حظيت جهود رئيس ايران حسن روحاني لاحداث تحول في التصور الغربي عن ايران باسم "هجوم لُطف" في وسائل الاعلام الرائدة في الغرب. اختار روحاني أن يبدأ زيارته للامم المتحدة في هذا الاسبوع بمقالة في صحيفة "واشنطن بوست" عنوانها "لماذا ايران معنية بحوار بنّاء". وزعم روحاني أن برنامج ايران للطاقة الذرية مخصص لأهداف سلمية ولانتاج كهرباء لتنويع مصادر طاقة الدولة. والحديث عن دعوى ايرانية مبتذلة معروفة، وبرغم ذلك اختار روحاني التمسك بها في المقابلة الصحيفة مع شبكة التلفاز "إن.بي.سي" بعد ذلك ببضعة ايام والتي قال فيها: "لم نسعَ قط ولم نطمح أبدا الى احراز سلاح ذري. إن كل ما نريده تقنية ذرية لحاجات سلمية". ولم يتناول روحاني بهذا القول فقط طموحات ايران المستقبلية بل زعم في واقع الامر ايضا أن ايران لم تعمل في الماضي ايضا في تطوير سلاح ذري. ولمس بذلك السؤال المركزي الذي كان يُبحث فيه في العقد الاخير وهو لماذا تنشيء ايران بنية تحتية ذرية واسعة النطاق جدا؟.
قبل نحو من عشر سنوات نشرت وزارة الخارجية الامريكية لوح عرض يُثبت مبلغ ضعف دعاوى ايران حينما تريد أن تسوغ برنامجها الذري. وذُكر أنه برغم أنها تملك احتياطيا ضخما من الغاز، كررت جهات ايرانية زعمها أنها لن تستطيع أن تظل تعتمد في المستقبل على هذه الاحتياطيات.
قال علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية والذي كان في سنة 2003 المندوب الايراني الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن ايران تحتاج الى التحول من استعمال النفط الى رصاص اليورانيوم مصدرا رئيسا لانتاج الطاقة.
ودلّت نتائج بحث وزارة الخارجية الامريكية ايضا على أن لايران كميات ضخمة من النفط والغاز يمكن أن تكفي حاجاتها من الطاقة مدة المئتي السنة القادمة على الأقل. وفي مقابل ذلك توجد فيها مناجم صغيرة جدا من رصاص اليورانيوم ليس فيها ما يكفي لامداد المفاعلات الذرية السبعة المخطط لأن تنتج الكهرباء.
ومع ذلك فان كمية رصاص اليورانيوم التي تملكها ايران تكفي لانتاج عدة قنابل ذرية في كل سنة. وكانت هذه الحقيقة بالنسبة للولايات المتحدة ضوء تحذير من نوايا طهران الحقيقية والتي تبدو دعاواها في شأن المشروع الذري المدني غير صادقة، وأنها تسعى في واقع الامر الى تحقيق خطة لانتاج السلاح الذري.
الارتفاع المثالي للانفجار
هناك سؤال آخر يحتاج الى استيضاح وهو لماذا أصرت ايران طول السنين على تخصيب اليورانيوم بقواها الذاتية. إن لايران مفاعلا ذريا واحدا فقط لانتاج الكهرباء يعمل في بوشهر. ويُستعمل في هذا المفاعل الوقود الذري الذي تمده روسيا به ووعدت هذه ايران بألا يتوقف الامداد. فلماذا رأى الايرانيون حاجة اذا الى انفاق مليارات الدولارات على منشآت تخصيب اليورانيوم في نتناز وفوردو؟.
والى ذلك فان كثيرا من الدول الصناعية ومنها فنلندة واسبانيا وكوريا الجنوبية والسويد تستورد اليورانيوم المخصب بدل أن تنفق على البنية التحتية لتخصيب اليورانيوم غير المجدية من جهة اقتصادية. بل إن 92 في المائة من اليورانيوم الذي يُستعمل في المفاعلات الذرية في الولايات المتحدة مصدره الاستيراد.
