خبر : الخروج من حل الدولتين ... إلى أين؟!...بقلم : محمد ياغي

الجمعة 20 سبتمبر 2013 09:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لفت انتباهي صديق الى مقال نشره البروفيسور إيان لستيك في صحيفة النيويورك تايمز السبت الماضي بعنوان "وهم الدولتين." يقول لستيك وهو محاضر في جامعة بنسلفانيا وموظف سابق في وزارة الخارجية الاميركية، أن الحل المتمثل بخيار الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد سقط فعلياً منذ أكثر من عقدين، وأن تمسك الاطراف الفلسطينية والإسرائيلية والدولية (خصوصا الاميركية) فيه ليس حصيلة قناعات بإمكانية تحقيق هذا الحل وإنما لأسباب خاصة بكل طرف منها.

من هذه الاسباب، يقول لستيك، أن منظمة التحرير متمسكه فيه لأنها بحاجة الى الأموال لتسير عجلة حكومة ونمط حياة قامت هي بصناعتهما.. والحكومات الإسرائيليه تريده لانها تريد بيع الوهم للغالبية العظمى من الإسرائيليين الذين يؤمنون بحل الدولتين ولانها ترغب بتجنيب نفسها الضغوط الدولية..أما حكومات الولايات المتحدة فهي مصرة على حل الدولتين لأنه يعطي انطباعا بأن لديها مشروعا لحل الصراع من خلال المفاوضات وهو يجنّبها أيضا ضغوط اللوبي الإسرائيلي عليها ويحميها من الإحساس بالإهانة من فشلها في الضغط على حليفتها إسرائيل.
لكن هذه السياسة المدفوعة بحسابات ذاتية لدى كل طرف، ستصل الى نهايتها وسيحدث في النهاية انفجار عنيف للصراع..وحتى لو استطاعت إسرائيل السيطرة عليه مؤقتا، فهي مثل فرنسا في الجزائر، وبريطانيا في إيرلندا، سينتهي بها الامر الى الإقرار بعجزها عن السيطرة على شعب آخر. لذلك وتجنباً للدماء التي ستراق، فإن الحل في نظر لستيك، يبدأ في إقرار الاطراف الثلاثة باستحالة حل الدولتين، وإزالته عن طاولة المفاوضات والبدء في اقتراح حلول خلاقة للصراع من قبل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لستيك ليس الاول الذي يصل الى هذه النتيجة. في أيار الماضي أرسل لي محاضر كندي مقترح البروفيسور جيروم سيغال لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للتعليق عليها قبل توجهه لكرواتيا للمشاركة في مؤتمر عن الصراعات وآليات حلها. يقول سيغال المحاضر في جامعة ميريلاند في ورقته الدراسية المعدة في نهاية العام 2010: إن فكرة حل الدولتين غير قابلة للتطبيق ما لم تجر في إطار يقر فيه الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني بأن فلسطين التاريخية هي الوطن القومي للشعبين. يترتب على ذلك، ليس إلغاء حل الدولتين ولكن جعله حلاً ممكناً وأحد الحلول وليس الحل الوحيد للصراع.
الإقرار بأن فلسطين التاريخية هي وطن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء يترتب عليه، بحسب سيغال، أن تكون الحدود مفتوحة بين ما يسمى فلسطين وما يسمى إسرائيل في حدود فلسطين التاريخية، ويترتب عليه أيضاً سيطرة مشتركة من السلطتين الفلسطينية والإسرائيلية على جميع الموانئ البحرية والبرية وعلى حدود فلسطين التاريخية. ما يتعلق بالقدس يقول سيغال، كل شعب سيكون من حقه أن يدير مقدساته في القدس ولكن لن تكون له سيادة عليها لأنها مثل الحدود والموانئ والمعابر تعبر عن فكرة الوطن المشترك. اللاجئون الفلسطينيون ضمن هذه المعادلة والمستوطنون الإسرائيليون، وفق مقترح سيغال، يتم التعامل معهم بطريقة تجريبيه. بمعنى يتم الإبقاء على مستوطنة واحدة في الضفة مثلاً ويسمح لعدد مماثل من اللاجئين بالعودة لإسرائيل.. إن كان هذا الحل يوطد السلام بعد عدة سنوات، يمكن بعدها السماح لكلا الشعبين في العيش في أي مكان يريدانه من أرض فلسطين التاريخية. رؤية سيغال لا تلغي حل الدولتين لكنها تجعل منها حلاً ممكناً وقابلاً للتطبيق (الحدود المفتوحة وشبكة طرق تربط مدن فلسطين التاريخية ببعضها والسيطرة المشتركة على الحدود والموانئ والمعابر)، وتترك الطريق في نفس الوقت مفتوحة لحل الدولة الواحدة.
