خبر : عشرون عاماً على جلد الفلسطينيين ... بقلم: طلال عوكل

الإثنين 16 سبتمبر 2013 01:38 م / بتوقيت القدس +2GMT



في مثل هذه الأيام، تمر الذكرى العشرون لتوقيع اتفاقية أوسلو، التي جرى توقيعها في حديقة البيت الأبيض الأميركي في الثالث عشر من أيلول العام 1993، في مناخ احتفالي، حضره حشد من الزعماء والرؤساء والمسؤولين الدوليين والعرب.

كان الحضور الدولي والعربي رفيع المستوى، مجرد شهود غير عدول على "زواج" كان بالنسبة للفلسطينيين "عرفياً"، ولكن إسرائيل أرادته منذ البداية وحتى الآن كاثوليكياً، إذ يتضح بعد عشرين عاماً، أن كل الزعماء الإسرائيليين يفكرون ويعملون على طريقة اسحق شامير، الذي وعد بمفاوضات لا تنتهي، وان السياسة الإسرائيلية لا تترك للفلسطينيين فرصة لإقامة دولتهم المستقلة أو حتى شبه المستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967، والتي تتصرف إسرائيل إزاءها على أنها أراضٍ متنازع عليها.
أنشأت اتفاقية أوسلو، التي لم يتم ترسيمها من قبل الشرعية الدولية ونقصد مؤسسات الأمم المتحدة، سلطة حكم ذاتي فلسطينية، حقوقها وصلاحياتها محدودة، ليس فقط بما ينص عليه الاتفاق، وإنما وفق متطلبات الأمن والسياسة الإسرائيلية، أما واجباتها، فهي، أيضاً، تتم قهرياً، حسب ما تريده إسرائيل.
السلطة الفلسطينية، أرادتها إسرائيل لكي تقوم بوظيفتين أساسيتين، وهما حماية أمن إسرائيل، ما يقتضي فتح قنوات التنسيق الأمني كثابت، وتحسين الحياة المعيشية للفلسطينيين، وبما يعفي الاحتلال من دفع أثمان احتلاله. الحديث عن اتفاقية أوسلو، ومرحلتها، هو حديث سياسي يفترض أن يكون مشدوداً نحو المستقبل، ذلك أن هذه الاتفاقية دخلت التاريخ، ولا يفيد في هذه الحالة، اللطم والندب، وإبداء الأسى أو الأسف.
كما لا يفيد الحديث عن أن اتفاقية أوسلو، قد ماتت منذ زمن، ولم يبق سوى مواراتها التراب، وقراءة الفاتحة عليها.
الاتفاقية موجودة ومفاعيلها وشروطها، ومعالم وجودها قائمة حتى الآن، بالرغم من أن إسرائيل نظفتها من كل التعهدات، المترتبة كواجبات عليها، وأبقت تلك التي يجب أن تقوم بها سلطة الحكم الذاتي.
اليوم بعد عشرين عاماً يتضح أن الاتفاقية لم تكن اتفاقية سلام، بقدر ما أنها اتفاقية صراع واشتباك ولكن وفق ضوابط محددة.
ليس هناك فرق بين حكومة وأخرى، وحزب وآخر، فمنذ اغتيال صاحبها الإسرائيلي اسحق رابين، وحتى الآن، لا يوجد في الفكر السياسي الإسرائيلي شيء أو مفردة، أو استعداد يشير إلى أن إسرائيل يمكن أن تقبل بقيام دولة فلسطينية مستقلة أو حتى شبه مستقلة على الأراضي كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967.
وقد نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فنتخيل أن الفلسطينيين سيوافقون على كل الشروط الإسرائيلية المعلنة، بما في ذلك الاعتراف بيهودية الدولة، فقد خلقت إسرائيل من الوقائع على الأرض، ما يبدو حلم إقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة منذ العام 1967، فقط عبر فتح الصراع على وسعه، وتبدل موازين القوى، بمعناها الواسع، يمكن للفلسطينيين أن يفرضوا دولتهم، وأن يجسدوا على الجغرافيا الفلسطينية وجودهم كشعب، وسياسة.
