حدث خلل ما في الشهر الاخير في التناغم الاسرائيلي – الامريكي. فقد سمح أكثر الشعب في الولايات المتحدة، ويا له من وقح، لنفسه بأن يخالف مرتين موقف بنيامين نتنياهو: فقد أظهر عدم رغبة سافرا في توسيع المشاركة العسكرية لبلده في الشرق الاوسط والهجوم على سوريا، وهو يؤيد تفاوضا دبلوماسيا مع ايران. ولندع الشعب. إن الاسوأ هو أنه تبين أن الرئيس براك اوباما يصغي الى ما يفكر به الجمهور.
إن هذا الخلل هو عند معارضي رئيس الوزراء من جانب الحمائم في الخريطة السياسية برهان يأتي في المستقبل على أن الولايات المتحدة ستضغط في هذه المرة على اسرائيل، فهل أخذ يتشكل تغير امريكي فيما يتعلق بحل مشكلة الاحتلال الاسرائيلي؟.
كان يمكن الحصول على نوع من الجواب في المدح الذي صدر عن مسؤول رفيع المستوى في الادارة الامريكية لمحمود عباس على مسامع براك ربيد ("هآرتس" 1/10). فها هو ذا التلميذ المتمرد أبو مازن حسّن تحصيله في المدرسة التي تديرها الولايات المتحدة. "لم تكن خطبته مجابهة وعدوانية كما كانت في سنوات خلت. ولم يعد الفلسطينيون يدفعون قدما باجراءات من جانب واحد"، قال المسؤول الرفيع المستوى ولم يخجل من استعمال لغة الولاية. ونقول بالمناسبة إن التوجه الى الامم المتحدة التي تجمع 193 دولة كان خطوة عديدة الأطراف على نحو واضح وتوجها الى عالم ليس مؤلفا من اسرائيل والولايات المتحدة فقط كما تعلمون.
إن آخر انجاز كبير لادارة اوباما في المجال الاسرائيلي الفلسطيني كان أنها تخلت للجانب القوي وسمحت لاسرائيل بالاستمرار على خطواتها الأحادية الجانب الهوجاء. وفي مقابل ذلك فرضت على زعيم الطرف الضعيف ألا يفي بوعوده لشعبه. فقد عاد أبو مازن الى التفاوض صاداً (للمرة الثانية) تأثير الانضمام الى مؤسسات دولية ومتخليا عن الطلب في الحد الأدنى وهو أن تكف اسرائيل عن بث قنابل عنقودية على هيئة مستوطنات. لكن أربما أخذت تتهيأ وراء الكلمات المستكبرة وسائل الاقناع النوعية التي لم تُستعمل الى الآن كي تنفذ اسرائيل قرارات الامم المتحدة؟ لن تقصفنا الولايات المتحدة كما قصفت دولا اخرى استخفت بالقانون الدولي (العراق وجمهورية الصرب). ولن تضرب علينا حصارا الى درجة الاضرار بالغذاء والدواء كما ضربت على العراق وايران. فبقيت المساعدة المالية.
ذُكر في بحث لجهاز التحقيق التابع لمجلس النواب الامريكي في نيسان من هذا العام أن اسرائيل حصلت من الولايات المتحدة منذ نشأت على مبلغ 118 مليار دولار، وهو شيء يجعلها في مقدمة الحاصلات على المساعدة الخارجية الامريكية منذ كانت الحرب العالمية الثانية. في 2014 سيكون 52 في المائة من المساعدة الخارجية التي سيطلب الرئيس تخصيصها لشراء السلاح مخصصا لاسرائيل. ومن الواضح مع مبالغ كهذه أن كلمة "مساعدة" هي كاذبة. فامريكا تدفع ثمنا كاملا عن خدمات أمنية واستخبارية تحصل عليها من اسرائيل وعن الاشتراك في المصالح بين القوى الكبرى التي تشكلت بينهما وبين الشركات الانتاجية الضخمة فيهما في مجال السلاح ما بعد الحديث. فكيف ستكف الادارة اذا عن دفع هذه المبالغ باعتبار ذلك وسيلة ضغط؟.
لا توشك الولايات المتحدة أن تضغط على اسرائيل، أو ما بقيت جماعة ضغط السلاح وحزام الحلف الجديد والمال والصوت اليهوديان تُرى كلها "الرأي العام الامريكي". إن جهود السلام اليوم تعني أن واشنطن ستستمر على الضغط على الجانب القابل للضغط عليه. فهل يستطيع عباس أن يقنع شعبه بأن اتحاد المحابس الفلسطينية في الضفة الغربية (بلا غزة) هو تسوية دائمة معقولة؟ وهل يُجيز لنفسه أن يوقع على كتاب الاستسلام كما تطلب اسرائيل؟ لقد أثبت عباس نفسه بما أرضى الولايات المتحدة، أنه حاكم فرد لا يحتاج الى مؤسسات واجراءات ديمقراطية. لكنه يعلم ايضا أن توقيعا كهذا لن يكون مساويا للحبر الذي سينفق فيه.


