دمشق / وكالات / نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية مقالا تناول فيه تنوع المقاتلين الأجانب التابعين لتنظيم القاعدة في سوريا ، وكيف ان هناك من بينهم افرادا لا رابط بينهم وبين قوات الجيش السوري الحر سواء من حيث اللغة او الاصول. جاء ذلك في مقال بعث به مراسلها انتوني لويد، هذا نصه:
"وقف مقاتل شاب لم يتعد العشرين من العمر في الطريق الرملي امامنا. كان معمما له عينان واسعتان، بدأ ينظر الى داخل سيارتنا وقد حمل بندقية باحدى يديه، ولكز اصبعه تكرارا ضدنا باليد الاخرى.
تحدث بلهجة غاضبة وقد تدلى شعر رأسه حتى كتفيه، وخرج صوته يحمل اطنانا من الكراهية.
تمتم مترجمنا واسمه المستعار "حمزة" بكلمة "إيسيس"، اختصاراً لـ"الدولة الاسلامية في العراق والشام"، ليؤكد اننا مررنا للتو عن نقطة تفتيش تخضع لقوة تنتمي الى تنظيم "القاعدة" في سوريا.
اشتهر هؤلاء باعمال اختطاف اعدائهم وتعذيبهم، وبالحقد على الغربيين وبتطبيق متشدد لاحكام الشريعة، وبين ايديهم يظل مصير حوالي عشرين من الرهائن الغربيين المنكوبين داخل سوريا.
مرت دقائق قليلة قبل ان يستدير حمزة ويتحدث الينا مرة اخرى، وخلال هذا الوقت ظهرالمزيد من مقاتلي "االدولة الاسلامية في العراق والشام" على مقربة من السيارة، وكل موجة تحتقن بالعداء مثل الاولى، وقد انحشرت مشاعرهم بين الغضب والارتياح للعثور على اثنين من الصحافيين البريطانيين تحت قبضتهم.
قال حمزة من جديد "عراقيون. انهم يريدون نقلكم الى محاكمهم الاسلامية للتحقيق معكم". قال ذلك بوجه هادئ وشاحب ومقطب. "احدهم يريد اطلاق النار علينا باعتبار اننا جواسيس".
بدأ الاحساس فجأة بان حرارة شمس الخريف اصبحت لا تطاق، وشعرت باول قطرة عرق تنهمر على وجهي من بداية شعر رأسي.
اصبح الكابوس في قلبي على وشك ان يصبح حقيقة. نظرنا يمنة الى الحقول، وسرت بيننا همهمات ان الفرار عبرها قد يكون افضل فرصة للنجاة على مدى سنة او اثنتين.
على المقعد الامامي كان سائقنا السوري الشاب البعيد عن رؤيا المقاتلين وقد مدد قدمه حيث هناك مسدس سريع الطلقات بعيد عن العيون. وكانت هناك احتمالات واسعة في ان تنقلب الاوضاع الى الاسوأ. والخشية من الدولة الاسلامية في العراق والشام، وتعرف داخل سوريا بـ"إيسيس"، لا تحمي الصحافيين الاجانب الذين يرميهم سوء حظهم عند نقطة تفتيش.
وقد ازداد نمو قوة "ايسيس"وعدد افرادها نتيجة التمسك بنظريات تسارع الثورة السورية وفوضاها، وبدأت في تحديد وجهة الحرب. وقد افرزت مجموعات ثورية اقل تطرفا في بداية التمسك بالسيطرة العقائدية والترابية
ويوجد الان الالاف من مقاتليها منتشرون في أنحاء العراق وشمال سوريا ضمن نطاق قصف ساحل البحر الابيض المتوسط. وقوات "ايسيس" تعتنق اشد النظريات التكفيرية الاسلامية، اذ تريد اقامة دولة الخلافة بموجب احكام الشريعة وتوحيد المناطق السنية في العراق وسوريا. واعداؤها الطبيعيون هم الغربيون، اضافة الى اي سوري يعارضها.
