خبر : غزة تغرق: مطلوب مبادرة من "حماس" ...بقلم: أشرف العجرمي

الأربعاء 18 سبتمبر 2013 01:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة تغرق: مطلوب مبادرة من "حماس" ...بقلم: أشرف العجرمي



لا يمكن وصف الوضع السيئ الذي يمر به أبناء شعبنا في قطاع غزة، فنسبة البطالة بين الشباب مرتفعة جداً، وتناقص عدد الموظفين في القطاع العام المرتبط بالسلطة الوطنية في رام الله، حيث لا يتم توظيف أبناء القطاع بدلاً من الذين ينهون خدماتهم بالتقاعد أو الاستقالة أو الإقالة في الجهازين المدني والأمني، وكأن القدر بفعل قرارات أصحاب القرار في شقي الوطن المنقسم يحكم قبضته على مصائر الناس هناك، ومستوى المعيشة منخفض بصورة كبيرة والدخل الذي كانت تجنيه "حماس" من الأنفاق انخفض بصورة ملموسة، وهناك مشكلة في التزود بالوقود ومشكلة في الكهرباء التي باتت ساعات انقطاعها أكثر من 12 ساعة يومياً، والمعابر مغلقة ومصالح الناس معطلة بصورة كبيرة ويتلقون الضربات المتتالية، وغزة تغرق أكثر فأكثر في المصائب.