من شبه المؤكد أنه يوجد في الدعاوى الايرانية المتعلقة بالمشروع الذري للحاجات السلمية فرض أساسي خفي يرى أن الغرب ساذج وغبي. فحينما بدأت ايران في شهر حزيران 2010 ترفع تخصيب اليورانيوم من درجة 3.5 في المائة الى 20 في المائة، زعم متحدثوها أن هذه الخطوة مخصصة لحاجات مدنية، وأن مفاعل البحث الصغير كان محتاجا الى الوقود الذري لانتاج نظائر مشعة للعلاج الطبي. وبرغم حقيقة أن ايران استهلكت بعد ذلك بسنة كمية تكفي لانتاج نظائر مشعة مدة سبع سنوات، استمرت في استعمال نفس الدعوى الكاذبة عن الحاجات الطبية. إن تصميم الايرانيين على زيادة مخزون اليورانيوم يحركه ادراكهم أن تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 في المائة يُقصر بمقدار النصف المسافة الى تخصيب اليورانيوم المناسب لانتاج سلاح ذري.
يوجد مجال لا يمكن أن يستخفي فيه نشاط التطوير الذري الايراني تحت ذريعة الأهداف المدنية وهو انتاج رؤوس صواريخ ذرية لنظام الصواريخ البالستية مثل شهاب 3 الذي يغطي مداه مساحة اسرائيل.
في توجيه سري في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحضور مندوبي دول كثيرة في شباط 2008، عُرضت وثائق ايرانية وصفت فيها بالتفصيل رؤوس صاروخ شهاب 3. ورسمت هذه الوثائق مسار انطلاق الصاروخ ويشمل ذلك استعمال رأسه الحربي على ارتفاع 600 متر. وعلى حسب ما يرى خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية فان انفجار صاروخ ذي رأس تقليدي في هذا الارتفاع لن يسبب أثرا ذا شأن على الارض، لكن هذا هو الارتفاع المثالي للانفجار الذري كالقنبلة التي أُلقيت على هيروشيما.
وذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيار 2011 يصادق على المخاوف التي أثارها التوجيه في فيينا قبل ذلك بثلاث سنوات، أن خطة البحث العسكري الايرانية اعتمدت على "اخراج المواد المتفجرة التقليدية من رؤوس صواريخ شهاب 3 ووضع شحنة ذرية على هيئة كرة محلها".
جهد مكثف للاخفاء
لن تستطيع حلاوة لسان روحاني في زيارته القريبة لنيويورك ايضا أن تفسر هذا النشاط باعتباره جزءا من "برنامج ذري مدني". وفي هذا السياق تثير الاهتمام حقيقة أن ايران رفضت بقوة طلبات الغرب في السنوات الاخيرة أن يفتش منشأة انتاج رؤوس الصواريخ في بارتسين. واعتمادا على تقدير أن الضغط الغربي في هذا الشأن سيزداد جهدت السلطات الايرانية في السنة الاخيرة جهدا كثيفا للاخفاء وغطت بالاسفلت مناطق يُقدرون أنها ستكون مستهدفة لتفتيش مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إن روحاني في الوقت الذي كان يعمل فيه مستشارا للامن القومي للرئيس السابق خاتمي في 2005 اعترف بأن ايران استغلت التفاوض مع الغرب لكسب وقت لأجل إتمام تطوير منشأة التحويل في أصفهان التي تنتج الوقود الذي يدخل في آلات الطرد المركزي. فقد كانت الدبلوماسية اذا وسيلة للدفع بالبرنامج الذري قدما بصورة سرية في حين كانت ايران تغرس في نفس الغرب انطباع أنها مستعدة للتنازل.
هذه بالضبط الصيغة التي ستوجه روحاني اذا وحينما يتم تفاوض مع الادارة الامريكية. إن ايران في هذه المرة أقرب كثيرا من هدف انتاج السلاح الذري بصورة ذاتية. ويجب على الغرب أن يفحص هل تعرض ايران تنازلات حقيقية ولا تطلق فقط شعارات فارغة عن رغبتها في السلام. فهذا هو المفتاح لوقف برنامج ايران الذري ولضمان الاستقرار في الشرق الاوسط.


