دخل مساعد مذعور ذات يوم على رئيس الوزراء اسحق شمير وأنذره قائلا: "إن مرشحي حزب العمل فازوا في انتخابات اتحادات طلاب الجامعات". فأجاب شمير: "ممتاز، ستزيد الأفاعي عندهم الآن".
لم يسمع براك اوباما جملة شمير الساحقة لكن هذا هو الأساس الذي يُجري سياسته الخارجية عليه في واقع الامر. فبعد العراق وبعد افغانستان، وبعد خيبة الأمل من نتائج خطبته في جامعة القاهرة، وبعد الانقلابات والحروب الداخلية التي جاءت على أثره، "الربيع العربي"، يترك اوباما تربية الأفاعي للآخرين. فاذا كان بوتين يُصر على ادارة الشأن الكيميائي لبشار الاسد فهنيئا له: ستصبح سوريا منذ الآن فصاعدا صداعه. وتنحت امريكا جانبا، فهي لن تكون بعد الآن شرطي العالم ولن تكون أحمق العالم وساذجه.
ليس اوباما أول رئيس امريكي يحاول أن يدير ظهره للعالم فقد سبقه كثيرون. لكن الامر الشاذ في حالته هو الطريق الذي قطعه: لأن الرؤساء يرجون في بدء ولايتهم على نحو عام أن يُحدثوا معجزات في داخل امريكا، ويُجرون بالتدريج طوعا احيانا ومرغمين احيانا الى الشؤون الخارجية. وكان بوش الابن مثالا بارزا، فهو لم يُظهر حتى كانت العملية في ابراج التوائم اهتماما حقيقيا بما يحدث خارج حدود القارة. والحروب التي خرج إليها على أثر ابن لادن حددت رئاسته.
وسار اوباما في طريق عكسي، فقد بدأ بدعاوى كبيرة في السياسة الخارجية ونكص عنها الى الداخل بالتدريج. وقد اختارت لجنة جائزة نوبل النرويجية التي منحته جائزة نوبل للسلام في بداية ولايته الاولى، اختارته فقط لأن اسمه لم يكن بوش. وبهذا تلخص ويتلخص الى الآن إسهامه في سلام العالم.
دخل فلادمير بوتين الى هذا الفراغ. إن شروط بدئه حسنة فعنده الباعث وعنده المال والسلاح وليست عنده معارضة وظروف مقيدة في الداخل. وهو يُبين في كل يوم لرؤساء الدول أنه مخلص لحلفائه وعدو لدود لأعدائهم، بعكس اوباما. إن اوباما يتعوج بين مرسي والسيسي أما بوتين فلا يتعوج ألبتة. إن اولئك الذين اشتاقوا الى فترة الحرب الباردة التي رعت فيها قوتان عظميان دول رعاية يستقبلون طموح بوتين بأذرع مفتوحة.
إن انطواء اوباما الى الداخل يوافق المزاج العام لدى أجزاء كبيرة من الرأي العام الامريكي. لا يعني هذا أن سلوكه يحظى بالمدح لأن اليمينيين الصقور يهاجمون ما يرونه ضعفا واستخذاءا وهربا من المسؤولية وسلوكا غير امريكي؛ أما اولئك الذين يهتمون بالسياسة الخارجية فينظرون في خوف الى تجدد الحرب الباردة؛ واليسار الليبرالي قلق من عدم اكتراث اوباما بازاء ذبح المدنيين ونقض شديد لحقوق الانسان. والجميع قلقون من الفرق بين الخطابة والفعل.
سيكون هذا الاسبوع مليئا بالعناوين الصحفية السياسية. فرئيس ايران روحاني سيحضر الى الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك ويستمر من هناك على هجومه السلمي ويحظى بالهتاف في كل مكان؛ وسيكون اوباما ايضا في نيويورك وقد يلتقيان. واذا لم يلتقيا فسيتم تبادل رسائل. وسيكون الشعور بأن الازمة مع ايران قد أصبحت وراءنا. وفي بداية الاسبوع التالي سيحضر نتنياهو ويُبين أن المشروع الذري ما زال على حاله ولهذا ما زالت الازمة على حالها. لا يوجد اعتدال ايراني بل علاقات عامة فقط. وسيرفض العالم أن يتأثر بذلك، فانه يريحه أكثر أن يُمكّن ايران من أن تبلغ الى شفا القدرة الذرية آملا أن تقف هناك.
أخذ ينشأ شرق اوسط جديد مقسوم الى دول ترعاها قوتان عظميان خصمان ونظم حكم مهددة من الداخل مع رئيس امريكي بارد غارق حتى عنقه في الشؤون الداخلية، ورئيس روسي مصمم لا يكفه شيء، وايران مُلغزة ومتلاعبة واتحاد اوروبي ضعيف منتقض العُرى. ولن يكون من السهل على اسرائيل أن تحتال في خضم هذه الورطة. علم الحي كله سنين طويلة أنه يوجد لنا أخ كبير كان ينزل الى أسفل في اللحظة التي نطلب النجدة فيها ويريد الأخ الكبير الآن أن يصنع لبيته.