كل ما كان علي ان افعله هو التمعن في التقاسيم الجامدة على وجه حمزة، الناشط السوري العنيد والمتشدد الذين عاش الحرب في اسوأ حالاتها وامضى اشهرا في السجن لمعارضته النظام، لادرك مدى القتام الذي يحيط بوضعنا.
قال لي: "كنا قد رحبنا بهم كضرورة في القتال ضد الاسد عندما لم يكن هناك اي طرف اخر يقدم المساعدة. اما الان فان الكثيرين يخشونهم اكثر من خشيتهم من النظام".
ومجموعة "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في سوريا تفرعت عن تنظيم "القاعدة" في العراق، وهي مسؤولة عن قتل الاف من المدنيين العراقيين خلال ذروة الحرب هناك وعن الهجمات الفاشلة بتفجيرات لندن وغلاسكو في العام 2007. وهي تعمل بقيادة العراقي ابو بكر البغدادي، الذي اقسم على الولاء لزعيم "القاعدة" ايمن الظواهري.
وتقوم المجموعة بشن الحرب في البلدين، اذ ان الاوامر بشن عمليات التفجير الانتحارية التي تؤدي الى مقتل المدنيين الشيعة في بغداد تأتي من هيكل القيادة ذاتها التي تنفذ الهجمات ضد العلويين في سوريا، وتعتبرها "القاعدة" الان على الساحة العالمية الاكثر اهمية بالنسبة الى الجهاديين.
وتستغل مجموعة "الدولة الاسلامية في العراق والشام" شعور السوريين بالحماس، اذ قامت بالانتشار غربا من الحدود العراقية، واستحوذت على حقول نفط حول منطقة الرقة هذا العام، قبل التحرك عبر شمال سوريا الى محافظة اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، حيث قتلوا في تموز (يوليو) كمال الحمامي، القائد لثوار في الجيش السوري الحر يقاتلون ضد الاسد.
واعتبر ذلك احدى حالات ما يقول المراقبون انه "ارتفاع" في نسبة هجمات "الدولة الاسلامية" على وحدات الجيش السوري الحر التي تعتبرها مصدر تهديد لسيطرتها ونظرياتها.
وفي الاسبوع الماضي اعلن مؤتمر جهادي بدء "ايسيس" لعملية "التطهير الشرير" التي تهدف الى تدمير لواءي الفاروق والنصر في الجيش السوري الحر واللذين نددت بهما "ايسيس" باعتبار انهما خونة ومرتدين.
كما اشتبك الجيش السوري الحر ومقاتلو "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في بلدة بوكمال، شرقي سوريا، بعد ان طالب شيوخ الدين المحليون الجماعة بمغادرة المنطقة. وقبل يومين قتلت "ايسيس" ثلاثة من المحتجين السوريين ضد وجودها في حي الباب، شمال غرب حلب. وفي اليوم نفسه اطلقت "ايسيس" النار على احدى الشخصيات البارزة في الكتيبة الاسلامية ابو عبيدة البنيشي واردته قتيلا بعد تدخله لحماية اثنين من عمال الاغاثة الاسلامية الماليزية من الاختطاف.
ومن المبكر جدا وصف هذا الانقسام المتنامي على انه مواجهة ثنائية. فالحرب السورية معقدة اكثر من ذلك، وتظل خطوط الانتماء الايديولوجي قاتمة.
ومن بين الرجال الذين احتجزونا كان هناك مقاتلون سوريون من "ايسيس" وعراقيون ايضا. اما الاصغر سنا فكان يصعب التمييز بينهم، شبان متوحشون وقد ارتدوا قميص شروال للتمويه، بعضهم ترك شعره ليطول ووضع العمامة على راسه.
عندما اقترب القائد العراقي، اكد اننا بريطانيون وانطلق مقاتل على دراجة نارية ومعه جوازات سفرنا، كان مختلفا: اكبر سنا، افضل انضباطاً، متمكنا من ذاته وذا اعصاب باردة.
قال احد القادة السوريين: "التقيت من بينهم رجلا استراليا اشقر الشعر اعتنق الاسلام، كما التقيت باناس من بلجيكا وفرنسا وافريقيا. لكنهم لا يصلون جميعا الى مناطق القتال عبر تركيا، وان كان الكثيرون يفعلون ذلك".
