللي في القلب في القلب ، وفتى يحل مشكلة لجوجل وتعينه سفيرا لها ، وشاب يكتشف خطأ في تطبيق سامسونج على الفيس بوك .
اما الاختراعات فحدث ولا حرج ، من استغلال الطاقة الشمسية وانتاج غاز الطهي وبقية مشتقات الوقود باستخدام المخلفات العضوية ، او باستخدام الهيدروجين المستخرج من الماء ، الى توليد الكهرباء بحركة موج البحر او الاستعانة بمياه الصرف الصحي ، والى اكتشاف عالمي في مجال الدواء المسكن ، والى اختراع سيارات للمساعدة في اعمال الزراعة .. قائمة اطول مما اتذكر او مما كنا نتخيل وما يمكن ان يتخيل من يعتقدون اننا شعب لا يعرف الا الهم والغم واللهاث خلف لقمة العيش ، ولا يفهم الا لغة الرصاص .
المضحك المبكي ، او المبكي جدا والى حد الاحباط والاكتئاب هو ان كل هذه الاختراعات الشبابية التي اقر كما يقر الكثيرون غيري بانها عملية وقابلة للتنفيذ ولا خداع فيها او مبالغة ، ويمكن لاي منها ان يخرجنا من كل ازماتنا المعيشية لو تم تطبيقه على نطاق واسع ، تنتهي الى لا شيئ ، نعم لا شيئ بالفعل وعلى ارض الواقع
عقول ابنائنا وحدها لا تنفع وذكاؤهم بمفرده لا ينفع ، فالافادة من هذه الاختراعات المنطقية العملية في القضاء على معاناتنا قضاء مبرما يحتاج الى تصنيع ، والتصينع يحتاج الى مشاريع ، والمشاريع تحتاج الى تمويل سريع .. والبيضة عند الجاجة والجاجة بدها قمحة.. طب ياريت قمحة وبس ، فتوفير المال اللازم لكل هذا دونه الف عائق وعائق ، من سياسي الى عقائدي ، واخوتنا العرب الذين يملكون المال لا يعطونه الا لمن يدفع الثمن من كرامته واستقلال قراره .
لحظه واحدة ، تاهت ولقيناها ، التمويل اللازم لرفع المعاناة عن اهل غزة المحاصرين المسحوقين قد اصبح الان عند اطراف اصابعنا بعد ان اثبتت الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية كم هي غارقة في الاهتمام بالقضية الفلسطينية حتى النخاع ، رفض العضوية الدورية بمجلس الامن ليس بالتضحية السهلة ، وربطها بعجز المجلس عن المعالجة الجدية للقضية الفلسطينية هو عين القومية العربية والاهتمام السرمدي بمأساتنا نحن الفلسطينيين ، وسيبكو من الشائعات المغرضة والتي تغمز من قناة تقاعس المجلس عن القيام بدوره في الاجهاز على نظام بشار الاسد .
تسألونني متى سياتي التمويل من السعودية او من غيرها ، حسن ، دعونا لا نتعجل الامور ولننتظر حتى نتاكد في عام 2032 ان النيزك الذي تتابعه روسيا وتبعتها في ذلك امريكا لن يرتطم بالارض وتقوم القيامة ، ماهو كمان هادي فلوس ناس وبلاش نضيعها في مشاريع يمكن ان يدمرها النيزك بجرة قلم ..
والله الدنيا برد ، ونسينا عم خليل بمفرده يسقي الورد ، فهو لم يشتر الطفلة الغزية المعروضة للبيع بعد ..