ولكن لماذا كل هذا ولماذا يدفع قسم من الشعب الفلسطيني هذا الثمن الباهظ؟
من باب الحقيقة والتاريخ يقر المواطنون في قطاع غزة أنه لم يمر عليهم مثل هذا الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب والقاسي في أية فترة يتذكرها الناس كالتي عاشوها تحت حكم "حماس" التي لا تقارن حتى بالظروف التي رافقت النكبة ولا بوجود القطاع تحت الإدارة المصرية أو حتى الاحتلال الإسرائيلي المباشر، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الاحتلال أفضل أو أنه لا يتحمل مسؤولية عن وجود هذه الضائقة.
ولكن بسبب سيطرة حركة "حماس" على القطاع عانى الناس هناك من ظروف مأساوية ومروا بحروب لم يسبق أن مروا بها وعانوا ظلماً مريراً من ذوي القربى، وتراجعت الحريات العامة إلى أدنى مستوى لها.
واليوم تتحمل "حماس" المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في القطاع المغلوب على أمره، ولا يجدي نفعاً الدخول في صراع مع مصر التي بدأت تنظر لموضوع العلاقة مع غزة من منظور مصلحة الأمن الوطني المصري الذي بات مهدداً بفعل وجود مجموعات إرهابية لها علاقة بغزة تسليحاً وتدريباً وربما أفراداً كذلك.
من المفروض أن تفهم قيادة "حماس" أن الظروف تغيرت بصورة جذرية على أكثر من مستوى خاصة على الجبهة المصرية والسورية - الإيرانية والإسرائيلية، وأن الحل لا يكمن في كسب المزيد من العداوات أو العودة مجدداً لمحاور سبق وتم التخلي عنها بعد الحرب في سورية فقط لمجرد تنويع مصادر التمويل التي ستكون مرتبطة من دون شك بثمن سياسي محدد لابد أن تدفعه.
ولا أيضاً في التضييق على المواطنين وملاحقتهم وتضييق الخناق عليهم. فالعلاقة بين "حماس" ومصر لن تعود كما كانت في السابق بعد التعقيدات الحاصلة وبعد ثبوت علاقة بين "حماس" وبعض الجماعات الإرهابية التي تقوم بأعمال عنف وإرهاب ضد مصر وخاصة ضد قوات الأمن.
وستظل "حماس" من وجهة نظر مصرية في الخندق الخصم. وبالنسبة للعلاقة مع محور إيران - سورية - حزب الله فليس سهلاً أن تعود لمجاريها بعد أن قلبت "حماس" ظهر المجن لتحالفاتها لأنها لا تستطيع أن تكون ضد "الإخوان المسلمين" في سورية، وخارج إطار التحالف القطري - الأميركي - الإخواني، حتى لو انشأت قيادة مشتركة مع حركة "الجهاد الإسلامي".
أما بخصوص نظرة إسرائيل لـ"حماس" فهي تتغير وفق المصلحة الإسرائيلية، والثابت فيها هو أن إسرائيل لن تنتظر إلى مالا نهاية وجود قوى مسلحة بأسلحة يمكنها أن تهدد عمقها في قطاع غزة، والحرب على "حماس" والفصائل المسلحة في غزة هي مسألة وقت، وسيجعل منها انتهاء مشروع إلقاء غزة في وجه مصر وتوسيع القطاع على حساب سيناء وإقامة دولة غزة الموسعة كدولة فلسطينية بديلة للدولة التي ينشدها الشعب الفلسطيني – وفق البرنامج الوطني الذي تعتمده منظمة التحرير- أكثر قرباً.
وما قامت به مصر منذ الإطاحة بحكم "الإخوان" والرئيس محمد مرسي هو القضاء النهائي على هذه الفكرة وهذا الحلم الإسرائيلي الذي تحدث عنه بوضوح مشروع غيورا آيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وعندما لا تستطيع "حماس" تلبية ما هو مطلوب منها، وعندما يحدث أي اشتباك مع غزة لا تستطيع "حماس" ضبط الأمن أو لا ترغب في ذلك لسبب أو لآخر، يكون القضاء على سلطة "حماس" أكثر واقعية وربما يكون مطلوباً لأسباب داخلية.
وتخطئ قيادة "حماس" إذا اعتقدت أنها بمأمن من الاستهداف الإسرائيلي أو أنها محصنة لمجرد أنها تحافظ على أمن إسرائيل ولا تستفزها. فالمصالح والتكتيكات الإسرائيلية لا تعرف الحدود.
الشيء الوحيد الذي يساعد المواطنين في قطاع غزة وينهي معاناتهم، ويحل مشكلات القطاع بازالة الحصار المفروض عليه وفتح المعابر التي تربط بالجزء الآخر من الوطن وبالعالم الخارجي، ويحمي "حماس" ويساعدها في تجاوز أزمتها هو المصالحة الوطنية والعودة إلى حضن الشرعية الوطنية. وهذا يتطلب أن تدرك "حماس" أنها في مأزق وأن الخيارات أمامها أصبحت ضيقة للغاية، وقد تضيق أكثر في المستقبل القريب إلى درجة أن يصبح رأسها مطلوباً.
وثانياً، أن تبادر فوراً لاتخاذ مبادرة تقنع فيها الكل الوطني الفلسطيني أنها جادة في سعيها للمصالحة والوحدة الوطنية وتبتعد عن أفكار جزئية غير مفيدة من شأنها تكريس وشرعنة الانقسام مثل الشراكة في إدارة غزة.
المطلوب الآن هو ابداء الاستعداد الحقيقي للبدء في تنفيذ بنود اتفاق المصالحة بدءاً من تشكيل حكومة الوفاق الوطني والاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وعودة حرس الرئيس للإشراف على معبر رفح، وقوات الأمن المختلفة إلى المعابر الأخرى تمهيداً لفتحها. والأهم عودة الأمن والاستقرار للقطاع بالغاء المظاهر المسلحة وسيطرة أجهزة "حماس" على حياة الناس.
وأية مبادرة من "حماس" تتضمن هذه الأمور يمكنها أن تفتح الطريق أمام عودة الوحدة للوطن والشعب ورفع الحصار المفروض على غزة وتحسين مستوى حياة المواطنين باعادة إعمار غزة، وتوفير فرص العمل فيها لعشرات آلاف الشباب، واستخراج الغاز وتشغيل محطة توليد الكهرباء بكامل طاقتها، وتنفيذ مشروع تحلية مياه البحر لحل مشكلة مياه الشرب وبناء ميناء غزة، وحل مشاكل الاستيراد والتصدير وغيرها من الأمور الحياتية. والأهم هو إعادة الاعتبار للمشروع الوطني وتعزيز قوة الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال خاصة وأن المفاوضات مع إسرائيل ستفشل على الأغلب وسنعود إلى مربع المجابهة من جديد في الأمم المتحدة وميدانياً في التصدي للاستيطان.
فهل تخرج "حماس" من عباءة المصالح الحزبية المقيتة التي تقودها إلى الهلاك وتلبس ثوب المصلحة الوطنية، وتنقذ نفسها وتساعد شعبها؟؟؟؟