خبر : المعارضة السورية تفقد رشدها ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 19 سبتمبر 2013 09:20 م / بتوقيت القدس +2GMT



كما هو واضح من جلسة المباحثات التي عقدت في مقر البعثة الأميركية في الأمم المتحدة اول من أمس، والتي لم تتمكن القوى التي شاركت فيها من التحدث عن أكثر من جلسة "مشاورات" بسبب اتساع هوة الخلاف ما بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد أصبح الوضع يقضي بالبحث عن شكل ما لردع النظام السوري في حالة عدم التزامه بآليات تدمير ترسانته الكيماوية، وما بين شكل ما من "عدم النص" على قرار مفتوح يتيح للغرب استخدام القوة المباشرة لإلزام النظام. فلا الغرب قادر الآن على تجاوز الفهم الروسي لنتائج اتفاق كيري ـ لافروف ولا روسيا بدورها يمكن أن تتجاهل المطالبة الأميركية بإيجاد ذلك الشكل، بعد أن تمكنت روسيا من إنزال الرئيس أوباما عن شجرة الضربة العسكرية.

الملفت والمدهش أن تطالب المعارضة السورية "بضرورة" استصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، وأن تطلب حظر استخدام النظام لكل أنواع أسلحته، وأن تطلب بالمقابل من الغرب أن يزودها بالأسلحة الفعالة (الفتاكة) بدلاً من البحث في الصيغة التي من شأنها التمهيد لوقف اطلاق النار على طريق البحث عن حلول سياسية مقبولة ومعقولة، وبما فيها الحلول السياسية التي ستفضي عند درجة معينة من تطور المباحثات إلى تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات عالية.
والمستهجن بالفعل أن تبدي المعارضة الرفض لوقف اطلاق النار والدعوة إلى استمرار المعارك بكل ما أوتيت المعارضة من قوة مقابل ما أوتي النظام من قوة مقابلة.
المعارضة السورية هنا تفصح عن رؤى واهمة ونوايا عدمية على الصعيد السياسي، كما أن الأخطر والأهم أن هذه المعارضة أدخلت نفسها في دائرة التطرف والتشدد الذي يعكس وهنها وضعفها وفقدان حسّها الوطني المسؤول.
باختصار تراهن المعارضة السورية على تجريد النظام من كل عناصر القوة التي تضمن له نوعاً من التوازن وتراهن على دعم من التسليح الغربي يؤمّن لها إحداث الخلل الكامل في معادلة التوازن حتى وإن كان ثمن هذا الاخلال تفكيك الدولة السورية.
العدمية الوطنية في هذا الطرح بلغ أوجه واللامسؤولية الوطنية هنا وصلت إلى مرحلة الذروة الهاوية. إن كل من يعمل اليوم على إفشال حل سياسي هو في الواقع الأقرب إلى الصيغة اليمنية، وحيث يمكن الذهاب إلى إبعاد الرئيس بشار الأسد بصورة تدريجية، ثم إبعاد "النواة" التي يحكم بها ومن خلالها وبالتدريج، أيضاً، وعلى مراحل يمكن التوافق عليها، إنما يراهن في الواقع على تدمير سورية وتفكيكها وحتى تفتيتها عند درجة "متقدمة" من احتدام الصراع العسكري.
المعارضة السورية في الخارج خضعت لإملاءات التوازن الداخلي في العلاقة ما بين القوى الميدانية في سورية وما بين الائتلاف في الخارج.
لم يربح أحد محسوب على القوى الوطنية في العراق شيئاً جراء تدمير المؤسسة العراقية، والقوى الوحيدة التي ربحت هي القوى الطائفية، وهي الوحيدة التي تمسك بزمام الأمور في العراق، كما ربحت الميليشيات المسلحة التي أعادت اصطفافها في المؤسسة الرسمية.
أما الجهة الأهم التي استثمرت هذا المناخ فكانت في الواقع قوى التشدد والتطرف والارهاب، وهي القوى التي باتت قادرة على توجيه ضرباتها الارهابية في التوقيت الذي تراه مناسباً لها، وفي المكان الذي تحدده لنفسها، وبالأهداف التي تحقق لها "النجاحات" المطلوبة.
والتدخل الغربي كما أنتج دولة فاشلة في العراق وأدى إلى تقسيم فعلي لا ينقصه سوى الإعلان الرسمي، فقد أدى هذا التدخل بالذات إلى احتجاز أية إمكانية لبناء دولة حتى ولو كانت دولة فاشلة في ليبيا.
التدخل الغربي في سورية لن يحل أية مشكلة للمعارضة السياسية في سورية، وكل ما يمكن أن يؤدي إليه هو دولة سورية فاشلة أو "دول" ميليشيات مسلحة فيها.
المعارضة السورية تغادر المواقع الوطنية وتلتحق بالميليشيات المسلحة الارهابية وتخضع لرؤاها ومواقفها وتطلعاتها وبرامجها ومنهجها التدميري.
إن عدم التدخل المباشر في اليمن هو الذي حمى البلاد حتى الآن، وهو الشيء الوحيد الذي أبقى مؤسسة الدولة اليمنية مؤسسة قائمة، وهو السبب الرئيسي لبقاء الجيش اليمني، وهي السياسة الوحيدة التي أدت في نهاية المطاف إلى تنحية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهي السياسة التي أدت إلى الدخول في حوار وطني ليس لإنهاء وتصفية بقايا نظام علي عبد الله صالح فقط وإنما استعادة الجنوب اليمني إلى حضن الوطن اليمني على أسس وطنية وديمقراطية جديدة.
الوضع في اليمن ليس وردياً كما نعرف جيداً ولكن الوضع في هذا البلد العربي يعتبر بكل المقاييس وضعاً مقبولاً ومعقولاً بالمقارنة مع حالة التدمير التي تشهدها سورية وحالة الفوضى الشاملة التي تميز الوضع في ليبيا.
فمتى تدرك المعارضة السورية أن المسافة التي باتت تفصلها عن الخيانة الوطنية ليست مسافة طويلة؟
ومتى تدرك المعارضة السورية أن التضحية بسورية ليس هدفاً سامياً إلاّ عند إسرائيل والغرب؟