لستيك، الموظف السابق في وزارة الخارجية الاميركية، يعلن صراحة أن إسقاط حل الدولتين هو المقدمة لاكتشاف حل قابل للتحقيق.. وسيغال يقر بأن حل الدولتين غير ممكن دون إطار أكبر يجعل من فلسطين التاريخية وطنا للشعبين. لا تهمني النوايا الكامنة خلف هذه الاطروحات بمقدار ما يهمني أن يكون لدى الفلسطينيين وضوح في الرؤية لمستقبلهم. خيار الدولتين ممكن نظرياً، لكن إسرائيل أسقطته عملياً بمستوطناتها وجدارها وتهويدها للقدس.. هذا حقيقي.
لكن إذا قرر الفلسطينيون مغادرة هذا الحل، فإلى أي "خيار" سيذهبون؟
وضوح الرؤية هو المقدمة – الهدف وآليات الوصول إليه، هو ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم مثلما كانوا بحاجه له دائماً. لم يسقط "خيار" الدولتين لاستحالة تحقيق الهدف. حتى بداية الثمانينيات كان هذا الحل ممكنا. المستوطنات كانت محدودة.. العالم يرى في إسرائيل دولة محتلة. لكن الهدف الفلسطيني في الثمانينيات لم يكن الدولتين ولكن إنهاء الاحتلال عن كل فلسطين التاريخية.. والآليات كانت أعجز من أن تحقق سيطرة للشعب الفلسطيني على متر مربع واحد من أرض فلسطين التاريخية.
في نهاية الثمانينيات وبفعل عوامل تراكمية منها خسارة موقع لبنان، والانتفاضة الأولى وانهيار المعسكر الاشتراكي، قبلت المنظمة بحل الدولتين، وكان حتى ذلك الوقت حلاً قابلا للتحقيق، لكن آليات الوصول لهذا الهدف (المفاوضات وتشكيل السلطة) أضاعت الهدف وجعلت من السلطة عبئاً على الفلسطينيين.. الآليات الحقيقية لتحقيق الهدف كانت تتمثل في تجذير الانتفاضة الشعبية وتصعيدها الى أن يقر الاحتلال برغبته في إنهاء احتلاله وبعده كان يمكن خوض المفاوضات والانتفاضة قائمة. لكن هذا لم يتم.. المفاوضات كسرت الانتفاضة وبدلاً من إسقاط الاحتلال تم إسقاط الوسيلة التي تؤدي الى إنهائه.
اليوم يجمع عدد كبير من الفلسطينيين على ان حل الدولتين قد استنفد وأن الوقائع على العرض تلغيه، وأن الاطراف التي تتفاوض بشأنه تعلم باستحالة تطبيقه. كل هذا حقيقي.. لكن مغادرة حل الدولتين يجب أن يصحبها وضوح البديل ووضوح في الآليات لتحقيق الهدف الجديد.
فكرة الدولة الواحدة لجميع قاطنيها هي البديل المنطقي.. لكن يترتب على ذلك أسئلة عديدة تحتاج الى إجابات صريحة تحظى بإجماع فلسطيني: ما هو مصير السلطة- هل الحفاظ عليها يخدم هدف الدولة الواحدة أو يبعده؟ ما هي أشكال النضال المقترحة للوصول لهدف الدولة الواحدة- وإذا كان العنف، وهو كذلك، يقضي على فكرة التعايش في دولة واحدة.. بمعنى أنه يقضي على الهدف، فكيف يمكن إقناع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بالتخلي عنه؟ ثم هل ستوافق أصلاً "حماس" و"الجهاد" على هذا الحل- هذا بافتراض إجماع أطراف منظمة التحرير عليه.
من السهل "التنظير" بسقوط خيار الدولتين وأن الحل هو في الدولة الواحدة، لكن ليس من السهل تقديم إجابات واضحة وعملية على الأسئلة المتعلقة بهذا الخيار. والى أن يتفق الفلسطينيون فيما بينهم على هذا الخيار وعلى الوسائل التي سيتم اتباعها لتحقيقه فإن هذا الخيار ليس أكثر من تمرين ذهني لبعض المفكرين.