خففت تركيا من قيودها العام الماضي على الحدود مع سوريا، وسحبت دورياتها الى الخلف عن مناطق حدودية لكي تمنح الجيش السوري الحر طريقا لوجستيا افضل. وانتهز الاف الجهاديين هذه الانفتاحة.
غير ان أنقرة تنكر انها توفر المعونة رسميا لتسهيل مرور المقاتلين الاجانب عبر اراضيها الى سوريا، لكن احزاب المعارضة مقتنعة ان الحكومة ساعدت عمليات تدفق الجهاديين وسهلتها.
وقال شيرفت ملاغلو، رئيس حزب هاتاي المركزي المعارض في محافظة هاتاي، جنوب تركيا، وهي منطقة مرور للمقاتلين الاجانب، ان "هذه الحكومة تعطي الاموال والمأوى والممر الآمن للجهادين".
"ويصل 90 في المائة من الجهاديين عبر تركيا. بعضهم من الشبان الذين يقاتلون في سبيل الجهاد، ولكن من بينهم ايضا هناك قتلة وارهابيون معروفون تماما لدى وكالات الاستخبارات الدولية".
لقد مرت ايام على سوريا حسبما ما تعيه ذاكرتي عندما كان الافضل هو اغفال المقاتلين الاجانب، وهم بلا ريب يغضون النظر عني. لقد ادى ارتفاع اعدادهم الى تغيير كفة الميزان. وتبع ظل "ايسيس" اتجاه متنام من الاختطاف والقتل.
من المعتقد ان هناك عشرين اجنبيا على الاقل في عداد المفقودين في سوريا، معظمهم صحافيون وعمال اغاثة. ولا يعرف مصيرهم، من بينهم بريطاني واحد وثلاثة فرنسيين وثلاثة اميركيين. ومن المعتقد ان معظم المختطفين ومنهم الكاهن الايطالي باولو دال اوغليو، وقعوا في ايدي "ايسيس" والمجموعات المرتبطة بهم، كما يعتقد انهم وراء اغتيال الطبيب الجراح في حلب الاسبوع الماضي.
وفي رسالة على منتدى الجهاديين قبل ثلاثة ايام ما يعيد الى ذاكرة المقاتلين الاجانب في سوريا ان الصحافيين، وخاصة الاجانب منهم، هم "اعداء المجاهدين" ويجب اختطافهم والتحقيق معهم ومعاقبتهم وفق احكام الشريعة. وفي مناطق الحدود التي تخضع لسيطرة "ايسيس"، تلقت المنظمات غير الحكومية رسائل تحذر الاجانب من دخول سوريا.
وعليه، فانه بعد مرور ساعة على قارعة الطريق الى جانب قاعدة لـ"ايسيس"، والعرق يتصبب في سيارتنا التي لا يدخلها الهواء، لم يبق لدي شيء يذكر من الايمان بان المفاوضات التي يجربها السوريون المحليون لتأمين اطلاق سراحنا، وهي عملية لم يكن لي يد في السيطرة على مسيرتها، يمكن ان تنقذنا من الاسر او مما هو اسوأ من القتل على الطريق.
الا ان ما حدث هو انه اطلق سراحنا فجأة لاسباب لا استطيع ان اجد لها تفسيرا كافيا، اللهم الا الشعور بان الامر يكاد يكون معجزة تحققت.
واثناء مغادرة المكان، ونحن لا نكاد نجرؤ على ان ننظر الى الخلف، تحدث حمزة مرة اخرى قائلاً: "ما كنت اتصور في البداية ان ثورتنا سينتهي بها الامر الى هذا الوضع. هناك مقاتلون اجانب في كل مكان، واسلحة كيميائية، وكل مبنى مهم لحق به الدمار او الخراب، والشرفاء يفرون بينما يسطع نجم اللصوص. ليس هناك اي خيار الان الا المغادرة، او الانضمام الى صفوف المتطرفين سعيا وراء الحياة الكريمة. لقد انتهى بنا الامر الى هذا الدَرَك".


