تعطلت لغة الحوار في جامعة بيرزيت، ليس ثمة قنوات حوارية، مباشرة أو غير مباشرة، أو وسطاء بين مجلس الطلبة وإدارة الجامعة، وذلك في أعقاب رفع الاقساط أكثر مما يحتمله الطلبة وأهاليهم، وعلى أثر إغلاق مجلس الطلبة بوابات الجامعة بالجنازير في مطلع العام الدراسي، ونصب الخيام أمامها للحيلولة دون دخول الطير الطاير إلى حرمها.
واضح أن مجلس طلبة جامعة بيرزيت المنتخب بشكل ديمقراطي، يتصرف وفقا لمزاجه دون ان يأخذ باعتباره قواعد القانون والنظام، والأهم انه سجل فشلا ذريعا في ايصال رسالته المحقّة المعارضة لرفع الأقساط الجامعية بأسلوب مقبول.
لقد تخطى المجلس حدوده وتجاوز حقوق باقي الطلبة الذين يرغبون في الدوام. لقد كان بإمكانه أن يعلن ببساطة "لا" كبيرة بوجه قرار الجامعة بأدوات التعبير المتعددة لايصال رأيه، وكان بمقدوره القيام بالفعاليات والأنشطة التي يراها بحضور الطلبة ومشاركتهم، من تعليق الدوام وتنظيم الاعتصامات في الحرم الجامعي وقيادة الحوار المجتمعي للتوافق على صيغة الحل المرضي الذي يراعي مصالح مختلف الأطر والأطراف داخل أسوار الجامعة وخارجها.
كل هذا كان يمكن أن يُمارَس، إنْ قدَّم المجلس نفسه كقيادة حكيمة تتحمل المسؤولية اتجاه ناخبيها، ويبدي حرصه على استمرار العملية التعليمية، وإظهار قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة اثناء الأزمات، الأمر الذي يمكنه من زيادة أرصدته لدى جمهور الطلبة، ويرفعها لدى المجتمع بما يمكنه من حجز مكان له في المستقبل..
في الجانب الآخر من المعادلة، تقف جامعة بيرزيت حاملة أزمتها المستعصية، كان على الإدارة التي تعيش في ظل أزمة مالية متراكمة أن تختار ما بين إضرابين متوقعين، إما أن تكون أمام إضراب نقابة العاملين في الجامعة في حال عدم الوفاء بالتزاماتها التعاقدية تجاههم، وهي التزامات باهظة بسبب سعر صرف الدينار الثابت على سعر مختلف عن السعر المتداول، أو تذهب إلى اختيار إضراب مجلس الطلبة الذي يجر جماهير الطلبة خلفه بحكم الاغلاق..
وفي اختيار إدارة الجامعة ما بين النارين، تعالَت على الوضع الاقتصادي غير المحتمل، واستكبرت على مجلس الطلبة المنتخب، كان عليها ومن الطبيعي والمتوقع إشراك المجلس كممثل لجماهير الطلبة في القرار. وكان عليها أن تعمد إلى حوار الطلبة وباقي الأطراف في وقت مبكر قبل افتتاح العام الدراسي.
ان تجاهل الجامعة للأطراف الشريكة صعَّب مهمتها، حيث لم تظهر تمايزها عن الأسلوب السلبي الفلسطيني الذي أصبح ثقافة سائدة، في النجاح في إصدار المواقف، والفشل في إصدارها عبر الحوار والنقاش، وتوجت ذلك بفصل قيادات طلابية من الجامعة كرد فعل غير مبرر أو مفهوم.
الجنازير والاضراب "كوم"، واللامبالاة المجتمعية "كوم" آخر، وكأن الحدث يدور في كوكب المريخ أو أبعد. المثير للاستغراب في أزمة الجامعة، عدم الاكتراث الذي يبديه المجتمع إزاءها..القوى السياسية صامتة وكذلك الحكومة. صمت على أزمة الجامعة وعن لجوئها المنفرد الى اجتراح الحلول دون إشراك الأطراف التي يمكن أن تساهم في الحل وتحميه، وصمت على السلوك اللاديمقراطي للمجلس وعنفه في التعبير عن موقفه.
عنف مجلس الطلبة مصادقة صريحة على نتائج المسوح والأبحاث المحلية التي تشير إلى تصاعد وتيرة العنف في المجتمع الفلسطيني، وهو برهان على غياب الحوار الديمقراطي بين الشرائح المتعارضة. وهو أمر بات لا يحتاج الى براهين وجهد للدلالة عليه وإثباته. فالنموذج الذي تقدمه الفصائل في الحوار الفلسطيني الداخلي أكبر برهان، والقدوة السلبية ماثلة سوابقها في الحلّ المسلّح لحسم الخلافات السياسية والتنظيمية، الأمر الذي على المجلس نفسه الالتفات إليه، والتوجه إلى وضع مدوّنة سلوك تحدد أساليب العمل النقابي وحدوده..
الشيء بالشيء يذكر، حيث يذكر سلوك الطلبة العنيف وسوء إيصال الرسائل، بالحدث الذي وقع في آذار الماضي في ذات الجامعة، وذلك لدى منْع القنصل البريطاني من إلقاء محاضرته بالقوة بديلا عن الاستماع إليه وحواره في مسؤولية بلاده عن نكبة الشعب الفلسطيني، أو ربما الانسحاب الجماعي من القاعة قبل بدئه في تقديم محاضرته، تعبيرا عن رفض سياسة بلاده وتقديمها وعدا مشؤوما للاحتلال لاقامة دولته على أرضنا. وهي الشواهد التي بحاجة الى وقفة تأمل بالحلول التربوية المطلوبة التي تحفظ السلم الأهلي في المجتمع.
الآن وبعد مرور اسبوعين على الاضراب، لا يمكن استمرار مشهد الجامعة. ولا بد لإدارتها ان تذهب مع الحكومة والقوى السياسية ومجلس الطلبة ونقابة العاملين إلى حوار جدي يخرج الجميع من عنق الأزمة، يكون من بين مهمات النقاش وضع آلية لتنفيذ المرسوم الرئاسي الذي أنشأ صندوق الطالب الجامعي، وتغذيته من الحكومة وفقا لقانون التعليم العالي، وربما يستطيع المواطنون المساعدة في المساهمة بمبلغ زهيد يجبى مع ضريبة الأملاك.


