لا أعتقد أن القيادة السياسية الفلسطينية، الرسمية والفصائلية، قد وقفت يوماً، لتقيم اتفاق أوسلو الذي عقد مع الجانب الإسرائيلي قبل عقدين من الزمن، باستثناء وقفات خجولة متسرّعة كان همها إما الدفاع عن هذا الاتفاق أو على الأقل تبريره في ظل الظروف الذي عقد فيها، وإما للنيل من القيادة الفلسطينية التي تنازلت عن الحقوق الوطنية المشروعة في ظل هذا الاتفاق، وربما أبحاث ودراسات حاولت أن تتعمق أكثر في مضمون هذا الاتفاق وآثاره، من دون أن يكون لذلك أي أثر عملي، ذلك أن القيادة السياسية الفلسطينية لا تميل إلى المراجعة والنقد، وربما لا تهتم بما تتناوله هذه الدراسات والأبحاث.
في إسرائيل الوضع مختلف تماماً، المؤتمرات السنوية، القيادات السياسية والحزبية، مراكز البحث والدراسات، لجأت منذ عقدين من الزمن حتى الآن، لوضع هذا الاتفاق موضع الدراسة والتدقيق، مع أن عدداً من القيادات السياسية الإسرائيلية، اعتبرت أن هذا الاتفاق لم يعد له وجود، إلاّ أن ذلك لم يغنها عن إعادة دراسته والتوقف عند مفاصله وآثاره. قوى اليمين الإسرائيلي، كما قوى اليسار في إسرائيل، سارعت بعد عقدين من التوقيع على هذا الاتفاق لوضعه تحت المجهر من جديد، وتحددت على ضوء ذلك العديد من المواقف والسياسات التي من المتوقع أن تترك آثارها الجدية على العملية التفاوضية الجارية الآن على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، تم طرح سؤال يلخص الموقف الإسرائيلي العام من هذا الاتفاق، والسؤال هو: ماذا لو لم يتم التوصل إلى هذا الاتفاق، كيف سيكون حال إسرائيل وهي لا تزال تسيطر وتنفق على مليوني فلسطيني تضاعف عددهم مع الوقت، والجواب هو ببساطة هذا السؤال بالغ العمق: إسرائيل تجنبت من خلال هذا الاتفاق، العبء الاقتصادي الفظيع المقرون بالسيطرة على حياة الفلسطينيين اليومية، دون أي تراجع في الجانب الأمني، ووفر لإسرائيل القدرة على الظهور بمظهر دولة سلام بعدما كانت دولة احتلال، وفتحت آفاقا عريضة للتعاون مع العالم، رسمياً وشعبياً، وباختصار، فإن هذا الاتفاق هو إنجاز إسرائيلي بامتياز!! ولخصت صحيفة "يديعوت" هذا الإنجاز الإسرائيلي بالقول: "لو لم يكن لاتفاقات أوسلو من الفضل سوى أنه رفع عبء إدارة الحياة اليومية للفلسطينيين عن كاهل إسرائيل، لكان ذلك أعظم الفضل"... وتذهب إلى الشرح فتقول: من أين ستأتي الحكومة الإسرائيلية بالأموال والقوة البشرية المطلوبة لإدارة حياة نحو مليوني إنسان آخر، ليسوا مجرد ناس بل هم سكان ضعفاء يحتاجون إلى دعم كبير وإلى خدمات حكومية معززة لكنهم لا يستطيعون دفع ثمنها، وأن قدرة إسرائيل على أن تجبي ضرائب من الفلسطينيين تقرب من الصفر فكل شيء سيدفعه مواطنو إسرائيل وعلى حساب فقراء إسرائيل.. للانفاق على مواطني ما بات يعرف بالسلطة الفلسطينية!!
اليسار الإسرائيلي، يعتبر "أوسلو" من بنات أفكاره، وأن اليمين الإسرائيلي، اضطر بعد سنوات من التوقيع على هذا الاتفاق، ادراك قيمة هذا الانجاز، بدليل أنه اعتمد على المفاوضات كأساس للحل، وبات يسلم بمقولة اليسار "دولتان لشعبين"، ويتجرأ بقايا اليسار الإسرائيلي للقول، بأن العملية التفاوضية الجارية الآن، بقيادة اليمين ما هي إلاّ استمرار لاتفاق أوسلو، الذي حاول اليمين بعد ستة أشهر من توقيعه أن ينسفه بعدما أقدم باروخ غولدشتاين على مذبحة الحرم الإبراهيمي، ونجاح هذا اليمين بقتل اسحق رابين، كما حاول معارضو الاتفاق في الجانب الفلسطيني القيام بعمليات تفجيرية في المدن والمؤسسات الإسرائيلية، إلاّ أن ذلك كله ـ يقول اليسار الإسرائيلي ـ لم يفقد هذا الاتفاق قدرته على الاستمرار بطرق أخرى.
لكن اليسار الإسرائيلي ينتقد نفسه بينما يحمل رئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك مسؤولية انتكاسة عملية السلام وفقاً لرؤية اليسار الإسرائيلي، الدكتور رون بوندك، أحد مهندسي اتفاق أوسلو والشريك في الاتصالات السرية التي مهدت له، يقول إن من يتحمل مسؤولية فشل اتفاقات أوسلو هو باراك (لكنه عندما يشير على ذلك يتبين أن اليسار هو الذي يتحمل المسؤولية في ذلك) فقد منحه معسكر السلام بشكل غبي فرصة قيادة الخطوات إلى الأمام، لكن عملياً قادنا إلى فشل المسيرة السلمية والانتفاضة الثانية، ففي كامب ديفيد قام بتفجير المفاوضات، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة وصعود نتنياهو وانشقاق معسكر السلام واليسار بشكل عام!
هذه قراءة ـ مراجعة سريعة جداً، للرؤية الإسرائيلية المتعلقة باتفاق أوسلو، وهي قراءة تحاول الإجابة السهلة على السؤال السهل: كيف سيكون حال إسرائيل لو لم توقع على اتفاق أوسلو؟ هل يمكننا أن نقلب السؤال بحيث يصبح: ماذا لو لم يوقع الفلسطينيون على هذا الاتفاق؟ ترى كيف ستكون الإجابة؟!
Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net


