صاحبت قبل بضع سنوات طلابا في رحلة الى بولندة. وقد جاءت المرشدة معها الى المراسم التي تمت في معسكر الابادة "مايدنيك" بجهاز تسجيل كبير. وعجبت حينما سألت ما الغاية منه فأوضحت بصورة طبيعية أن الطلاب يحتاجون الى موسيقى كي يبكوا. وأسمعت المرشدة في المراسم بالقرب من نصب كبير أغاني من مجموعة "رماد وغبار" لـ يهودا بوليكر. وخُيل إلي أن الغرض قد أُحرز كاملا تقريبا، فقد كان ذلك انشاءا هازلا للبكاء يستغل حقيقة أن الفتيان يسهل التأثير فيهم. إن عاصفة المشاعر والبكاء والخوف أداة ملائمة لادخال الرسائل القومية. وليس هذا المبدأ محدودا في الرحلات الى بولندة فقط بل هو من أسس التربية في اسرائيل التي يقيم عليها بنيامين نتنياهو جزءا كبيرا من سياسته. إبحث عن الخوف.
جاء بآخر مثال على حكم الخوف الذي يورث من جيل الى جيل، يوفال درور، في مدونة نشرها في بداية الاسبوع الماضي في موقعه في الانترنت. فقد اقتبس هناك من كراسة أصدرتها وزارة التربية وقيادة الجبهة الداخلية تحت عنوان "أنا تلميذ مستعد". وتدعي الكراسة التي تُدرس في الصفوف الخامسة، اعداد الطلاب لزلزال وعمليات وصواريخ وحرب كيميائية وغير ذلك. لكنها في الأساس تُذيع رسالة تقول إن الكارثة التي لا يهم ما هي بالضبط، قد تضرب كل واحد في كل لحظة. ويبدو أن ضبط النفس يُرى صفة ضعفاء ولهذا يُقصف الاولاد بقصص فظيعة. ويقول درور إن ابنته فضلت عدم دخول الدروس الضاغطة التي يؤديها وكلاء مبيعات من قبل قيادة الجبهة الداخلية. وقد يكون هذا هو الرد الطبيعي.
إن التربية على الخوف واحدة من المهمات التي تنجح فيها خاصة وزارة التربية. فهي تبدأ في روضة الاطفال حينما يكون فرعون وهتلر والدول العربية التي ثارت علينا للقضاء عليها خليطا مختلطا واحدا ويستمر ذلك في سني الدراسة الـ 12. ويمكن أن نرى آثار ذلك في الجملة في تدريس التاريخ الذي اقتُلع منه تقريبا كل اشارة الى تعقدٍ أو الى عدة وجهات نظر كتلك التي تحاول الشذوذ قليلا عن حصر العناية في الذات. وتكون النتيجة ترديدا آليا لسلسلة كوارث مع القليل جدا من ذكر السياق، وليس ذلك خطأ، فمنذ سنوات يعلم كبار مسؤولي وزارة التربية أنه توجد حاجة للتمكين من أداء الخطة الدراسية في الدراسة الثانوية الى ثلاث ساعات اسبوعية اخرى. وقد يوافقون في لحظة صدق على قول ذلك علنا ايضا.
إن الخوف مركِب ضروري لتسويغ الترتيب القائم في القصة التي ترويها الأكثرية اليهودية لنفسها عن نفسها. وإن فكرة أنها موجهة الى الخارج فقط – الى الأقلية العربية والى الفلسطينيين في المناطق الذين ليسوا هم سوى متابعين لنهج النازيين وسائر معادي السامية في العالم – هي وهم. إن طالبا رُبي على أن يُفسر الواقع حوله من وجهة نظر الضحية يفضل أن ينطوي وراء أسوار عالية وأن يعيش مع اولئك الذين يشبهونه فقط. فذلك أسهل. والتسامح مع المختلفين – من جهة طبقية وطائفية وثقافية وما أشبه – يتلاشى بالتدريج كما يمكن أن نعرف ذلك ايضا من البحث الطويل الذي أجراه عالم الاجتماع الدكتور عيدان يارون في احدى المدارس الثانوية في وسط البلاد. أنحن شعب واحد؟ لا نكاد نكون قبيلة واحدة.
إن خطا واحدا يربط بين الخوف من كارثة والخوف من طرح اسئلة تاريخية والخوف ممن يخالف نوعا من المتوسط المتخيل. لا نقول إن وزارة التربية قد فعلت القليل جدا في السنوات الاخيرة لتعزيز جانب الحياة الطبيعية بل نقول عكس ذلك، فان جدعون ساعر احتفل بالانطواء والتمايز. وإن تقويم التراث الذي خلفه يتم في تكاسل. فيجب على شاي بيرون أن يخرج من "منطقة راحة" الخوف.