ليس سهلاً على الفلسطينيين أن يأخذوا بخيار حل السلطة الفلسطينية، وليس ممكناً أن تتحول إلى سلطة مقاومة بالمفهوم الذي يطرحه بعض الأطراف الفلسطينية، إذ لم ينجح هذا الجمع بين السلطة والمقاومة في قطاع غزة، رغم اختلاف المعطيات بشأنه عن الضفة الغربية.
السلطة أصبحت عنواناً أساسياً من عناوين المبنى السياسي الفلسطيني، وهي بإمكانها أن تفعل شيئاً مفيداً للفلسطينيين، وبإمكانها أن تخاطب المجتمع الدولي بلغة يفهمها، ولكن ينبغي أن تكون قادرة على التحول إلى ما يشبه الدولة، خصوصاً في ضوء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي هذه الحالة، ستتبدل وظائفها، وتصبح عنواناً للاشتباك والصراع.
أوسلو موجود، كاتفاقية وتعبيرات مادية ومعنوية، وآثار تلك الاتفاقية، أصبحت واقعاً، بما في ذلك، كل ما نجم عنها من سلبيات وتشويهات للحركة الوطنية الفلسطينية، وبما انطوت عليه من صراع داخلي على السلطة، ما أنتج لدينا سلطتين، هشتين. المهم أن نقرأ الواقع جيداً، وأن نتحلى بالجرأة خلال هذه المراجعة، التي أصبحت أكثر من ضرورية، لاستخراج دروسها. والمهم أن تكون هذه المراجعة شاملة، ووطنية جماعية، وتستهدف البحث في كيفية تعديل المسار نحو تحقيق الحقوق الوطنية.
إن المراهنة على أن تنتج المفاوضات حقوقاً، واتفاقاً للسلام، بعد عشرين عاماً على استفحال السياسات العدوانية الإسرائيلية، هذه المراهنة، من شأنها أن تؤدي إلى مضاعفة المخاطر التي لحقت بالشعب والقضية وبالحركة الوطنية الفلسطينية.
إن المفاوضات الجارية هي مضيعة للوقت حتى إن كانت تندرج في اطار التكتيك السياسي، الذي يستهدف تحريك الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية.
لقد استنفد الفلسطينيون الزمن، خلال عشرين عاماً، من محاولة إقناع الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، بمسؤولية إسرائيل عن إفشال السلام، وبضرورة التدخل لمساندة الحقوق الفلسطينية لكن كل ذلك لم يبدل من مواقف هؤلاء بالقدر الذي يخدم القضية.
إن الولايات المتحدة، هي هي، التي تتبنى إسرائيل وتمدها بكل أسباب القوة العدوانية، ذلك أن لغة المصالح أقوى بكثير من لغة القيم، ومن فصاحة اللسان.
صدقوا أن الدوائر الغربية جميعها، تعرف أكثر من الكثير من الفلسطينيين، دقائق وحقائق الأمور، وتعرف أن إسرائيل، ليست في وارد تحقيق الحد الأدنى من متطلبات السلام.
لن تتبدل مواقف الدول الغربية بما يستجيب للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية والعربية، إلاّ في حال تغير موازين القوى، وحين تشعر هذه الدول بأن مصالحها مهددة وأن استقرار هذه المصالح لم يعد مرهوناً بالانصياع لمتطلبات العدوانية الإسرائيلية التي تتجه يوماً بعد آخر نحو العنصرية.
في هذا المقام علينا أن نذكر، أنه في ظل انشغال العرب بأوضاعهم الداخلية، علينا كفلسطينيين أن ننشغل بأوضاعنا الداخلية، تحضيراً لمرحلة قادمة، قد تحمل لنا بعض التفاؤل.
قبل عشرين عاماً احتفل العالم، بتوقيع اتفاقية أوسلو، أما اليوم فلا مجال لاحتفال؟ ولكن لا مجال، أيضاً، للاحباط ولطم الخدود، فما وقع قد وقع، والعبرة في التعلّم.